نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تحليلين كتبهما باترك وينتور حول تأثيرات عملية “طوفان الأقصى” على صورة الدبلوماسية في الشرق الأوسط. إلا أن التقريرين ركزا على مآلات للتطبيع السعودي الإسرائيلي “المرتقب” بعد العملية التي أطلقتها حركة حماس، وعلاقة إيران بهذا الحدث الكبير، وما قد تتوقعه من تداعيات على هذا التطبيع؟ والذي عبرت بشكل ضمني وربما شبه صريح عن رفضه مسبقا.
ويُرجع المحرر الدبلوماسي للصحيفة، هجمات حماس بسبب الغضب من سلوك حكومة نتنياهو والاستفزازات في المسجد الأقصى، كما يشير إلى موقف إيران ورغبتها في إحباط جهود الولايات المتحدة في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
فلدى إيران والقوى التي تدعمها هدف استراتيجي طويل المدى: إحباط جهود الولايات المتحدة. الرامية إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
التطبيع السعودي الإسرائيلي
وترى إيران أن التطبيع السعودي الإسرائيلي، يرسخ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ــ ويحرم الفلسطينيين من راع مؤثر، وتهدف إيران إلى نزع التطبيع عن المنطقة، وجعل من شبه المستحيل على السعودية التوصل إلى اتفاق.
وعلى النقيض، تريد إسرائيل تقليص الصراع الفلسطيني دبلوماسياً حتى يصبح تدريجياً غير ذي أهمية.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، وخلال خطاب المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أرسلت إيران تحذيرا مشفرا، مفاده أن أي دولة خليجية تدعم الولايات المتحدة فانها تراهن على الحصان الخطأ.
وقال المرشد في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الإيرانية: “الموقف النهائي للجمهورية الإسلامية هو تكبيد الخسائر للحكومات التي تعطي الأولوية لمقامرة التطبيع مع النظام الصهيوني”. كما أن الأوروبيين، يراهنون على حصان خاسر، حيث إن النظام الصهيوني ليس من الأنظمة التي ينبغي التقرب منها ”
لاحقا صرح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، بأن الذين يسارعون إلى التطبيع مع المشروع الصهيوني يعترفون بأن فلسطين والقدس ليست لنا”.
ووفقا للبنك الدولي سيتعرض اقتصاد السعودية هذا العام للانكماش، بسبب تخفيضات إنتاج النفط، وكانت الرياض في حاجة للاستثمار الأجنبي، وتتوق إلى ديناميكية إسرائيل التكنولوجية.
كما تضاعفت تجارة الإمارات العربية المتحدة مع إسرائيل بعد إبرام اتفاقية تجارة حرة، ووصلت قيمة التبادل التجاري إلى 2.56 مليار دولار في عام 2022.
وتريد الرياض أيضًا ضمانات دفاعية أمريكية جديدة، أفضل من التي منحتها واشنطن للبحرين في سبتمبر، والحصول على الطاقة النووية وتحتاج إلى شيء ملموس بشأن استئناف المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، حيث كان من المقرر أن يناقش أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، كل هذا مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في جولة إقليمية الأسبوع المقبل.
والآن مع بداية ما يمكن أن يصبح حرباً إقليمية، تغيرت حسابات المخاطر. وقد أظهرت حماس قوتها النارية ووسعت قاعدتها إلى ما هو أبعد من غزة بدلا من تقليص الصراع.
نوهت وزارة الخارجية السعودية بالوضع غير المسبوق، ودعت جميع الأطراف إلى ضبط النفس. واستذكرت “تحذيراتها المتكررة من مخاطر انفجار الأوضاع نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته”.. وكذلك حثت المجتمع الدولي على استئناف عملية سلام ذات مصداقية على أساس حل الدولتين.
كان رد الرياض الأولى على هجوم حماس، غير مشجع بالنسبة لإسرائيل، ودلل على رؤيتها للعواقب الدبلوماسية، ولم يكن أيضا ممكن غير هذا الرد نظرا للمشاعر الملتهبة التى صاحبت الأحداث.
أما دولة قطر كانت واضحة تماما في تصريحاتها، “حيث حملت إسرائيل مسئولية التصعيد المستمر بسبب انتهاكاتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك التوغلات المتكررة الأخيرة للمسجد الأقصى تحت حماية الشرطة الإسرائيلية”.
ومنذ ذلك الحين، يتحدث وزير الخارجية السعودي مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، وكل نظرائه في الخليج. وسوف تنعكس ثمار تلك المحادثات عندما يجتمع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في جلسة طارئة ويستمع إلى دعوات متكررة لضبط النفس.
لكن العديد من الدبلوماسيين يعترفون سراً بأنهم يدفعون ثمن السماح لأزمة الشرق الأوسط بالانزلاق إلى مؤخرة جدول أعمالهم.
مصر وتركيا تحركات دبلوماسية في السر
العمل الدبلوماسي الحقيقي سيتم في السر، بواسطة تركيا ومصر كوسطاء، وتواجه مصر انتخابات بعد شهرين، لا تستطيع معها تحمل الفوضى في غزة. وسيكون هدف حماس الأولى هو جعل إسرائيل تفكر مرتين في حجم الانتقام الذي ستتعرض له.
وقال أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب القسام: إن عدد الأسرى أكبر بكثير مما أعلنه بنيامين نتنياهو، وهم متواجدون في كافة المحاور بقطاع غزة، وما يحدث لأهل غزة سيحدث لهم، واحذروا من الحسابات الخاطئة”.
وأرسل حزب الله رسالة تحذير عبر مصر إلى إسرائيل حول العواقب المحتملة لهجوم شامل على غزة، كما حثت الولايات المتحدة من جانبها إسرائيل على وقف التصعيد ووقف الهجوم البري، والاعتماد على إجراءات مثل قطع إمدادات الكهرباء عن غزة لإجبار حماس على التفاوض.
أصوات في إسرائيل:
هناك أيضًا داخل إسرائيل أصوات تطالب بالهدوء، قائلة أنه بعد الزلة الأمنية، هناك حاجة إلى حكومة وحدة تسمح لنتنياهو بإنهاء اعتماده الكارثي على المتطرفين للبقاء في السلطة، ومع تعرض حياة الرهائن للخطر، فلا بد من تقييم الانتقام بعناية.
وبالرغم من مهارات نتنياهو في البقاء السياسي معروفة جيداً، ولكن سيكون من الصعب تجنب اللوم عن مثل هذا الفشل الاستخباراتي الواضح.
لقد رحلت جولدا مائير عن منصب رئيسة الوزراء في غضون ستة أشهر من حرب يوم الغفران، الأمر الذي أفسح المجال لمناحم بيجن زعيم المعارضة لتولي منصب رئيس الوزراء، وفي نهاية المطاف التوصل لاتفاقية كامب ديفيد مع الرئيس أنور السادات في عام 1978. وفي الوقت الحالي، ومن الصعب أن نتصور تكرار مثل هذه السلسلة المتفائلة من الأحداث.
علاقة إيران بهجوم حماس
جاءت تصريحات الجيش الإسرائيلي بأنه لا يوجد دليل ملموس على تورط إيران في هجوم حماس من غزة، بعد نفي وزارة الخارجية الإيرانية، وصرح الأدميرال دانييل هاجاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأن: “إيران لاعب رئيسي، لكن لا يمكننا حتى الآن أن نقول ما إذا كانت شاركت في التخطيط أو التدريب”.
وزعمت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير بداية الأسبوع، نقلا عن مجموعة متنوعة من المصادر، أن الحرس الثوري الإيراني، حضر اجتماعات للتخططيط للعملية، في بيروت منذ أغسطس، بما في ذلك اجتماعين حضرهما وزير الخارجية الإيراني، ونشرت الصحافة الرسمية الإيرانية، عن أحد الاجتماعين، ولم يثبت فيها أنه تمت مناقشة العمليات العسكرية لحماس.
وقال الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوج، يوم الأحد الماضي، إن حماس تعمل كوكيل للمصالح الإيرانية، بما في ذلك رغبة طهران في عرقلة اتفاق السلام المحتمل بين السعودية وإسرائيل.
ودعمت طهران بشكل علني هجمات حماس، لكن في مؤتمر صحفي أسبوعي قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني: “ليس لدينا دور في اتخاذ القرارات نيابة عن أي طرف في المنطقة، بما في ذلك الشعب الفلسطيني.. ما يعنينا هو أننا نعتبر مقاومة الشعب الفلسطيني مقاومة مشروعة”.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بعدم وجود معلومات لدى الولايات المتحدة بوقوف إيران وراء الهجوم، على عكس جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض الذي أكد على دعم إيران لحماس مع باقي الشبكات المسلحة الأخرى بالمنطقة من خلال التدريب على التمكين بالموارد والقدرات المتاحة ”، وأضاف: ” وبالتالي في هذا الصدد، من الواضح أن إيران متواطئة هنا، ولكن فيما يتعلق بالأدلة المحددة، ليس لدينا أي شيء “.
صحيفة وول ستريت قالت إن إيران استضافت في يونيو وفدا من “مسئولي حركات المقاومة” بما في ذلك الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، ثاني أكبر جماعة مسلحة في غزة. وترأس الوفد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.
ومؤخراً، قام ممثل حماس في لبنان بزيارة طهران لحضور مؤتمر الوحدة الإسلامية، وقالت وكالة تسنيم للأنباء إن ممثل حماس تحدث إلى المشاركين حول ضرورة “أن تبذل جميع الأحزاب الإسلامية كل ما في وسعها لتحرير القدس”.
ولطالما زعم كبار الإسرائيليين، مثل وزير الدفاع، جالانت، أن حماس تمول من إيران. وفي إبريل، ادعى أن طهران ترسل 100 مليون دولار سنويا إلى حماس، و 700 مليون دولار سنويا إلى جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة، وعشرات الملايين إلى حركة الجهاد الإسلامي.
وأضاف أن حماس استخدمت التكنولوجيا الإيرانية والدعم اللوجستي لإنتاج الأسلحة محليا، لكن يعتقد أنها تعتمد بشكل أساسي على تهريب الأسلحة من أنفاقها تحت حدودها مع مصر.
تاريخياً، لم تكن العلاقة وثيقة أيديولوجياً بين حماس- التي ولدت من رحم جماعة الإخوان المسلمين- وطهران، مثل علاقات الأخيرة مع بعض الجماعات الإسلامية المسلحة الأخرى في المنطقة، مثل حزب الله.
تزعم بعض حسابات حماس على وسائل التواصل الاجتماعي أن الجيش الإيراني حريص على إرسال طائرات دون طيار، لكن معظم المراقبين يعتقدون أن أي تصعيد إلى حرب متعددة الجوانب من المرجح أن يأتي من حزب الله في لبنان.
وكان الزعماء العرب في الخليج، يدعون لوقف تصعيد العنف من خلال تبادل الأسرى، وتقود قطر ومصر محادثات بشأن تبادل الأسرى، وتقترح أن يتم تبادل السجينات والأطفال أولا.
وصرحت قطر أن إسرائيل هي المسئولة الوحيدة عن العنف بسبب رفضها التفاوض على حل الدولتين المتفق عليه.
لكن دعم إسرائيل، الذي كان من المحرمات في الدول العربية، أصبح الآن يتم التعبير عنه علناً، وقد انتقدت الإمارات العربية المتحدة صراحة هجوم حماس، وهي من أوائل الدول العربية التي وقعت اتفاق التطبيع مع إسرائيل، وقالت إنها “روعتها التقارير التي تفيد باختطاف مدنيين إسرائيليين كرهائن من منازلهم”.
ودعت الإمارات إلى إنهاء “التدمير العدمي” حتى لا يعرقل جهود التطبيع، في إشارة إلى المناقشات التي تجريها السعودية مع الولايات المتحدة.
ودعت البحرين، التي وقعت أيضا اتفاق تطبيع مع إسرائيل، إلى وقف التصعيد، وعلى النقيض من ذلك، قالت وزارة الخارجية السورية للسعودية إن التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل أصبح مستحيلا الآن.
محفوف بالمخاطر
وحتى الآن، تصريحات السعودية، بخصوص الهجمات، كانت انتقادا شديدا لفشل إسرائيل في التفاوض على تسوية سلمية مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين.
ويقول بعض الصحفيين السعوديين المؤثرين إن حجم إراقة الدماء يتطلب من الرياض تبني رد فعل أكثر جرأة بدلا من التراجع إلى مواقف “مبتذلة”، ويقولون إن السعودية يجب ألا تسمح لحماس وإيران بإخراج المحادثات مع الولايات المتحدة عن مسارها، وأنه ينبغي استكشاف صفقة تفيد الفلسطينيين وإسرائيل والرياض نفسها، ويمكن تحقيق ذلك دون استعداء الصين أو إيران.
لكن يبدو أن هذا المسار الدبلوماسي محفوف بالمخاطر بالنسبة لمثل هذه الدولة المحافظة “أي السعودية”