كان تصويت المصريين في الخارج أحد أهم المطالب الانتخابية التي شغلت المهتمين بالشأن الانتخابي لعقود، وكانت ذريعة رفض هذا المطلب تتصل بعدم وجود إحصاء لهؤلاء، وأن هناك مصاعب إجرائية؛ لتنفيذ تصويتهم على أرض الواقع لتباين الظروف بين بلدان المهجر وبعضهم، وكذلك تباين العلاقات الدبلوماسية مع الدول المستقبِلة لهم، وتشتت أماكن التصويت، أو تعدد النظم السياسية في تلك البلدان.
لكن، وعقب أحداث يناير2011، شهدت الساحة الانتخابية تطورًا لصالح حرية الرأي والتعبير، وكان ضمن ذلك إقرار تصويت المصريين بالخارج. إذ على الرغم من رفض المجلس الأعلى للقوات المسلحة هذا المطلب في البداية؛ لأسباب إجرائية إلا أنه اضطر للقبول بذلك بعد أن أجبر القضاء السلطة التنفيذية على القيام بذلك، عقب الاستفتاء على تعديل الدستور في 31مارس2011.
والسؤال الآن، ماهي طبيعة الهيئة الناخبة في الخارج، وما وسيلة الاقتراع، وكيفية الإشراف عليه، وما هو وقت ومكان التصويت والفرز، وهل يمكن للمصريين بالخارج أن يغيروا نتيجة انتخابات عامة؟
طبيعة الهيئة الناخبة
بداية، تجب الإشارة إلى أن تحديد الهيئة الناخبة هو أحد أصعب الخطوات التي تواجه انتخابات الخارج في أي نظام سياسي. بل لا نجافي الحقيقة أن نقول، إن تحديد تلك الهيئة في داخل القطر يتسم بالصعوبة في بعض البلدان المتقدمة كالولايات المتحدة، فما بالنا بتحديدها بالنسبة للمقيمين بالخارج في دولة نامية.
وقد تضمن المرسوم، بقانون الذي أصدره المجلس العسكري في 20نوفمبر2011، حق المصريين في الخارج في كافة الاقتراعات. لكن المرسوم اشترط أن يكون المقترع مقيدا بقاعدة بيانات الناخبين، وأن يتقدم برغبته في التصويت عبر الموقع الإلكتروني للجنة إدارة الانتخابات، حيث يثبت شخصيته عبر بيانات بطاقة الرقم القومي أو جواز السفر الحديث، وساري الصلاحية. فيحصل الطالب على كود سري هو المحدد لتشكيل الهيئة الناخبة. أما غير القادر على استيفاء تلك الخطوات، فيذهب لمقر البعثة الدبلوماسية؛ لمساعدته في ذلك. وبذلك يكون هناك سجل للمصوتين بالخارج ضمن قاعدة البيانات العامة.
وعلى هذا النحو، سارت انتخابات الرئاسة 2012 فقط، أضيف لما سبق طلب تسجيل اسم أم طالب الاقتراع أو التسجيل في الموقع الإلكتروني للجنة انتخابات الرئاسة، حتى يتم الحصول على الكود السري، وفقا لقرار اللجنة رقم 4، وذلك لسد ثغرات؛ لتزوير الانتخابات، قد وقعت بالفعل إبان انتخابات2011/2012 البرلمانية.
وكانت النتيجة العملية، والمهمة لتأسيس سجل الناخبين بالخارج وفق تلك الطريقة، وبعد تلك القيود الاحترازية، هي محدودية عدد المسجلين. فقد بلغ هذا العدد على سبيل المثال في الانتخابات البرلمانية 2011 -وفقًا لبيانات اللجنة العليا للانتخابات- نحو 355500 ناخب، ينتمي نحو 77% منهم إلى السعودية، والكويت والإمارات وقطر، رغم تقدير أعضاء البعثات الدبلوماسية لهذا العدد في الخارج وفقًا لدراسة أعدها عمرو عجماوي، بمركز دعم القرار بمجلس الوزراء، بنحو 6304171 نسمة، منهم 4459705 في البلدان العربية وكان عدد الحاضرين في انتخابات الرئاسة 2012 هو 311 ألف تقريبًا. وبطبيعة الحال، فإن هذا الأمر يدل على مدى التباين الكبير بين المسجل أسماءهم بقاعدة بيانات الخارج وعدد المقيمين الفعليين بالخارج.
وبالنسبة لانتخابات 2014 و2018، فقد تغير نظام التسجيل كلية، إذ اقتصر على ذهاب المقترع مباشرة، دون تسجيل مسبق لمقر البعثة الدبلوماسية حاملا بطاقة الرقم القومي، أو جواز السفر الساري متضمنا الرقم القومي.
وسيلة الاقتراع والإشراف عليه
وقد حددت لجنة انتخابات الرئاسة المكلفة بالإشراف على الانتخابات بحكم القانون نظام الاقتراع في انتخابات2012، عبر التصويت المباشر، مع إمكانية منح حق التصويت البريدي كجواز أو، كاستثناء. وأشارت اللجنة إلى أن الراغب في التصويت عليه أن يبدي رغبته في ذلك، فيؤسس سجلا خاصا بتصويت الخارج، بموجبه يسقط حقه في الانتخاب في الداخل، وبذلك لا يستطيع الناخب القدوم إلى مصر وقت الانتخاب بالداخل، ويدلي بصوته مرة أخرى تحت إشراف أعضاء السلكين الدبلوماسي أو القنصلي، كبديل للإشراف القضائي في الداخل. وفي اليوم المقرر للاقتراع، يقوم الناخب بسحب بطاقة واحدة لانتخابات الرئاسة، وذلك لمن يرغب في التصويت البريدي (التصويت البريدي اختياري)، وذلك كله بموجب الكود الذي حصل عليه في السابق جميع الراغبين في الاقتراع في الاستحقاق الرئاسي. وتوضح أوراق الانتخابات المنسحبة إرشادات، وإقرار بالتصويت بالخارج. وبعد أن يدون الناخب بطاقات الاقتراع سرًا، بوضعها في مظروف، ثم يضع ذلك في مظروف كبير عليه عنوان القنصلية، وما بين المظروفين يضع الناخب صورة الإقامة أو صورة رخصة القيادة، أو كارنية الدراسة أو أي هوية سارية وصادرة من الدولة المضيفة، وذلك كله لضمان ألا يصوت المقيم بالخارج مرتين.
في انتخابات الرئاسة عام 2014، التي أشرفت عليها لجنة انتخابات الرئاسة، وانتخابات 2018 التي أشرفت عليها الهيئة الوطنية للانتخابات، أُلغي التصويت البريدي كلية، نتيجة أعمال التزوير التي اكتشفت؛ بسبب التصويت الجماعي في انتخابات البرلمان 2011/2012، والتصويت الجماعي والمتكرر في الانتخابات الرئاسية عام 2012. وعامة، فقد استعيض عن التصويت البريدي بحضور الناخب لمقر البعثة للتصويت، وكان نتيجة ذلك أن قل عدد الناخبين في الاستفتاء على الدستور 2014 إلى107 آلاف مقترع، وارتفع العدد إلى 318 ألف مقترع، في انتخابات الرئاسة في ذات العام، بسبب الحشد الكبير بعد سقوط حكم الإخوان. لكن رغم ذلك ظل العدد محدودًا مقارنة بعدد المصريين بالخارج، وهو ما رجع إلى عدم اشتراك البعض في قاعدة بيانات الرقم القومي، وابتعاد المسافة بين هؤلاء ومقرات البعثات الدبلوماسية، لا سيما بعد أن أصبح الناخب مجبرا على الحضور بنفسه بعد إلغاء التصويت البريدي، ووجود الكثيرين من المصريين المقيمين بشكل غير شرعي، والذين يحق لهم التصويت في الداخل، وليس الخارج، لأنهم لا يحملون ما يدل على إقامتهم بالخارج بشكل شرعي.
وقت ومكان التصويت وأعمال الفرز
وفقًا للمرسوم بقانون الصادر في 20 نوفمبر 2011، فإنه يتحتم إنشاء مقار انتخابية في دوائر اختصاص البعثات الدبلوماسية خارج البلاد وفقاً للقواعد التي تقررها لجنة الانتخابات، ومن بعدها الهيئة الوطنية، وأن تحدد تلك اللجنة/ الهيئة عدد اللجان الفرعية خارج البلاد التي يجرى فيها الاقتراع، وتعيين مقارها، كما تعين مقار اللجان العامة، وذلك كله بالتنسيق مع وزير الخارجية. وقد اتُبِع ذات الإجراء في الانتخابات الرئاسية 2012 و2014 و2018. جدير بالذكر، أنه قد استثني في كل انتخاب البلدان التي تشهد أعمال عنف، أو عدم وجود سلطة مركزية أو سفارة لمصر لسبب أو لآخر، ومن ذلك على سبيل المثال، ليبيا وسوريا والصومال.
أما بالنسبة إلى عملية فرز بطاقات الاقتراع، فيتباين مدى تعقيدها أو سهولتها وفقًا لموضوع إبداء الرأي، فكانت انتخابات الرئاسة، والاستفتاءات أيسر من الانتخابات البرلمانية.
وفيما يتصل بالفرز في الانتخابات الرئاسية 2012 و2014 و2018، فرغم أن تحديد مكان الفرز داخل البعثات الدبلوماسية قد سهل من الإجراءات، إلا أن اشتراط تسلم المقرات الدبلوماسية لبطاقات التصويت ممتلئة بالنسبة للانتخابات الرئاسية 2012، والتي دون فيها الناخب رغبته قبل انتخابات الداخل عبر البريد (كان الاقتراع جوازيًا والأصل الحضور للبعثة)، قد عقد عملية التصويت بعض الشيء. إذ اشترط تسلم الخطاب قبل انتخابات الداخل بثلاثة أيام، وقبل تصويت الداخل بيومين يُفتح المظروف الخارجي، ويُثبت أن صاحبه قد أدلى بصوته، وقبل التصويت بيوم واحد يفتح المظروف الداخلي، وتسجل الرغبات وترسل النتيجة إلى اللجنة العليا. جدير بالذكر، أن التوقيتات السابقة قوبلت بإجازات أسبوعية متوالية في البلد المضيف، والبلد الأم (مصر) ما أدى إلى عدم إيصال العديد من المظاريف؛ بسبب توقف العمل في هيئات البريد.
علاقة اقتراع الخارج بنتائج انتخابات الرئاسة
يبقى السؤال الآن، هل يحسم اقتراع الخارج نتيجة انتخابات الرئاسة؟ المؤكد ومن واقع التجارب الثلاث الماضية، أن انتخابات الخارج لم تحسم نتيجة نهائية للانتخابات الرئاسية، وعلى الأرجح أنها لن تحسم نتيجة الانتخابات القادمة.
فبداية، إن اهتمام مصر كدولة ومجتمع بتصويت المصريين بالخارج نابع فقط من حق المساواة بينهم، وبين مقترعي الداخل، ومن ثم هناك خشية في الطعن في نتيجة الانتخابات، لو اكتُفي بانتخابات الداخل. بعبارة أخرى، يتعامل الكثيرون مع تلك الانتخابات فقط كإجراء وقائي، لدسترة وتقنين العملية الانتخابية. حتى الانتخابات الرئاسية التي كانت أكثر زخمًا، وهي انتخابات2012، والتي كانت نتيجتها تقترب من الـ 50% لكلا المتنافسين، كان الفرق بين الفائز الأول محمد مرسي(12952507أصوتًا) والثاني أحمد شفيق (12111898صوتًا) في الإعادة بالنسبة لأصوات الداخل هو840609 أصوات، وهو أقل من نصف جملة المقترعين في الخارج. أما انتخابات 2014، الأقل زخمًا من انتخابات 2012، وأكثر زخمًا من انتخابات2018، لكون انتخابات 2014، تمت عقب أحداث يونيو 2013 مباشرة، ولكون انتخابات 2018 تمت بين مرشحين أحداهما دوبلير للرئيس، فكانت نتيجة الخارج في انتخابات 2014 التي حضرها 318033 مقترعا، لصالح الرئيس السيسي إجمالا بنسبة 96.94% لعبد الفتاح السيسي و3.06% لحمدين صباحي.
ولعل واحدا من أهم مشكلات مشاركة المصريين في الخارج في الانتخابات، هو بعد مقرات الانتخاب عن الناخب، رغم تعدد المقرات (139 مقرا انتخابيا في 124 دولة في انتخابات2018). خذ مثلا السعودية، والتي بها أكبر تجمع للمصريين بالخارج، بها مقران فقط بجدة والرياض!!. إضافة إلى ذلك، كان هناك قلة في أيام الاقتراع، والتي كانت 3 أيام في انتخاب 2014، و4 أيام في انتخابات 2018. صحيح أن انتخابات 2012، امتدت لأسبوع كامل في كل جولة من جولتي الانتخاب، ولم يغير ذلك من الأمر شيء، لكن مشكلة تلك الانتخابات هي تعقيد الإجراءات التي منعت الكثيرين من المشاركة، رغم طول مدة الاقتراع. وإذا أضيف لما سبق النظر مؤخرًا للمصريين بالخارج، باعتبارهم مجرد وعاء وذخيرة لا تنضب للعملة الأجنبية، لأدى ذلك لتبرير عزوف الكثيرين عن المشاركة، وهو المتوقع في الانتخابات القادمة، رغم زيادة عدد المصريين في الخارج وسهولة إجراءات الاقتراع.
من المهم أيضًا، التأكيد أن مشكلة تصويت المصريين في الخارج في الانتخابات، رغم منح هؤلاء كوتة برلمانية تشجعا لهم على التصويت والترشيح، لا تختلف كثيرًا عن مشكلات المصريين بالداخل، فيما يتعلق بإدراك هؤلاء بعدم جدوى الانتخابات في حدوث تداول سلمي للسلطة، وإصلاح أحوال البلاد فيما يتصل بالأسعار والبطالة والرواتب، وسوء حالة الخدمات، خاصة التعليم والصحة، لا سيما وأن أغلب المصريين بالخارج هم من العاملين لبعض الوقت في الخارج، وليسوا من المهاجرين، بمعنى أن هؤلاء لديهم عائلات، وأسر في الداخل يعانون العوز والفاقة التي يعاني منها غالبية المصريين.
هنا يجب الإشارة، إلى نسب المشاركة المحدودة في الاقتراعات العامة في السنوات العشر الأخيرة، رغم أن أحد عوامل اختلافها يرجع إلى نوع، وسبب الاقتراع. ففي انتخابات الرئاسة 2012، في الجولتين شارك 47 %و50.1% وفي انتخابات 2014 و2018، شارك نحو 47.34% و41.05% على الترتيب.
وفي استفتاءات الدستور 2011 و2012 و2014 و2019، شارك التالي 41.19% و32.86% و38.6% و44.33% على التوالي. وفي انتخابات البرلمان عام20،11 كانت نسبة المشاركة 62%، وعام 2015 في المرحلتين الأولى والإعادة على الترتيب (26.56% و21.71% و29.83% و22.03%). وفي مجلس الشورى 2012 كانت 12.5%، وفي انتخابات الشيوخ 2020، كانت المشاركة في المرحلتين 14.23% و10.22%. وفي انتخابات النواب 2020، كانت النسبة في المرحلة الأولى في الجولتين 28.06%و20.01%، وفي المرحلة الثانية جولة أولى 29.05%(لم تعلن النسبة في الجولة الثانية).
وفي بعض تلك المواقف، كانت مشاركة المصريين في الخارج محدودة للغاية على الرغم من كبر وضخامة أعدادهم. إذ حضر 311000 تقريبا في انتخابات البرلمان 2011، وحضر 246407 في استفتاء 2012، وحضر246407 في استفتاء 2014 نحو107 آلاف، وفي الرئاسة2014، حضر 318033، وفي الرئاسة 2018 حضر 157060.