7 أكتوبر 2023، بشكل مفاجئ وغير مسبوق، هاجمت حماس صباح السبت 7 أكتوبر، على نطاق واسع إسرائيل، مطلقة آلاف الصواريخ، كما تسلل مسلحوها إلى الحدود مع قطاع غزة، واحتجزت الحركة عدداً من الرهائن، وقُتل 100 إسرائيلي، وجُرح 1400 آخرين؛ وأعلن نتنياهو، أن بلاده “في حالة حرب”.
وعندما ردت القوات الإسرائيلية، بقصف غزة، قُتل نحو 200 فلسطيني، وجُرح حوالي 1600 آخرين.
لتحليل ذلك، توجهت مجلة فورين أفيرز إلى مارتن إنديك، المختص فى العلاقات الدبلوماسية، وهو سفير سابق للولايات المتحدة لدى إسرائيل، وتحدث إنديك إلى “جاستن فوجت” المحرر التنفيذي للمجلة حول تحليل جوانب المشهد.
لاحظ عدد من المراقبين أن أحداث اليوم كان لها تأثير على الإسرائيليين مماثلا لتأثير هجمات 11 سبتمبر على الأمريكيين. ما توصيفك للمشهد؟
هذا الوضع بمثابة فشل كامل للنظام في إسرائيل، ولقد اعتاد، على أن يكون قادر على معرفة ما يفعله الفلسطينيون بالتفصيل، عبر وسائلهم المتطورة في التجسس.
لقد بنوا جدارًا مكلفًا للغاية على الحدود مع غزة، والمجتمعات الواقعة على الجانب الإسرائيلي، إضافة إلى ذلك، كانوا واثقين من ردع قوة حماس على شن هجوم كبير، متصورون أن سكان غزة سوف ينقلبون، ضد حماس؛ لأنها ستتسبب في حرب جديدة.
كما اعتقد الإسرائيليون، أن حماس أصبحت في وضع مختلف، تركز على وقف إطلاق النار طويل الأمد، حيث يستفيد كل جانب من ترتيبات “عش ودع غيرك يعيش”.
يوميا، يذهب نحو 000 19 عامل فلسطيني من غزة للعمل في إسرائيل، وهذا يعود بالنفع على الاقتصاد، ويدر إيرادات ضريبية لحماس.
يبدو أن كل هذا كان خداعًا كبيرًا. ولذلك يشعر الناس بالصدمة- وكما حدث في 11 سبتمبر.
يطرح سؤال “كيف يمكن لمجموعة من” الإرهابيين” أن تتمكن من تحقيق هذا الهدف؟ وكيف يمكن أن يتمكنوا من التغلب على مجتمع الاستخبارات وقوات الدفاع الإسرائيلية الجبارة؟”
ليس لدينا إجابات جيدة حتى الآن، ولكنني متأكد، من أن جزءاً من السبب كان الغطرسة- اعتقاد إسرائيلي، بأن القوة المطلقة يمكن أن تردع حماس، وأن إسرائيل لا يتعين عليها معالجة المشاكل طويلة المدى.
لماذا تختار حماس تنفيذ هذا النوع من الهجمات في الوقت الحالي؟ ماذا كان المنطق الاستراتيجي؟
ما زلت في حالة صدمة، ولا يسعني إلا أن أتكهن، وأعتقد التفكير في السياق في هذه اللحظة مهما.
العالم العربي يتصالح مع إسرائيل، والسعودية تتحدث عن تطبيع، بينما تضغط الولايات المتحدة على إسرائيل؛ لتقديم تنازلات للسلطة الفلسطينية– عدو حماس- لذلك كانت هذه فرصة لحماس، وداعميها الإيرانيين؛ لعرقلة العملية برمتها، والتي أعتقد، أنها كانت تشكل تهديدًا عميقًا لكليهما.
في نفس الوقت، لا أعتقد أن حماس تتبع إملاءات من إيران، لكنهما يتصرفون بالتنسيق، ولديهم مصلحة مشتركة في تعطيل التقدم الذي كان يجري، وإحراج القادة العرب الذين صنعوا السلام مع إسرائيل، أو الذين قد يفعلون ذلك مستقبلا.
هناك محادثات تجري بشأن؛ اتفاق سلام بين إسرائيل والسعودية، بجانب محادثات حول الضمانات الأمنية الأمريكية للسعودية. وفي جميع الاحتمالات، كان الدافع الأساسي، لحماس وإيران هو الرغبة في تعطيل الصفقة، لأنها تهدد بعزلهما.
وكانت هذه طريقة (الهجوم العسكري) جيدة للغاية؛ لتدمير آفاقها على الأقل في المدى القريب. وبمجرد أن تعود القضية الفلسطينية إلى الواجهة، ويشاهد العرب الأسلحة الأمريكية في أيدي إسرائيلية، تقتل أعداداً كبيرة من الفلسطينيين، سيشعل ذلك رد فعل قوياً للغاية.
سيكون القادة مثل [ولي العهد السعودي] محمد بن سلمان مترددين للغاية، ويتطلب منه، أن يقف ويقول لشعبه: “هذه ليست الطريقة. إن طريقي (التطبيع) سيجلب للفلسطينيين أكثر بكثير من طريق حماس. الذي لا يجلب إلا البؤس.
“أعتقد أن هذا النوع من الشجاعة هو أمر، لا يمكن توقعه من أي زعيم عربي في مثل هذا النوع من الأزمات”
ما هي الخيارات المتاحة الآن أمام الحكومة الإسرائيلية؟
إنهم يحشدون الجيش، ويهاجمون من الجو، ويلحقون الضرر بغزة، لقد فعلوها خمس مرات من قبل، وهناك قواعد لعب واضحة، يحاولون قطع رأس قيادة حماس. وإذا لم ينجح ذلك من حيث في إقناع حماس بوقف إطلاق الصواريخ، والدخول في مفاوضات؛لإطلاق سراح الرهائن، فأتوقع حدوث غزو إسرائيلي واسع النطاق لغزة.
وكان هذا بمثابة فشل كامل للنظام من جانب إسرائيل.
ستواجه إسرائيل مشكلتين. الأولي، القتال في مناطق مكتظة بالسكان، وأن الاحتجاجات الدولية، ضد الخسائر في صفوف المدنيين بأسلحتها الأميركية المتطورة من شأنها؛ أن تحول الإدانة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، وتفرض الضغوط؛ لحمل إسرائيل على التوقف.
المشكلة الثانية: إذا نجحت إسرائيل في حرب واسعة النطاق، فإنها ستمتلك غزة، وعليها الإجابة على الأسئلة: كيف سنخرج؟ متى ننسحب؟ لصالح من ننسحب؟ ولنتذكر أن الإسرائيليين انسحبوا بالفعل من غزة عام 2005، وهم لا يريدون العودة إليها.
لقد عرفت نتنياهو وتعاملت معه على المستوى الشخصي والمهني منذ عقود. ما هو المسار الذي تتوقع أنه سيختاره؟
يفتخر نتنياهو بحذره، عندما يتعلق الأمر بالحرب واسعة النطاق. لذا أعتقد أن تفضيله الأول سيكون استخدام القوة الجوية؛ لمحاولة إنزال العقاب الكافي بحماس، بحيث توافق على وقف إطلاق النار، ثم التفاوض من أجل عودة الرهائن.
وبعبارة أخرى، العودة إلى الوضع السابق: هذا ما سيحاول الحصول عليه، من خلال محاولة استخدام الولايات المتحدة، ومصر وقطر للتأثير على حماس، حتى تتوقف. إذا لم ينجح ذلك، وأشك في أنه سينجح، فعليه أن ينظر في خيارات أخرى.
لماذا تشك في أن ذلك سينجح؟
لأنني أخشى، أن تكون نية حماس هي دفع إسرائيل إلى الانتقام على نطاق واسع، وتصعيد الصراع: انتفاضة في الضفة الغربية، وهجمات حزب الله، وثورة في القدس، بمعنى آخر، حماس لن تنسجم مع أي رد إسرائيلي؛ يهدف إلى إعادة الوضع إلى ما كان عليه من قبل.
وفيما يتعلق بالتصعيد، فإن الطرف الذي يجب مراقبته عن كثب هو حزب الله. وإذا ارتفع عدد القتلى الفلسطينيين، فسوف يستسلم حزب الله؛ لإغراء الانضمام إلى المعركة. فلديهم 150 ألف صاروخ، يمكنهم إطلاقها على المدن الرئيسية في إسرائيل، وهذا من شأنه، أن يؤدي إلى حرب شاملة، ليس فقط في غزة، بل في لبنان أيضاً. وسوف يتم جر الجميع إلى هذا الموقف، وأخشى أن تكون نية حماس، هي دفع إسرائيل إلى الانتقام على نطاق واسع.
على الجانب الآخر، فإن السعودية ومصر والأردن، بالإضافة إلى الدول التي وقعت على اتفاقيات إبراهيم (الإمارات والبحرين والمغرب) لهم مصلحة في تهدئة الأمور، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، لأنه كلما طال أمد الموجهات سيكون من الصعب الحفاظ على علاقاتهم مع إسرائيل.
هل سيؤثر عدم الاستقرار السياسي الحالي في إسرائيل على عملية صنع القرار هناك؟
أعتقد أن هذا أمر جانبي الآن بالنسة؛ لأزمة عميقة حالية، يواجه رئيس الوزراء مشكلة حقيقية، ليس فقط في الدفاع عن المواطنين، بل في تجنب اللوم عما حدث.
لذلك عليه، أن يجد طريقة؛ لتخليص نفسه من إملاء المتطرفين الذين يأخذون إسرائيل إلى مكان بالغ السوء، وعليه أن يمارس السيطرة عليهم، أو إبعادهم.
ومن اللافت للنظر أن يحدث الهجوم بعد مرور 50 عامًا تقريبًا على حرب يوم الغفران عام 1973.
ليس من قبيل الصدفة، وهو أمر لافت، كانت حرب يوم الغفران بالنسبة للعرب بمثابة انتصار.
نجحت مصر وسوريا في مفاجأة الجيش الإسرائيلي، ونجحتا في عبور قناة السويس، والتقدم نحو مرتفعات الجولان إلى النقطة التي اعتقد فيها العديد من الإسرائيليين، أن إسرائيل قد انتهت.
وعلى الرغم من أن إسرائيل انتصرت في تلك الحرب في النهاية، فإن انتصار الأيام الأولى لا يزال يحتفل به في العالم العربي. لذا، فإن إظهار حماس بعد مرور 50 عامًا، أنها قادرة على فعل الشيء نفسه، يعد بمثابة دفعة كبيرة لمكانتها في العالم العربي، وتحديًا كبيرًا لتلك الدول، والزعماء الذين نجحوا في تحقيق النجاح مع إسرائيل في الخمسين عامًا الماضية..
الآن حماس خصم مختلف تمامًا في عام 1973، ذهب أنور السادات للحرب من أجل تحقيق السلام مع إسرائيل.
ولقد شنت حماس حرباً؛ لتدمير إسرائيل، أو لبذل قصارى جهدها؛ لإضعافها، وليس لديها أي مصلحة في صنع السلام.
دفعت الغطرسة الإسرائيليين إلى الاعتقاد، في عام 1973، بأنهم لا يهزمون، وأنهم القوة العظمى في الشرق الأوسط، وتجلت نفس الغطرسة مرة أخرى في السنوات الأخيرة، حتى عندما أبلغ كثيرون الإسرائيليين، أن الوضع مع الفلسطينيين غير قابل للاستمرار، ظنوا أن المشكلة كانت تحت السيطرة.
ولكن الآن تم نسف افتراضاتهم، تمامًا كما حدث في عام 1973. وسيتعين عليهم أن يتصالحوا مع ذلك.