في رسالة مفتوحة إلى مجموعة العشرين، قبل اجتماعها في دلهي، وقعت 300 شخصية، بينهم اقتصاديين وسياسيين، وأثرياء على عريضة، تطالب باتخاذ إجراءات عاجلة؛ لمنع نمو الثروة المتطرفة، والتي تأكل ” ما اسموه “مستقبلنا الجماعي”.
تحث الرسالة التي وقعت عليها وريثة ديزني أبيجيل ديزني، والفنانان بريان إينو، وريتشارد كيرتس، مجموعة العشرين على إظهار التعاون العالمي؛ للموافقة بشكل جماعي على إقرار ضريبة على الثروة مناسبة.
لكن وفقا لمقالة لاري إليوت الصحفي الاقتصادي بصحيفة الجارديان، فإنه في ظل الانقسامات العميقة بين أعضاء المجموعة، لا يُتوقع منها الكثير بهذا الشأن، لكن حان الوقت ؛لكي يستمع القادة إلى الرأي العام.
وقع على الرسالة أيضا السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز، ورئيسة الجمعية العامة السابقة للأمم المتحدة ماريا إسبينوزا.
وبين الاقتصاديين وقع توماس بيكيتي، وجابرييل زوكمان الباحث المختص فى الملاذات الضريبية، وأستاذة الاقتصاد جياتي جوش، وخبيرة الاقتصاد الإنجليزية كيت راورث، وجوزيف ستيجليتز، ولوكاس تشانسيل الذي يهتم باقتصاد المناخ.
الضرائب ومواجهة عدم المساواة
تشمل الرسالة مقترحات بعض كبار الاقتصاديين في العالم، بشأن الضرائب على الثروة، ودورها في إقرار سياسات عادلة، ومواجهة آثار التغير المناخي.
وشارك في صياغتها من المؤسسات، معهد دراسات السياسات، والأرض للجميع، ومليونيرات من أجل الإنسانية، ومؤسسة أوكسفام.
تقول الرسالة، “إن فرض ضرائب أكبر على الثروة من شأنه أن يقلص “مستويات خطيرة من عدم المساواة”. خاصة مع تضاعف الثروات المملوكة، لمن تزيد ثروتهم عن 50 مليون دولار، حيث يدفع أربعة سنتات فقط، لكل دولار كضريبة على الثروة “.
وفى السياق تقول جوليا ديفيز، عضوة مؤسسة لمجموعة المليونيرات الوطنيين في المملكة المتحدة:
“بالنظر إلى افتقار الدعم السياسي لفرض الضرائب على الثروات المتطرفة في المملكة المتحدة، فإن التعاون الدولي أصبح أكثر أهمية، إن فرض الضرائب على أغنى الأثرياء، أولئك الذين هم الأكثر قدرة على تحملها، يشكل سياسة العودة إلى الأساسيات الاقتصادية السليمة.
ومع ذلك، فإن أي حزب سياسي رئيسي لا يملك الدافع؛ لمواصلة هذه المهمة، ويبدو الأمر، أنهم مهتمون أكثر بسياسة السباق الذي لا نهاية له نحو القاع للبلاد، بدلاً من وضع خطط للاستثمار فعليًا في المصلحة العامة.
وقف التهرب الضريبي
تشير الرسالة، أن مجموعة العشرين- المؤلفة من مجموعة الدول السبع الغنية، مع دول الأسواق الصاعدة الرائدة مثل، الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا- يجب أن تتخذ موقفا من أجل زيادة الضرائب على الأفراد الأثرياء، وكذلك وقف التهرب الضريبي من قبل الأثرياء.
كاتي تشاكرابورتي، رئيسة قسم السياسات، والمناصرة في منظمة أوكسفام، تؤكد على أن الأصوات المرتفعة تتزايد حالياً بشكل كبير للغاية، بحيث لا يمكن استمرار تجاهلها من قبل السياسيين.
وتضيف: العالم يمر بمنعطف حرج؛ لذا فإن فرض ضرائب أكثر عدالة؛ لمعالجة تكاليف المعيشة، وأزمات المناخ، يحظى بدعم أصحاب الملايين، وعامة الناس على حد سواء. لقد حان الوقت؛ لكي تتحرك الحكومات”.
التعددية والنظام العالمي
هيمنت قضيتان إلى حد كبير على الفترة التي سبقت انعقاد قمة مجموعة العشرين في دلهي: الجهود التي تبذلها الدولة المضيفة؛ لإبراز الهند كقوة عظمى؛ والقرار المثير للاهتمام الذي اتخذه الرئيس الصيني شي جين بينج بعدم الحضور.
وفقاً للمحرر الدبلوماسي “باتريك وينتور” من المحتمل، أن يكون مؤتمر مجموعة العشرين هذا العام ــ وهو الرابع والعشرون، منذ تدشينه ( عام 1999 )، بمثابة لحظة نجاح، أو انهيار للمنظمة التي تضم أغنى 19 دولة في العالم، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي. فمع تجمع جزء من بلاد العالم في تحالف البريكس، والذي تلعب الصين فيه دوراً قيادياً، فإن مجموعة العشرين هي أفضل أمل متبق؛ للإبقاء على مبدأ التعددية حياً.
تحدث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، عن وجود خطر حقيقي، يتمثل في تفتيت النظام العالمي، حيث تعاني منظمته من الشلل؛ بسبب الحرب في أوكرانيا.
ويؤكد تريستن نايلور، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة كامبريدج على ذلك، مشيراً إلى أنه في ظل الانقسامات حول هذا الصراع، فإن هناك “خطرًا قويًا” من عدم إصدار بيان مشترك لمجموعة العشرين، حيث رفضت كل من الصين وروسيا السماح بمناقشة مسألة أوكرانيا “بالفعل صدر بيان ختامي لكنه خلا من إدانة روسيا”.
ساحة لاستعراض القوة بدلاً من التعاون
من بين المقترحات الرئيسية هي، أن تقوم مجموعة العشرين بتكرار ما تم الاتفاق عليه، في قمة مجموعة العشرين الأخيرة في بالي، ولكن روسيا ترى أن التدخل الغربي في الصراع كان مكثفا للغاية.
ويضيف نايلور، إن غياب بيان مشترك سيكون بمثابة خيبة أمل كبيرة للهند، لأنها عززت مكانتها من خلال كونها الدولة القادرة على العمل كوسيط نيابة عن دول الجنوب.
أما الدكتور سوبرامانيام جيشانكار، وزير الشؤون الخارجية الهندي يوضح، أنه لا ينبغي أن يُنظر إلى مجموعة العشرين على أنها “ساحة لاستعراض القوة بدلاً من التعاون”، والمزاعم حول، أنه لم يسبق لأي دولة مضيفة لمجموعة العشرين، أن تشاورت على نطاق واسع مع العالم النامي مثل، الهند بشأن ما يجب مناقشته.
وقال، إنه تم طلب آراء 125 دولة، وكرمز لهذه الشمولية، ستتمكن الهند من الإعلان عن منح الاتحاد الإفريقي مقعدًا دائمًا على الطاولة العليا لمجموعة العشرين.
وعن انسحاب الرئيس شي في آخر لحظة، تحدث مستشار الأمن الأمريكي جيك سوليفان، قائلا: يريد شي إفساد اللحظة الكبيرة التي انتظرها “ناريندرا مودي” رئيس وزراء الهند.
مضيفا، أن الصين تبدو، وكأنها تهدر فرصة المشاركة بشكل بناء، وحل المشاكل المتعددة الأطراف التي تواجه البلدان النامية، كما تقارن الولايات المتحدة أيضا، بين التباطؤ الاقتصادي في الصين، والتحول النسبي في الاقتصاد الأمريكي.
ووعد سوليفان، بأن الولايات المتحدة تأتي إلى القمة، ومعها “عرض قيم” بشأن تخفيف الديون، والتكنولوجيا، وإصلاح البنوك، واتخاذ إجراءات؛ بشأن أزمة المناخ.
وتتضمن الحزمة إعادة هيكلة الديون السيادية للدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، والتي يقول سوليفان، إنها يمكن أن تستفيد في نهاية المطاف من أكثر من 200 مليار دولار.
سيبذل الرئيس الأمريكي جو بايدن كل الجهد للإشادة بمودي؛ بشأن المواضيع التي اختارها مثل، التحول الرقمي، حيث تعتبر الهند الحليف الحاسم في صراع واشنطن مع “شي” الغائب.
لماذا يغيب شي جين بينج عن مجموعة العشرين؟
أثار قرار شي جين بينج بعدم حضور اجتماع مجموعة العشرين تكهنات واسعة النطاق، وقد حضر شي كل اجتماعات المجموعة العشرين، منذ وصوله إلى السلطة في عام 2013 – سواء شخصيا أو افتراضيا- ولكن الخارجية الصينية كشفت الأسبوع الماضي، أن رئيس الوزراء لي تشيانج سيرأس الوفد بدلا من الرئيس، هذا رغم أن الصين لاعب أساسي في مجموعة العشرين.
تشير أماندا هسياو، كبيرة محللي شئون الصين في مجموعة الأزمات الدولية، حول غياب شي قائلة: ” بالنظر إلى أن شي هو الشخص الذي يتخذ جميع القرارات، فقد أصبح من المهم للغاية بالنسبة لقادة العالم، أن يجروا نقاشات منتظمة، ومباشرة معه، لتحسين فرص وصول آراء الحكومات الأخرى إليه.”
توترات سياسية
ويأتي تخلف “شي” عن مجموعة العشرين بعد أسابيع فقط من تغيبه عن إلقاء خطاب في قمة البريكس في جنوب إفريقيا، مما أثار تساؤلات حول صحته، ذلك وسط توترات متعددة بين بكين وحكومات أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان والدولة المضيفة لمجموعة العشرين، والهند والجيران الإقليميين الذين لديهم نزاعات إقليمية مع الصين.
ربما يحاول “شي” تجنب المحادثات غير المريحة، من خلال تجنب حضور مجموعة العشرين، حيث تتعرض بكين لضغوط متزايدة؛ بسبب علاقتها الوثيقة مع روسيا، ورفضها إدانة غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا.
وذهب محللون آخرون إلى أن شي، ربما يتجنب قمة العشرين في تضامن جزئي مع بوتين، الذي لا يحضر لخضوعه لأمر المحكمة الجنائية الدولية بالقبض عليه لارتكابه جرائم حرب.
الصين تفضل البريكس
قبل عام واحد فقط، كان الرئيس الصيني يحث الحكومات على تعزيز التعاون في المنظمات المتعددة الأطراف، بما في ذلك مجموعة العشرين على وجه التحديد.
ولكن تزايد إحباطه مع قيام شراكات منفردة مثل، “أوكوس” هي اتفاقية أمنية ثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، والحوار الأمني الرباعي الاستراتيجي بين أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، جنبًا إلى جنب مع مجموعة العشرين، فقد سعى إلى رفع مستوى مجموعات مثل، البريكس التي يراها أكثر تركيزًا على الجنوب العالمي، وأقل هيمنة من الغرب.
وهي أيضا منصة متعددة الأطراف، يمكن للصين من خلالها ممارسة نفوذ أكبر، والسيطرة على أجندة الأعمال والنتائج – على سبيل المثال أيضا، منظمة شنغهاي للتعاون.
وربما عدم حضور الرئيس الصيني، قد يكون تكتيكيا. “فقلة انتظام حضور شي لمجموعة العشرين، تخلق لبكين المزيد من الطلب على حضور شي في المستقبل، وبالتالي تعطي نفسها مجالا أكبر لممارسة النفوذ”.
كما أن هناك بعض الشكوك، في أن غيابه يشكل ازدراء متعمداً للهند، الدولة المضيفة للقمة، والتي تشهد علاقات الصين معها فتوراً بشكل متزايد، حيث تحولت النزاعات الحدودية المستمرة في منطقة الهيمالايا إلى أعمال عنف، ويجري الجيش الهندي تدريبات على جانبه من الحدود مع استمرار القمة.
لكن جون فيتزجيرالد، الخبير بالشأن الصيني، والأستاذ الفخري في جامعة سوينبيرن، أشار إلى أن سردية الازدراء تبعث برسالة محتملة إلى دول أخرى، موضحاً “أيا كان السبب الفعلي (لغياب شي جين بينج)، إذا كان العالم يعتقد أن الأمر يرجع إلى أن الهند لا تولي الاحترام الواجب للصين، فهذا يرضي من غرور شي جين بينج”.
ولكن محللين آخرين، أشاروا إلى أن غياب شي يرجع إلى مجموعة كبيرة من القضايا، والأزمات الداخلية في الصين، بما في ذلك الفيضانات واسعة النطاق، والغضب من كيفية تعامل السلطات معها، وتدهور الوضع الاقتصادي، فلدى الرئيس الكثير من القضايا المحلية للتعامل معها.
فمركزية السلطة في عهد شي، تجعل النظام السياسي أكثر اعتمادا على قيادته المباشرة في مجموعة واسعة من القضايا السياسية.
يقول أليسيو باتالانو، أستاذ الحرب والاستراتيجية في ” كينجز كوليدج “، إن الشيء الوحيد الذي كان واضحا، هو أن شي كان أقل انشغالا بالتأثير الذي قد يحدثه غيابه، عن منتدى دولي على التصور الدولي لبلاده في ظل أزماته الحالية”.
ويشير إلى أن “إبقاء الجميع في حالة تخمين؛ حول سبب غياب شي عن منتدى متعدد الأطراف، هو جزء من قواعد اللعبة الصينية الجديدة، ويبدو أن شي يرى، أن هناك ميزة في جعل الأمر أكثر صعوبة على الآخرين، لقراءة ما ستكون خطوته التالية.”. وبالطبع كانت هذه التخمينات قبل انعقاد القمة، حيث بالفعل غاب شي.