كعادتها تلوح الهيئة الوطنية للانتخابات، قبل أي استحقاق دستوري بتوقيع غرامة على الممتنعين عن المشاركة في العملية الانتخابية، وهو ما يقع تحت نظام التصويت الإجباري الذي يتم فيه إلزام الناخبين بالتصويت في الانتخابات أو الحضور لمكان الاقتراع في يوم التصويت، وإذا لم يحضر الناخب المؤهل لمكان الاقتراع، فربما يتعرض لعقوبات تأديبية مثل الغرامات أو خدمة المجتمع وربما الحبس.
وفي كل مرة لا تُطبق الهيئة الوطنية للانتخابات تهديدها، فهل ستطبقه في انتخابات مجلس الشيوخ؟، أم أن للأمر دلالات سياسية أخرى؟
واجب وطني
تنص المادة 57 من قانون مباشرة الحقوق السياسية على أنه “يعاقب بغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه كل من كان اسمه مقيدًا بقاعدة بيانات الناخبين وتخلف بغير عذر عن الإدلاء بصوته في الانتخاب أو الاستفتاء”.
المستشار لاشين إبراهيم، رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، أكد أن الهيئة تدرس بجدية تطبيق الغرامة المقررة في قانون مباشرة الحقوق السياسية في حالة عزوف المواطنين عن المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ المقرر لها يومي 11 و12 أغسطس الجاري.
ودعا “لاشين”، جميع الناخبين لضرورة المشاركة بكثافة في هذا الاستحقاق، لافتًا إلى أن تواجدهم رسالة للمجتمع الدولي بوعي المجتمع المصري ودوره وعدم التقاعس؛ لأن المشاركة في الانتخابات واجب وطني.
وتابع “لاشين”: “الهيئة تحذر من العزوف عن التصويب، وتدرس بجدية تطبيق القانون بشأن توقيع الغرامة في حالة التخلف عن الإدلاء بالصوت مع التأكيد على الالتزام بكافة الإجراءات الاحترازية المتعلقة بالتباعد الاجتماعي وفرض ارتداء الكمامة للناخبين والمرشحين أو ممثليهم”.
بين التاريخ والحاضر
أقرت الديموقراطية الأثينية تاريخيًا، أنه من واجب كل مواطن المشاركة في صُنع القرار، لكن حضور الاجتماعات كان قرارًا طوعيًا، وأحيانا كان هناك شكل من أشكال الازدراء الاجتماعي لأولئك الذين لا يشاركون.
وتوجد 23 دولة لديها قوانين للتصويت الإجباري من بين دول الثلاثين في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية من بينها عشر دول فقط تقوم بتفعيله وهم: “الأرجنتين واستراليا والبرازيل والأكوادور ولوكسمبورغ وألبيرو وسنغافورة والأوروغواي، بالإضافة إلى شافهاوزن وهي منطقة إدارية سويسرية.
وهناك دول لا تطبق القانون ويأتي على رأسها مصر وبلجيكا وبوليفيا وكوستاريكا وجمهورية الدومينيك لبنان وليبيا والمكسيك وباناما والباراغواي وتايلند وتركيا.
قانون مباشرة الحقوق السياسة
لم يتوافق ناصر أمين، المحامي الحقوقي وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، على مصطلح التصويت الإجباري، لافتًا إلى أن المادة “57” بقانون مباشرة الحقوق السياسية دائمًا يتم إثارتها في الاستحقاقات التي تشعر فيها الإدارة السياسية بأن نسب التصويت ستكون قليلة أو غير المرغوب بها.
ويتابع “أمين”: “أتصور أنه لا يوجد إجبار للمواطن علي الإدلاء بصوته، وهذا النص غير دستوري، لان الحق في المشاركة في الحياة العامة لصالح المواطن، وليس لصالح المؤسسات النيايبة، ولا يجوز التدخل في رغبته”، معقبًا: “هذا النص اعتداء على الحق في المشاركة وحرية الرأي وبالتالي نص غير دستوري”.
ويوضح المحامي الحقوقي، أن النص الدستوري هو الأشمل، ويجب أن تدور كافة القوانين في فلكه، مشيرًا إلى أن التلميح بفرض غرامة لا يمكن تطبيقه وهو نابع من إحساس الهيئة الوطنية للانتخابات بضعف نسب المشاركة.
نسب التصويت لم تتأثر بالتلويح بالغرامة
ويشير “أمين”، إلى أنه لا يتوقع أن تتم انتخابات مجلس الشيوخ من أول مرة بتحقيق نسبة الـ”50%” تصويت، وسيتم الأمر في الجولة الثانية بأي نسبة حضور، متابعًا: “سيكون هناك نسبة عزوف كبيرة ولن تؤثر التلويح بالغرامة على من لا يشارك”.
وينوه المحامي الحقويق، إلى أن أعلى نسبة مشاركة في الدساتير كان التصويت على استفتاء مارس 2011 ، وأعلى نسبة في الاستحقاقات البرلمانية كان في نوفمبر 2011، وكان أعلى نسبة في الانتخابات الرئاسية كانت عام 2013.
وفي دراسة علمية أجرتها حنان أبو سكين، أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، على مشاركة المصريين في الاستحقاقات الدستورية عقب ثورة 25 يناير، جاءت المشاركة في مجلس الشورى لعام 2012 كان الأقل من حيث نسب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية منذ ثورة 25 يناير، وهو ما يطرح سؤالًا هامًا، وهو هل يشغل “مجلس الشيوخ” الرأي العام المصري ويشارك؟
واعتمدت “حنان أبو سكين” على الأرقام الرسمية التي كانت تصدرها الهيئة العليا للانتخابات وقتئذ، وجاءت نسب المشاركة كالآتي:
– الاستفتاء على التعديلات الدستورية عام 2011 جاءت نسبة المشاركة 42%.
– انتخابات مجلس الشعب 2011 كانت نسبة المشاركة 54%.
– انتخابات مجلس الشورى 2012 جاءت نسبة المشاركة 12.75%.
– الانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى جاءت نسبة المشاركة 46.42%.
– الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية جاءت نسبة المشاركة 51.85%.
– الاستفتاء على الدستور 2012 جاءت نسبة المشاركة 32.9%.
– الاستفتاء على الدستور 2014 جاءت نسبة المشاركة 38.6%.
– الانتخابات الرئاسية 2014 جاءت نسبة المشاركة 47.45%.
– الانتخابات البرلمانية 2015 جاءت نسبة المشاركة 28.3%.
– الانتخابات الرئاسية 2018 جاءت نسبة المشاركة 41.5%.
– الاستفتاء على التعديلات الدستورية الأخيرة عام 2019 جاءت نسبة المشاركة 44.3%.
التصويت الإجباري يمنع انتصار فصيل غير مرغوب
المستشار القانوني والدستوري، خالد القوشي، يوضح أن مادة الغرامة في قانون مباشرة الحقوق السياسية، تُشجع المواطنين على الانتخاب واستخدام حقهم في التصويت طبقًا للدستور.
ويضيف “القوشي”، أن المادة لها إيجابيات منها زيادة القاعدة الانتخابية في التصويت، واختيار المرشح المناسب دون تكتل لفصيل غير مرغوب به أو تشجيع فصيل أو إثبات رؤية ينتظرها المتربصين، كما أنه يعطي إشارة للعالم بأن لدينا وعي انتخابي ونظام سياسي قويم.
ويشدد “القوشي”، على أن بعض الأحزاب القديمة أو الجماعات المتطرفة تستغل ضعف التصويت ويحولونها إلى لُعبة سياسية يحاولون من خلالها الإساءة للنظام والمجتمع.
ميزات أخرى للتصويت الإجباري
وفقًا للمُنظر السياسي أريند ليبهارتز، فإن هناك معلومات تشير إلى أن التصويت الإجباري يُزيد معدل المشاركة في الانتخابات الوطنية بنسبة 7-12%، وبمعدل أعلى في الانتخابات المحلية وانتخابات البرلمان الأوروبي، وكانت الزيادة في معدل المشاركة موجودة حتى في الدول التي تكون فيها الإجراءات التأديبية بسيطة جدا. ويشير ليبهارتز إلى أن وجود واجبات مدنية أخرى مثل دفع الضرائب، والالتحاق بالمدرسة، وفي بعض الديموقراطيات التجنيد العسكري والمشاركة في هيئات المحلفين، وكل هذه الالتزامات تتطلب وقتا وجهدا أكثر بكثير من التصويت، ولهذا فإن التصويت الإجباري يشكل انتهاكا بسيطا للغاية للحريات الشخصية بالمقارنة بنشاطات أخرى كثيرة.
وذكر ليبهارتز، ميزات أخرى للتصويت الإجباري بالإضافة إلى زيادة أعداد الناخبين، أولا، زيادة معدل المشاركة قد يكون محفزا للمشاركة والاهتمام بنشاطات سياسية أخرى، ثانيًا، يقل دور المال في الحملات الانتخابية، فلا حاجة لجمع تبرعات مالية كبيرة من أجل إقناع الناخبين بالتصويت، ثالثا، يلعب التصويت الإجباري دورا تعليميا ويقوم بالتحفيز للمشاركة السياسية، مما يخلق شعبا أكثر اطلاعا، رابعا، معدلات المشاركة المرتفعة تقلل من خطورة عدم الاستقرار السياسي الذي قد تسببه الأزمات أو يسببه القادة السياسيين الخطيرين أصحاب الكاريزما.
واجب وطني
أيمن عقيل، المحامي بالنقض ورئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، يقول، إن المشاركة الانتخابية حق واجب على المواطنن، ولكن لم نسمع مطلقًا علي تنفيذ غرامة عدم المشاركة، وهذا نوع من الإجبار في ممارسة حق ديموقراطي.
ويتابع “عقيل”، أنه على الدولة إما أن تكون جادة في تطبييق الغرامة، أو تستخدم مُحفزات لحث المواطن علي المشاركة، من خلال منافسة حقيقية وتوفير فرصة مناسبة للمواطن لكي يطلع على المرشحين وبرامجهم، موضحًا أن أمر مادة الغرامة بقانون مباشرة الحقوق السياسية غير دستوري من الأساس.
وبسؤال “عقيل” عن هل طعن أحد على تلك المادة، أشار إلى أنه عند إثارة تلك المادة منذ سنوات لم يستخدم أحد طرق الطعن الثلاثة لأنها لم تطبق من الأساس وهي: “إما الدفع بالطعن على القانون وذلك حال تطبيق الغرامة على أحد وهذا لم يحدث مجرد تهديد، أو الإحالة من المحكمة الدستورية بعدم دستورية تلك المادة، أو التصدي لها عن طريق تقديم دعوى للمحكمة الدستورية”.