على وقع حالة حقوقية هي الأسوأ في التاريخ المصري الحديث على حد وصف محمد زارع، الناشط الحقوقي، ومدير برنامج مصر، بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، تستعد “اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان”، والتي صدر بإنشائها قرار مجلس الوزراء عام 2018، لإصدار تقريرها الثاني استعراضا، لما تم إنجازه في الملف الحقوقي على مدار عامين، منذ إصدار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان. وسط انتقادات دولية، كان آخرها قرار البرلمان الأوروبي، الصادر في ٤ أكتوبر 2023.
ونص قرار الاتحاد الأوروبي على ضرورة الإفراج الفوري عن الناشر والسياسي، هشام قاسم، مؤسس التيار المدني الحر، ووقف المضايقات التي يتعرض لها المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي، والإفراج عن كل السجناء على خلفية قضايا رأي، وإطلاق حرية الإعلام، وضمان عملية انتخابية حرة ونزيهة، ووقف انتهاكات حقوق الإنسان، ودعم سيادة القانون، بالإضافة إلى إثارة الملف الحقوقي في مجلس الشراكة المصري الأوروبي.
ويقول محمد زارع، إن “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان” لم تكن تهدف؛ لتحسين الملف الحقوقي المصري، وإنما مجرد أداة؛ لتخفيف الضغوط والانتقادات الدولية، على سجل مصر الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان. خاصة بعد ما تم توقيف زملائنا في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وتسبب في إدانات دولية، وإصدار بيان مشترك من 31 دولة، في المجلس الدولي لحقوق الإنسان في مارس 2022. وحمل انتقادات شديدة لملف حقوق الإنسان في مصر، فكانت الاستراتيجية؛ لامتصاص الغضب الدولي، صحيح أنه تم العمل على الاستراتيجية قبل البيان، ولكن صدور البيان عجل بإصدارها.
ويؤكد، أنه لا توجد رغبة لدى الحكومة المصرية في تحسين حالة حقوق الإنسان، وإنما مجرد مماطلات؛ لكسب الوقت، وتقليل الزخم، والانتقادات المتلاحقة حول هذه القضية.
ولا يعول زارع على الانتقادات الدولية، أن تأتي بنتائج، لأن التحولات الديمقراطية الحقيقية يجب أن تكون صناعة شعبية، لكن لولا الضغوط والانتقادات الدولية، لكان الأمر أكثر سوءا، مما نحن عليه الآن.
ودلل زارع، بما حدث في “رابعة العدوية”، بأنها كانت على حد تعبيره “مذبحة” مرشحة للتكرار، لولا وجود رد فعل دولي.
وأضاف، أن تقديرات الحكومة حينها أن يمر فض الاعتصام، دون رد فعل، ولكن صدر حينها بيان مشترك من 27 دولة، بما فيها دول صديقة لمصر أدانت ما حدث.
“اعتصام رابعة، هو الاعتصام الذي أقامه أنصار جماعة الإخوان احتجاجا على عزل الرئيس محمد مرسي، وأقرت معظم التقارير بعنف المتظاهرين، وتواجد مسلحين به، كما أقرت، أن القتيل الأول سقط من قوات الأمن”.
ويوضح زارع، أن الأنظمة السلطوية تستطيع أن تغلق المجال السياسي داخل الدولة، لكن يظل تأثيرها على السياسة الدولية محدودا جدا، لأن هذه الدول– حتى الصديقة لمصر- لديها أحزاب وصحافة حرة ومنظمات ورأي عام، والرأي العام في هذه الدول يسأل حكوماته، عما تم تقديمه لملف حقوق الإنسان في مصر.
الحديث عن انفراجات “لا يصح”
ويضيف مدير برنامج مصر لحقوق الانسان بمركز القاهرة، لا يصح أن نتحدث عن انفراجات، وعدد الذين تم القبض عليهم، وحبسهم احتياطيا أكثر من عدد المفرج والمعفو عنهم، حتى في العفو والإفراج، هناك رسائل دائما أن لا شيء يتغير، وهو ما حدث مع باتريك زكي، رغم الإفراج عنه، هو ودومة، وباقر، ودخل السجن بعدهما، هشام قاسم الناشر ومؤسس التيار الحر، وما زال علاء عبد الفتاح وأكسجين في السجن. وأضيف إليهم معتقلين جددا، وهذا يعطي انطباعا، أن الحكومة غير جادة في فتح المجال العام.
ويتابع زارع: النشطاء المتهمين في القضية ١٧٣، الخاصة بمنظمات المجتمع المدني، باتوا رهائن، وعلى الرغم من بيانات النيابة العامة، والإعلان عن أن القضية انتهت، إلا أنها تتحرك بخطوات بطيئة، فما زال هناك ١١ ناشطا حقوقيا ممنوعين من السفر، وأنا منهم، وتم الحجز على أموالهم، وسمح لـ ١٠ فقط بالسفر.
رهائن القضية 173
ويعيد زارع تأكيد، أنهم “رهائن”، يتم الإفراج عن عدة أشخاص، أو رفع حظر السفر عنهم، مقابل تمرير جزء من المعونة الأمريكية، أو لرفع ضغطا ما، وعلينا أن نعلم، أن أول قرار لرفع حظر السفر كان بعد عشر سنوات من فتح القضية.
ويقول: أنا أعلم، أن الدولة إذا كان لديها إرادة سياسية؛ لإنهاء أي شيء تنهيه، ولكن للأسف يتم التعامل معنا كرهائن، فيتحول الأمر من التفاوض من أجل إخلاء سبيل المسجونين، إلى طلب للموافقة على دخول بعض المتعلقات للمسجونين، في وضع أشبه بالتفاوض على رهائن، وننسى المطلب الأساسي بخروج هؤلاء المعتقلين.
الحوار الوطني وجمهورية الخوف
وينتقل زارع إلى الحديث عن الحوار الوطني، ويشير إلى محمد زهران، مؤسس تيار المعلمين المستقلين، وهو مدعو من الحوار الوطني، لكن تم حبسه بسبب؛ آرائه داخل الحوار الوطني، ثم تم الإفراج عنه، وهناك ما يتم حذفه من المضبطة، مثلما حدث مع مدير مؤسسة الفكر والتعبير، محمد عبد السلام، وفي الوقت الذي يتم فيه رفع الحجب عن موقع او موقعين، يتم حجب عشرات المواقع المحجوبة، وصحفيون يتم القبض عليهم، نحن لا نحتاج إلى الحوار الوطني، نحن نحتاج إلى صحافة حرة؛ ليتمكن الناس من التعبير عن أنفسهم، وإبداء رأيهم في القضايا المطروحة، وإمكانية ظهورهم على القنوات التي باتت مملوكة لجهة واحدة.
ويضيف، فنحن أمام نظام يؤسس لنفسه عن طريق العنف، ولا يملك رغبة في التغيير، وأغلق كل القنوات، فمنذ نشر صحيفة المصري اليوم تقرير “ثقوب في البدلة البيضاء”، عن انتهاكات وزارة الداخلية، وتم نشره عام 2015، تم التعامل مع المجال العام بقسوة، القاعدة تقول، إن لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار، لكن النظام يرد بعنف “غاشم”، لبث رسالة الخوف والرعب لدى الناس، “مصر أصبحت جمهورية خوف” بشكل واضح، جميع العاملين في مصر متخوفون، لم يعد الأمر مقتصر فقط على المعارضين، بل امتد للمؤيدين و للمواطن العادي.
ويشير إلى، أن الأمر بات مقلقا للغاية، جمهورية الخوف ليست فقط لمن عارضوا النظام، بل لمن هم قريبين منه، ليسوا آمنين من البطش بسبب؛ تصريح أو رأي مخالف للمزاج العام.
ويضيف زارع، أن هناك كانت مجموعات كبيرة من المؤيدة للنظام بوعي، لأن المرحلة كانت تتطلب ذلك، لكنهم حاليا تحولوا إلى معارضين بسبب؛ سياسات البطش والحالة الاقتصادية.
ويلفت إلى أن هناك تحولا كبيرا حدث في العلاقة بين منظمات المجتمع المدني، والدولة بعد يناير 2011، فهم يرونها كارثة كبرى، متغافلون عن أن ما أدى لـ 2011 كان الفساد والتعذيب والوضع الاقتصادي– رغم أنه كان أفضل مما نحن فيه الآن- وتزوير انتخابات 2010، وبدايات ظهور موضوع سد النهضة، النظام تغاضى عن كل ذلك وتصور، أن ما أدى لحدوث الثورة هو هامش الحرية الذي كان يتواجد قبلها، فقرر استعداء المنظمات الحقوقية، باعتبار أنها من رفعت درجة الوعي لدي الناس.
فكان هناك حراك سياسي وتظاهرات وحركة كفاية، وصحافة تمتلك هامشا كبيرا من الاستقلالية. النظام الحالي يرى، أن هذا ما فتح الباب ليناير ٢٠١١، وهي قراءة خاطئة.
ويحذر زارع من أن الوضع الحالي وإغلاق المجال العام قد يُحدث ما هو أعنف من 2011.
ويشبه مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الأنظمة السياسية بالنظام البيئي، إذا انتقصت منه جزءا يحدث له اختلال في المنظومة كلها، الآن تم غلق المجال العام تماما، لم يعد هناك حرية صحافة وإعلام، لا يوجد منظمات، الأحزاب تعمل تحت حصار شديد، لا يوجد مجالس نيابية منتخبة، لا يوجد محليات، نحن نزيد من كفة السلطة التنفيذية على حساب السلطة الرقابية، فماذا نتوقع؟
ويضيف، أن الأوضاع الحقوقية والسياسية والاقتصادية قد تؤدي إلى عدم الاستقرار، وهنا لا أتحدث فقط عن ثورات، ولكن وسائل أخرى للتغيير أكثر عنفا، إن لم يتغير الوضع السياسي والحقوقي والاقتصادي.
ويفسر محمد زارع التناقضات الدولية، بين انتقادات الأوضاع الحقوقية والسياسية في مصر، وفي الوقت ذاته تقديم قروض مالية ضخمة ودعم سياسي، بأن السياسة الدولية تقوم على الواقعية، وما الذي تحتاجه هذه الدول من مصر، على سبيل المثال، لا الحصر ملف الهجرة غير الشرعية، وهم يدعمون أي نظام ما دام سيحقق لهم مصالحهم.
في النهاية، تحدث مراجعة من الدول والمؤسسات المانحة، بدليل أن الاتفاق على القرض الأخير من البنك الدولي كان متعثرا.
ويختتم زارع حديثه، بأن الأزمة الاقتصادية الحالية في مصر هي بالأساس أزمة سياسة، وهناك أطراف محلية متداخلة في الاقتصاد، مصر دولة لا تدعم السوق الحر، شركات الدولة تدخل في تنفيذ جميع المشروعات الكبرى، وبالتالي يحدث استغناء عن القطاع الخاص، وفي هذه الحالة يرتضي القطاع الخاص بأشياء هامشية، أو أن يعمل من الباطن.
الوضع السياسي وتوازنات القوى هي الضمانة الحقيقية لأي استثمار، وفي ظل سيطرة الدولة على الاقتصاد، يمتنع المستثمر عن الدخول في منافسة مع الدولة وأجهزتها.
ولا يوجد حل لهذا المأزق، إلا الحل السياسي، ووجود إرادة سياسية حقيقية؛ لتغيير سياسي حقيقي، وفتح المجال العام، وتشجيع الناس على المشاركة بشكل أكبر، وأن ننصت لآراء الخبراء الاقتصاديين، كل ذلك لن يحدث، دون إرادة سياسية حقيقية.