لا يمكن لترس أن يتحرك بمفرده، قاعدة ثابتة يمكن تطبيقها على الفن بوجه عام والدراما بوجه خاص، فجميع المشاركين في العمل هم “تروس” يعملون داخل ماكينة واحدة لإنجاح العمل الدرامي، لكن البطل داخل العمل أو النجم له نصيب الأسد، و”الترس” الأكبر داخل هذه الماكينة، يختلف كثيرًا شكل ومقومات النجم من فترة لأخرى حسب عوامل عدة، منها ما يتعلق بالبيئة المحيطة بالفن عمومًا، ومنها ما يتعلق بجيل جديد من النجوم بدأ يضع لنفسه قواعد ظهور مختلفة.
من فيلم (مراتي مدير عام) إلى (ساعة ونص) صدمة سريعة تلاحق المشاهد، ليظهر أمامه الفرق بين طبيعة النجم داخل العمل الفني الواحد، ففي “مراتي مدير عام” الذي عرض عام 1966، نجده حقق نجاحاً كبيراً، وكان له بطل واحد هو صلاح ذو الفقار، وبطلة واحدة هي شادية، وناقش قضية هامة تُثار إلى الآن، وهي المشكلات الناجمة عن ترؤس المرأة العمل الذي يعمل به زوجها، والغيرة المهنية التي تنشأ بطبيعة الرجل المصري، الذي لا يقبل أن تترأس زوجته المهنة التي يعمل بها.
على الجهة الأخرى، فإن معظم المسلسلات والأفلام خلال تلك الحقبة كانت على هذا النحو، نجم واحد، بطل وبجواره بطلة، واستمرت الأمور هكذا، إلى أن جاء فيلم “ساعة ونصف” الذي حقق نجاحًا باهراً أيضاً، عندما تم عرضه عام 2012، لكنه كان بطولة جماعية لأكثر من 15 نجمًا جميعهم على نفس القدر من الأهمية بأدوارهم داخل الفيلم، منهم إياد نصار، أيتن عامر، يسرا اللوزي، سوسن بدر، محمد رمضان، كريمة مختار، كريم محمود عبد العزيز، أحمد السعدني، أحمد بدير، محمد عادل إمام، سمية الخشاب، فتحي عبد الوهاب، هالة فاخر، ماجد الكدواني، ناهد السباعي وأحمد الفيشاوي.
وحقق الفيلم نجاحا غير عادي، وغير الكثير حول مفهوم النجم الأوحد للعمل الفني، فقط تم إنتاجه عقب ثورة يناير مباشرة، وتعرض لظاهرة الفقر والتفكك الاجتماعي بشكل مباشر، وما نتج عنه من موت لجميع من في القطار كناية عن هلاك الكثيرين بفعل العوز والفقر.
الهدف من السطور السابقة يقبع في عرض صورة النجم، وكيف اختلفت على مدار 50 عاما؟، كانت بدايتها بأن يكون النجم منفردًا بالعمل، صورته تتمركز فوق دور العرض السينمائية، وكان ذلك في الخمسينيات والستينيات، حتى جاءت حقبتي السبعينيات والثمانينيات، وبدأت البطولة الثنائية والثلاثية، مثلما حدث في فيلم “بنات حارتنا” إنتاج عام 1987، بطولة بوسي ودلال عبد العزيز وإلهام شاهين، وكانت جميع أدوراهن بالفيلم على نفس القدر من الأهمية.
وكانت تدور أحداثه حول “عزيزة” و”جمالات” و”لواحظ”، وهن ثلاث صديقات من حي شعبي يعملن في تجارة “الشنطة” مع “الست نازاجا”، يحدث بينهن وبينها خلاف ويتركن العمل معها، فتستغلهن تاجرة شنطة شهيرة ومعاونها حربي للسفر إلى أوروبا بحجة شراء فساتين سهرة، وفي الحقيقة يتم تهريب مخدرات في حقائبهن دون علمهن، وفي إحدى رحلاتهن يتم القبض عليهن.
ويُعد الفيلم من أكثر الأفلام الذي نمى فكرة البطولة النسائية الجماعية، وفي نفس الوقت ناقش قضية التهريب، واستغلال الفتيات في ذلك.
في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، فرضت الدراما مقومات أخرى للنجم عادة ما تأخذ شكلًا ملفتًا للعين والانتباه، مثل أحمد زكي البطل الأسمر ذي الشعر المجعد، وتصنع من أجله السيناريوهات والأعمال الدرامية، ويحقق بمفرده العائد المادي المنشود من أي عمل فني، لنجد أنفسنا نعود من جديد لعهد النجم الأوحد الذي يخدم عليه بعض النجوم، لكن مساحة الدور له داخل العمل بارزة وواضحة جيدًا، منهم على سبيل المثال لا الحصر عادل إمام، نور الشريف، أحمد ذكي، فقد تصدروا “أفيشات” هذه الحقبة، حتى جاءت نهاية التسعينيات وطغى الجيل الثاني من النجوم مثل أحمد السقا ومحمد هنيدي وظهرت البطولة النسائية المنفردة مع منى ذكي وياسمين عبد العزيز، فبالرغم من انتشار عدد كبير من النجوم في ذلك الوقت إلا أنه ليست هناك مواصفات ثابتة يمكن الاعتماد عليها ونحن بصدد صناعة نجوم الدراما والتليفزيون، فكل حقبة زمنية كان لها نجومها، بعضهم صنعته الموهبة، وبعضهم الآخر صنعته بعض شركات الإنتاج، رغم ضآلة الموهبة، أو انعدامها، وتعتمد تلك الشركات على احتياج المجتمعات للتغير فيما تراه خاصة في التليفزيون.
تغير “الأذواق”
تقول الدكتورة عزة عبد الكريم، أستاذ النقد الفني بجامعة القاهرة، إن أذواق المجتمعات نفسها تتغير من زمن لآخر، وفق عوامل كثيرة منها الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ومع كل تغير يظهر نجم تغمر صوره الشاشات، الهدف من تواجده جذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين خلال عرض العمل الذي يقدمه، بغض النظر عن جودته، فنحن هنا بصدد الحديث عن عمل تجاري بحت، ومكاسب وخسائر، فكلما كان العمل مليئًا بالعنف، والغموض، مع قليل من الغناء، وكثير من الفكاهة أو النكد (على حسب الدور) يكون الشخص في طريقه لاكتمال النجومية المزعومة .
عائلة شلش
مسلسل “عائلة شلش” من أكثر الأعمال الدرامية الكوميدية التي تم تقديمها ومزجت بين نجوم كبار وآخرين مبتدئين، واهتم العمل ببث رسائل من خلال بعض المواقف الطريفة.
وعُرض في فترة التسعينيات وحقق نجاحًا كبيرًا ومازال عالقًا في أذهان هذا الجيل، وكان من بطولة الفنان الكبير صلاح ذو الفقار، وتدور أحداثه في إطار كوميدي يرصد شكل العلاقة بينه وبين أبنائه وزوجته وعلاقته بجيرانه في العمارة، ليقدم من خلال هذا المسلسل الكثير من الأفكار والمواقف الطريفة المهذبة التي يكون من خلالها معلومة أو رسالة للمشاهد.
معايير صناعة النجوم
رغم هذا، فهناك معايير ثابتة تمنح الممثل الفرصة ليكون نجماً سواء كان تليفزيونياً أو سينمائياً في مقدمتها الورق أو الكتابة.
تقول “عبد الكريم” “إن نصف نجاح العمل الفني والنجوم يعتمد على تأديتهم لورق جيد، مكتوب بحبكة جيدة، ذاكرة جميع التفاصيل المطلوبة من الفنان في كل مشهد التنهيدة، النظرة، الامتعاض، حمرة الوجه، كل التفاصيل وليست الجمل الحوارية فحسب، فلو أتقن الفنان جميع تفاصيل العمل المكتوبة أمامه يمكنه بالتدريب خلال عدة أعمال أن يكتسب هوية خاصة له، وهو ما يفسر تطور أداء بعض النجوم، يختلف دورهم الأول كثيراً عن الأدوار فيما بعد”.
وتضيف: “فالدور الأول لسندريلا الشاشة الفنانة سعاد حسني، كان فيلم حسن ونعيمة، من المؤكد أنه يختلف عن دورها في صغيرة على الحب من حيث الإتقان والتملك للكاميراً، وهنا هو الاختبار الحقيقي لموهبة النجم، هل هو نجم حقيقي يلمع بالتمرس والتدريب أم هو نجم وهمي مزيف مهما ازدادت مرات وقوفه أمام الكاميرا لا يأخذ منها شيئاً ولا يضيف، فعلى الرغم من بساطة الحديث عن الفن ونجومه سواء كانوا الحقيقين أم المصطنعين، إلا أنه أمر شائك للغاية، فهو أداة وسلاح ناعم للغاية خاصة الدراما التليفزيونية التي تدخل كل منزل لذلك فلها وحدها معاييرها الخاصة، تحددها المجتمعات كل حقبة زمنية وفق بعض العادات والتقاليد والميول والتي تختلف بداخلها الأذواق”.
موسوعة دراما التلفزيون
صدرت (موسوعة دراما التليفزيون) وهي الأولى من نوعها عن الهيئة العامة للكتاب، والتي تؤرخ للدراما التليفزيونية في مصر خلال الفترة ما بين عامين (1962 – 2018) وهي للدكتورة عزة أحمد هيكل، عميد كلية اللغة والإعلام بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بالقاهرة، بالتعاون مع طلابها بالأكاديمية، الذين آمنوا أن الدراما لها الدور الأكبر في تشكيل الوعي لدى المجتمعات.
قبل عام 1960، لم يكن هناك دراما بالمعنى المفهوم، وهو ما أوضحته الموسوعة، بل كان الاعتماد الفني أكثر على الدراما الإذاعية وسهرات التليفزيون، في شكل سهرة واحدة أو موضوع واحد وليست مسلسل مكون من عدة حلقات، فكانت البداية عام 1962، بمسلسل (لمن نحيا) بطولة النجمة سهير البابلي والفنانة زوزو نبيل وكان للمخرج حسين كمال، وتأليف كوثر هيكل، تلاه في نفس العام مسلسل آخر بعنوان (هارب من الأيام) للنجم سعيد صالح، ومن إخراج نور الدمرداش، وتأليف ثروت أباظة، ثم توالت الأعمال الدرامية فيا بعد، يظهر معها نجوم ويختفي معها نجوم آخرون.
أهم ما جاء في الموسوعة أنها ميزت بين عدد من التعريفات التي تختلط في أذهان الجميع، من بينها التفريق بين مصطلح المسلسل، والسهرة، فالأول يعتمد على عدد من الحلقات التي تدور قصتها حول حبكة درامية واحدة، أما السهرة فهي تعرض في يوم واحد لها بداية وحبكة درامية وصراع يحتدم بنهايتها.