كثيرا ما نرى الشعار الشهير “مصر أولا” ترفعه العديد من الدوائر الرسمية والحكومية، إلا أن الأيام الأخيرة برهنت على أن “المُصدر أولا”. فقد أثار التضارب بين مصلحة الجمارك التابعة لوزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة بشأن حظر تصدير محصول البصل لمدة ثلاثة أشهر تساؤلات حول كيفية التنسيق بين وزارات المجموعة الاقتصادية قبل إصدار القرارات. فالتضارب خلاصته أرباح التاجر والمصدر فوق الشعب.
كما طرح القرار والقرار المضاد أسئلة حول مواقف مشابهة، تشير إلى أولوية مجموعات المصالح التى تتحكم في الأسواق ولها نفوذها في التأثير على القرارات الاقتصادية.
في واقعة تصدير البصل، بدأت الأزمة، حينما أصدر وزير التجارة والصناعة أحمد سمير قرارًا بتاريخ 21 سبتمبر الجاري، بحظر تصدير البصل لمدة 3 أشهر بدءًا من اليوم الثاني لتاريخ نشره في الجريدة الرسمية. بينما أصدرت مصلحة الجمارك التابعة لوزارة المالية تعليمات تخالف ذلك في اليوم التالي.
أمام التضارب بين الجهتين، أصدر مجلس الوزراء قرارًا ببدء سريان حظر التصدير لكن اعتبارًا من أول أكتوبر المقبل للانتهاء من تسليم الصفقات المتُفق عليها مسبقًا للمصدرين، الذين رفعوا الكميات المُصدرة إلى 600 ألف طن خلال الموسم الحالي.
سعى المصدرون للحصو ل على أرباح أعلى مستغلين أزمة ضربت محصول البصل في عدة مناطق في العالم نتاج أزمات جفاف وأخرى ترتبط بالفيضانات.
وسط الجدل الذي نشب بسبب تطبيق القرار، استغل التجار الفرصة ورفعوا السعر في الأسواق إلى 30 جنيهًا، رغم أن سعره في الأسواق التي يتم تصديرها إليها أقل من ذلك المستوى، و هو ما تناوله العديد من المواطنين بالنقاش وهم يقارنون بين سعر البصل في مصر ودول أخرى.
ففي الإمارات على سبيل المثال يبلغ البصل المصري الأحمر بـ 5 دراهم للعبوة زنة 3 كيلو بما يعادل 25 جنيهًا ونصف الجنيه تقريبًا للعبوة في عروض “كارفور“.
لماذا تم تأجيل قرار التنفيذ؟
عبد الحميد الدمرداش، رئيس المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، قال إن الحكومة أجلت القرار لوجود شحنات من البصل في الجمارك وأخرى في طريقها للمواني، وهي تعاقدات تم توقيعها ولا يمكن الرجوع فيها.
تحتل مصر المرتبة الرابعة عالميًا من حيث إنتاج البصل، بإجمالي كميات تتجاوز 3.2 مليون طن، وصدرت في 2022 كميات تناهز 470 الف طن، وفق بيانات وزارة الزراعة. لكن بلغت الكميات المصدرة العام الحالي 600 ألف طن.
تتربع الهند والصين وأمريكا على المراكز الثلاث الأولى في الإنتاج العالمي بواقع 26 و23 و3.8 مليون طن وفق منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”.
وعلى مستوى التصدير تأتي هولندا في المرتبة الأولى لكنها عانت من مشكلات إنتاجية رفعت سعر الكيلو في سوق الجملة إلى 0.70 سنتًا.
يعزو الدمرداش ارتفاع سعر البصل إلى تقليص المزارعين المصريين المساحات المزروعة العام الحالي، بسبب خسائرهم العام الماضي نتيجة انخفاض السعر حينها.
مضيفا أن زيادة الطلب على البصل المصري العام الحالي بالخارج سببه تعرض الدول المنافسة لمصر في التصدير مثل الهند إلى فيضانات دمرت الكميات المزروعة.
خسائر المزارعين العام الماضي.. الكيلو بنصف جنيه
ظلت مصر تزرع في المعتاد مساحات بصل تقترب من 200 ألف فدان لكنها تقلصت بصورة كبيرة، بسبب خسائر المزارعين.
أجبر ضعف سعر البيع للتجار قطاعا من الفلاحين على حرث الأرض بالمحصول بعدما تجاوزت تكاليف الحصاد سعر بيع “القنطار” ( وحدة وزن تعادل 45 كيلو)، إذ سجل الكيلو حينها في أرض المزارع، أقل من نصف جنيه.
وجنى قطاع من التجار مكاسب كبيرة من التصدير أو تخزين كميات كبيرة نهاية العام الماضي، فالبصل في بداية الموسم سجل 1.25 جنيه للكيلو وحاليًا يبلغ 30 جنيهًا بالسوق المحلية.
يُزرع محصول البصل بمصر في عروتين، الأولى تزرع في شهري أغسطس وسبتمبر بصعيد مصر، والثانية في شهري أكتوبر ونوفمبر بالوجه البحري، ويُجني البصل في إبريل ومايو ويونيو من كل عام.
تطالب شعبة الخضر والفواكه بالغرفة التجارية بضبط الأسواق وإرجاء تصدير البصل لتحقيق التوزان في الأسعار منذ مطلع أغسطس الماضي، فالمؤشرات الدولية كانت تشير حينها لوجود أزمة في العديد من الدول بسبب تحول باكستان من مصدر لمستورد.
وظل التصدير المصري متركزا في المعتاد على أسواق الخليج التي تقبل بالجودة الممتازة، لكن حاليًا أصبح الطلب مرتفعا على المنتج المحلي بصرف النظر عن الجودة أو الحجم.
كما انضمت سوريا هي الأخرى لقائمة المستوردين من مصر، فحاجة سوقها المحلية 59 ألف طن بينما كان الإنتاج 42 ألف طن، واضطرت لاستيراد 1700 طن كحل عاجل من مصر، بحسب وزير التجارة السوري عمرو سالم.
حكومة تعمل لصالح المصدرين وتتجاهل الشعب
النائب ضياء الدين داود، عضو مجلس النواب، يرى أن الحكومة ترددت في التطبيق الفوري لحظر تصدير البصل، وخضعت للضغوط، وتراجعت بتقديم المصالح الضيقة للمُصدرين على حساب مصلحة الشعب.
قال داود، في سؤال برلماني للحكومة تم تعميمه إعلاميًا في ظل إجازة البرلمان الذي يفترض انعقاده الخميس الأول من أكتوبر المقبل، إن الحكومة انتبهت متأخرة كعادتها لأزمة إرتفاع أسعار البصل بالأسواق حتى وصل سعر الكيلو الواحد لثلاثين جنيهًا فى سابقة هى الأولى في تاريخ مصر.
وجاء قرار الحكومة بوقف تصدير البصل الأمر الذى توقعنا معه انخفاض الأسعار وهو ما لم يحدث بسبب إرجاء للتنفيذ للأول من أكتوبر.
السكر أزمة متكررة
تكرر الأمر أيضًا في محصول السكر الذي أصدرت الوزارة قرارًا بمد حظر تصديره ثلاثة أشهر أخرى.
ورغم أن مصر لديها فجوة إنتاج 700 ألف طن، صدرت خلال الأشهر الاربعة الأولى من العام الحالي بقيمة 156 مليون و830 ألف دولار سواء سكر خام أو الصناعات المعتمدة عليه بشكل كبير مثل الشيكولاته، وسكر الجلوكوز، والعسل الأسود والحلاوة الطحينية، هذا بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
غياب التخطيط
محمد فوزي، عضو شعبة السكر بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، يتحدث عن غياب التخطيط الجيد في التعامل مع أزمة السكر المتكررة بصورة سنوية، بعدما وصل سعر الطن نحو 33 ألف جنيه، فالاحتياجات المحلية والفجوة معروفة للجميع.
بحسب فوزي، كان يجب التخطيط المبكر لتغطية الفجوة من السكر في الأوقات التي تشهد فيها الأسعار العالمية انخفاضًا بالسعر، وذلك عبر الاستيراد، والذى من شأنه خفض الأسعار، وعدم استغلال البعض نقص المعروض، والقيام بأية مضاربات سعرية للاستفادة من نقص المعروض.