صدرت روسيا شحنة غاز مسال عبر طريق بحر الشمال، حملت الناقلة 37000 طن في ميناء أوست- لوجا في 5 أغسطس؛ لتقطع طريقها في بحر بارنتس “يقع إلى الشمال الشرقي من النرويج والجزء الأوروبي من روسيا “، متجهة إلى الصين.
وترى موسكو في الطريق الممتد من مورمانسك بالقرب من حدودها مع النرويج شرقًا إلى مضيق بيرنج بالقرب من ألاسكا الأمريكية، بديلًا لقناة السويس الذي يعد خيارها الأول في نقل الغاز.
بينما عبر طريق بحر الشمال، قامت بتوريد 35 مليون طن من النفط الخام، والغاز الطبيعي المسال، والفحم والمعادن، خلال 2022.
رهان روسي على الاحتباس الحراري
تدرك روسيا أن الثلوج تمثل تحديا للنقل في بحر الشمال، لكن التغيير المناخي منح للطريق أهمية مستجدة؛ بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة ذوبان الجليد.
مع التغيرات المناخية، أصبح الطريق ممهدا 88 يوما في العام، وصالحا للنقل مع الاعتماد على سفن ناقلات من كاسحات الثلوج؛ لتسهيل عبور السفن.
وسبق وأشار مسئولون روس، إلى أهمية تطوير الممر البحري عبر القطب الشمالي الذي بات يمكن استخدامه في شكل متزايد؛ بسبب التغير المناخي.
وتزامن ذلك مع تعطل حركة الملاحة، وتوقف إحدى السفن في قناة السويس، ما أربك حركة النقل التجاري العالمي، بما فيها حركة ناقلات الغاز والبترول.
حاولت روسيا تسويق مشروعها بقوة إبان حادثة جنوح سفينة الحاويات “إيفر جرين”، وقال نيكولاي كورتشونوف، المبعوث الروسي للتعاون الدولي في القطب الشمالي، إن انسداد القناة يجب أن يجعل العالم، ينظر إلى الطريق الروسي كبديل للتجارة الدولية.
وفق الحسابات الروسية، فإن بحر الشمال قد يكون طريقا أقصر، من المرور عبر قناة السويس، لكن يتعين على شركات الشحن استخدام سفن من فئة كاسحات الجليد، مما يزيد التكاليف على الطريق الذي يعتبر مغلقًا باستثناء أشهر الصيف.
خطة للتطوير: روسيا تبني أسطولا من كاسحات الجليد النووية
تمهيدا للتوسع في استخدام طريق بحر الشمال، وضعت روسيا خطة تطوير ضخمة بتكلفة 29 مليار دولار للمشروع، في ظل رغبة سياسة روسية باكتساب مكانة ركزية في عبور التجارة الدولية.
يعتبر الطلب الصيني المحرك الأهم لاستخدام الطريق البحري الشمالي الذي يبلغ طوله 13000 كيلومتر، مقابل مسار قناة السويس بين أوروبا، وآسيا الذي يبلغ طوله 21000 كيلومتر.
لكن إمدادات النفط الروسية عبره لم تتعد نصف مليون طن متري العام الحالي، تم توريدها في خمس ناقلات محملة، بينما كانت الهند المستهلك الأول للنفط الروسي حاليًا تستخدم طريق قناة السويس المعتاد.
موسكو تراهن على ظاهرة الاحتباس الحراري الذي أتاح فرصًا لدول القطب الشمالي؛ لاستكشاف إمكانات مسار البحر الشمالي كطريق تجاري دولي جديد، وأصبح صالحًا للملاحة لمدة 88 يومًا، وهي أطول فترة مسجلة على الإطلاق.
ومع انفتاح الفرص؛ لاستخدام طريق بحر الشمال، بدأت روسيا تتوسع في بناء سفن كاسحة الجليد؛ لاختراق العوائق الجليدية، خلال مرور السفن التجارية المحملة بالنفط أو البضائع.
تقديرات وفرص
وفقًا لأحدث توقعات شركة روساتوم الروسية، سيشهد الطريق 270 مليون طن من البضائع عام 2035، ما يمثل زيادة بمقدار عشرة أضعاف تقريبًا عن عام 2022، وهو رقم محدود حال مقارنته بقناة السويس التي مر بها 1.27 مليار طن من نقل البضائع عام 2022.
قبل بضع سنوات فقط، كانت التقديرات الروسية تشير إلى، أن القطب الشمالي يمكن أن يشهد 20% من حجم البضائع في قناة السويس.
وهي توقعات، كانت مثار شكوك خبراء الملاحة، لكن مسئوليها يصرون على أنها قابلة للتحقيق إلى حد كبير، مع نمو سريع لبناء أسطول كاسحات الجليد النووية.
إنتاج الغاز بالقطب الشمالي
يعتمد تحقيق الأرقام الروسية أيضًا، على قدرة شركة “نوفاتيك” المنتجة للغاز الطبيعي على بدء الإنتاج بالقطب الشمالي، للغاز الطبيعي المسال 2، والتقدم في مشروع “فوستوك أويل”، التابع لشركة النفط الروسية “روسنفت”، بجانب تعزيز قدرة قطاع بناء السفن الروسي.
المراهنة على زيادة الناتج المحلي
هناك حاليًا 29 سفينة شحن من فئة الجليد، بما في ذلك ناقلات النفط، والغاز الطبيعي السائل، بالإضافة إلى 41 سفينة أخرى قيد الإنشاء.
التقديرات الروسية تقول، إن استخدام بحر الشمال يزيد الناتج المحلي الإجمالي لها بمقدار 370 مليار دولار، أو حوالي 20%، بحلول عام 2035.
وستجلب الموارد الهيدروكربونية في القطب الشمالي أيضًا حوالي 122 مليار دولار، من عائدات الضرائب الإضافية على مدى العقد المقبل.
أما بالنسبة للتأثير على تدفقات الشحن العالمية، تتوقع شركة روساتوم استحواذ الخط الجديد على 10% من البضائع التي تتدفق عبر قناة السويس، بينما يعد مدير الشركة فياتشيسلاف روكشا، بأن يشهد نهاية 2027 ملاحة منتظمة في بحر الشمال، إضافة إلى فتح قناة شحن عرضها 60 مترًا، وهو ما يكفي مرور أكبر ناقلات النفط والغاز.
مشروعات روسية مكملة.. ما الهدف؟ وما الصعوبات؟
قبل وضع الخطط الطموحة لبحر الشمال، أنشأت روسيا ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب خلال سبتمبر 2000؛ لتسهيل التجارة مع إيران والهند.
توسع لاحقًا المشروع بانضمام 13 عضوًا رئيسيًا مثل، أذربيجان وبيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان وسلطنة عمان وطاجيكستان. وتركيا وأوكرانيا (موقفها غير معروف بعد الحرب)، وعضوية بلغاريا كمراقب.
يربط الطريق الهند ببحر قزوين، وروسيا وشمال أوروبا عبر إيران، والدراسات تتحدث عن أنه أقصر 40% وأرخص بنسبة 30% من الطرق التقليدية كقناة السويس، إذ يجمع بين التجارة عبر ثلاثة طرق برية غربية وشرقية ووسطى مع السكك الحديدية والطرق البحرية.
إيران كانت المستفيد الأول من ذلك الطريق الذي يجعلها قطبًا، يربط بين منظمة التعاون الاقتصادي، ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ودول مجلس التعاون الخليجي، والهند، وآسيا الوسطى، والشرق الأوسط، وشمال وشرق أوروبا، ولذلك حاولت طهران دعمه بكل السبل.
منذ بداية الحرب الروسيةـ الأوكرانية، أصبحت الأهمية الاستراتيجية للطريق مهمة لموسكو وطهران. وكلاهما يواجه عقوبات غربية، ومساعٍ لتسريع عملية إلغاء الدولار في التعاملات، ووقع الطرفان بالفعل اتفاقًا؛ لبناء خط سكة حديد “رشت – أستارا”؛ لنقل 10ملايين طن من البضائع، وترتفع قريبًا إلى 15 مليون طن باستخدام معدات نقل البضائع.
الدول المشاركة في الخط الجديد تحاول الترويج له بكل السبل، إذ قررت روسيا وكازاخستان وإيران وتركمانستان تطبيق خصم 20٪ مع تحسين الملاحة في حوض الفولجا- قزوين، لكن لم يتم جذب الكثير من السلع إليه، بجانب بعض المشاكل بالبنية التحتية منها، العقوبات المفروضة على إيران وروسيا.
تزايد التوترات بين إيران وأذربيجان، كما تشهد علاقات أذربيجان مع الهند تراجعا، وهناك أيضا التحديات الأرمينية الأذرية، تشكل أيضًا عقبات أمام الفرع الغربي للمجلس، علاوة على حاجة خطوط السكك الحديدية في إيران إلى التطوير، وتوسيع المستودعات، ونقص عربات النقل، وتجمد ميناء أستراخان في جنوب روسيا في الشتاء.
قناة السويس.. المنافسة تشتعل
لا تبدي الحكومة المصرية قلقًا من تلك التطورات، إذ رأى تقرير أخير لمركز دعم واتحاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، أن قناة السويس ستظل الطريق الأقصر والأفضل للتجارة العالمية، فالرحلة من جدة إلى بيرايوس اليونانية تستغرق 4 أيام بقناة السويس، مقارنة بـ 36 يوما في “الرجاء الصالح”.
ومن رأس تنورة السعودي إلى نيويورك 25 يومًا، عبر قناة السويس مقارنة بـ 35 يوما في رأس الرجاء الصالح، والطريق من كولومبو في سيريلانكا إلى نيويورك يستغرق 23 يوما من خلال قناة السويس، مقارنة بـ37 يوما خلال قناة بنما.
لكن هناك بعض الدراسات الأكاديمية، تحذر من ارتفاع المنافسة التي تتعرض لها قناة السويس من ذلك دراسة بعنوان “قناة السويس في مصر بين الواقع والمأمول”، نشرتها المجلة العلمية للاقتصاد والتجارة، رأت أن القناة المصرية في مواجهة لا يستهان بها مع العديد من مشروعات المسارات البديلة التي تتبناها دول كبرى في بقاع شتى، بعضها يحمل أجندات سياسية، وأخرى اقتصادية بزيادة النفوذ على ممرات التجارة العالمية.
وذكرت الدراسة العديد من المشروعات التي تهدد القناة، أهمها طريق الحرير البري والبحري؛ لربط آسيا وإفريقيا وأوروبا، وخط حديد شونكينج دويسبورج الذي يربط كازاخستان وروسيا وبولندا وبيلاروسيا، وطريق بحر الشمال، وسكك حديد تل أبيب إيلات، وقناة البحر الميت، وهو مشروع إسرائيلي أردني لربط البحر الأحمر بالميت.
ويقول الخبير الاقتصادي نادي عزام، إن قناة السويس تجذب المزيد من الحركة، إذ حققت أعلى معدل للعبور في العام المالي 2022/2023 بلغ 25887 سفينة، في ظل تبني سياسات تسعيرية، وتسويقية مرنة جذبت خطوط ملاحية جديدة.
يؤكد عزام، أن مشروع ازدواج القناة قطع الطريق أمام الكثير من الحجج التي تم تسويقها بتأخر مرور السفن بشريان الملاحة المصري.
وأضاف، أن التغير المناخي يصب في صالح قناة السويس أيضًا، مع تقلص حركة مرور السفن بقناة بنما التي يمر بها نحو 3.5 % من التجارة البحرية في العالم، وتشهد تقليصًا لحركة مرور السفن؛ بسبب الجفاف، ووجود أكثر من 200 سفينة، عالقة حاليًا لا تستطيع المرور عبرها؛ بسبب ارتفاع الغاطس.