نشرت مجلة فورن أفيرز تحليلا للباحث مارك لينش، وهو مختص في شئون الشرق الأوسط، تناول التحليل مخاطر دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في القيام بغزو بري لقطاع غزة، وتداعيات ذلك إقليميا على إسرائيل نفسها ودول المنطقة، وعالميا على أمريكا ذاتها.

المصالح الأمريكية

في الصباح الباكر من يوم أمس 13 أكتوبر، أصدر الجيش الإسرائيلي تحذيراً إلى 1.2 مليون فلسطيني في شمال غزة قائلا: يجب عليهم إخلاء مساكنهم، خلال 24 ساعة، جاء ذلك قبل غزو بري محتمل.

الهجوم الإسرائيلي سيكون له هدف معلن، وهو إنهاء حماس كمنظمة رداً على هجومها المفاجئ، والصادم في 7 أكتوبر على جنوب إسرائيل، حيث قتلت ما يزيد عن 1000 مواطن إسرائيلي، واختطفت مائة رهينة.

لقد بدت الحملة البرية الإسرائيلية أمراً حتمياً، منذ اللحظة التي اخترقت فيها حماس المحيط الأمني لقطاع غزة. ودعمت واشنطن الخطط الإسرائيلية بشكل كامل، وامتنعت عن الحث على ضبط النفس.

وكانت أعلى الأصوات في الولايات المتحدة تحث على اتخاذ إجراءات متطرفة ضد حماس. وفي بعض الحالات، دعا المعلقون إلى القيام بعمل عسكري ضد إيران؛ بسبب رعايتها المزعومة لعملية حماس.

ولكن في هذا الوقت، يجب على واشنطن، أن تكون أكثر هدوءا، وتنقذ إسرائيل من نفسها، لأن الغزو الوشيك؛ لغزة سوف يشكل كارثة إنسانية وأخلاقية واستراتيجية.

ولن يضر الغزو، وحسب أمن إسرائيل على المدى الطويل، ويلحق بالفلسطينيين تكاليف بشرية، لا يمكن تصورها، بل سيهدد أيضًا المصالح الأمريكية الأساسية في الشرق الأوسط، وفي أوكرانيا، وفي منافسة الصين على النظام في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

توجه إدارة بايدن دعما وثيقا للأمن الإسرائيلي- ويمكنها الآن منع إسرائيل من ارتكاب خطأ كارثي. وبعد أن أظهرت تعاطفها مع إسرائيل، يجب على واشنطن، أن تطالب حليفتها بالامتثال الكامل؛ لقوانين الحرب، إضافة إلى إيجاد السبل الكفيلة؛ للمعركة، دون أن يؤدي ذلك إلى القتل الجماعي، وتهجير المدنيين الفلسطينيين الأبرياء.

حالة غير مستقرة

لقد قلب هجوم حماس (يوم السبت 7 أكتوبر) رأساً على عقب الافتراضات التي حددت الوضع الراهن بين إسرائيل وغزة، لما يقرب من عقدين من الزمن.

وفي عام 2005، انسحبت إسرائيل من جانب واحد من قطاع غزة، لكنها لم تنه احتلالها الفعلي. واحتفظت بسيطرتها على حدود غزة ومجالها الجوي.

كما واصلت ممارسة رقابة مشددة (بالتعاون الوثيق مع مصر) من خارج المحيط الأمني على حركة سكان غزة، والبضائع والكهرباء والأموال.

تولت حماس السلطة في عام 2006، في أعقاب فوزها في الانتخابات التشريعية، ثم عززت قبضتها في عام 2007، بعد فشل الجهود التي دعمتها الولايات المتحدة؛ لاحلال السلطة الفلسطينية محل حماس.

حافظت إسرائيل وحماس على ترتيبات غير مستقرة، مع استمرار إسرائيل في فرض حصارها الخانق على غزة منذ 2007، والذي يقيد اقتصاد القطاع بشدة، ويفرض تكاليف بشرية باهظة، في حين يعمل أيضاً على تمكين حماس من خلال تحويل كل الأنشطة الاقتصادية إلى الأنفاق، والأسواق الموازية التي تسيطر عليها.

خلال اندلاع الصراع بشكل عَرضي- في عام 2008، و 2014، ومرة أخرى في عام 2021- قصفت إسرائيل بشكل مكثف المراكز الحضرية المكتظة بالسكان في غزة، ودمرت البنية التحتية، وقتلت آلاف المدنيين، بينما أضعفت قدرات حماس العسكرية، وحددت الثمن الذي يجب دفعه مقابل الاستفزازات. لكن كل هذا لم يخفف من قبضة حماس على السلطة.

أصبح القادة الإسرائيليون، يعتقدون أن هذا التوازن يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى. وأن حماس تعلمت الدروس من مغامرات الماضي، ومن خلال ردود الفعل العسكرية الإسرائيلية غير المتناسبة إلى حد كبير.

وإن حماس أصبحت الآن راضية بالحفاظ على حكمها في غزة، حتى ولو كان ذلك يعني السيطرة على استفزازات الفصائل المسلحة الأصغر حجماً، مثل حركة الجهاد الإسلامي.

إن الصعوبات التي واجهتها قوات الدفاع الإسرائيلية في هجوم بري قصير في عام 2014، قللت من طموحاتها، كما تجاهل المسئولون الإسرائيليون الشكاوى الدائمة حول الآثار الإنسانية للحصار.

وبدلاً من ذلك، كانت إسرائيل راضية بإبقاء غزة في مرتبة متأخرة مع تسريع خطواتها الاستفزازية على نحو متزايد؛ لتوسيع مستوطناتها والسيطرة على الضفة الغربية.

لقد أصبح القادة الإسرائيليون يعتقدون، أن الوضع الراهن يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى.

تغير استراتجية حماس

وكان لحماس أفكار أخرى. وعلى الرغم، من أن العديد من المحللين أرجعوا استراتيجيتها المتغيرة إلى النفوذ الإيراني، إلا أن حماس كانت لديها أسبابها الخاصة؛ لتغيير سلوكها ومهاجمة إسرائيل.

وانتهت مناورتها عام 2018؛ لتحدي الحصار من خلال التعبئة الجماهيرية السلمية- المعروفة باسم “مسيرة العودة الكبرى”- بإراقة دماء هائلة، عندما فتح الجنود الإسرائيليون النار على المتظاهرين.

على النقيض من ذلك في عام 2021، اعتقد قادة حماس، أنهم حققوا مكاسب سياسية من خلال إطلاق الصواريخ على إسرائيل، خلال اشتباكات عنيفة في القدس؛ بسبب مصادرة إسرائيل؛ لمنازل الفلسطينيين، وبسبب استفزازات القادة الإسرائيليين في المسجد الأقصى: أحد أقدس المواقع الإسلامية، والذي يريد بعض المتطرفين الإسرائيليين، هدمه لبناء معبد يهودي.

وفي الآونة الأخيرة، أدى التصعيد المستمر للاستيلاء الإسرائيلي على الأراضي (الاستيطان)، وهجمات المستوطنين المدعومة عسكرياً على الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى خلق جمهور غاضب ومعبأ، وهو الأمر الذي بدت الولايات المتحدة- والسلطة الفلسطينية المدعومة من إسرائيل- غير قادرة وغير راغبة في معالجته.

وربما بدت التحركات الأمريكية العلنية للتوسط في اتفاق تطبيع إسرائيلي سعودي بمثابة نافذة مغلقة؛ لفرصة حماس للتصرف بشكل حاسم، قبل أن تتحول الظروف الإقليمية ضدها بلا هوادة.

ولعل الانتفاضة الإسرائيلية، ضد الإصلاحات القضائية التي أقرها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، دفعت حماس إلى توقع وجود خصم منقسم ومشتت الانتباه.

ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى، حفزت إيران توقيت أو طبيعة الهجوم المفاجئ.

المؤكد، أن إيران زادت من دعمها لحماس في الأعوام الأخيرة، وسعت إلى تنسيق الأنشطة عبر “محور المقاومة” الذي يتألف من الميليشيات الشيعية، وغيرها من الجهات الفاعلة المعارضة للنظام الإقليمي الذي تدعمه الولايات المتحدة وإسرائيل.

ولكن سيكون من الخطأ الفادح، أن نتجاهل السياق السياسي المحلي الأوسع الذي قامت حماس من خلاله بخطوتها.

نقطة تحول

في البداية، ردت إسرائيل على هجوم حماس بحملة قصف مكثفة أكثر من المعتاد، إلى جانب حصار أكثر شدة، حيث قطعت الغذاء والماء والطاقة. وحشدت إسرائيل احتياطياتها العسكرية، وأرسلت نحو 300 ألف جندي إلى الحدود، واستعدت لحملة برية وشيكة.

ودعت إسرائيل المدنيين في غزة إلى مغادرة الشمال، خلال 24 ساعة. وهذا مطلب مستحيل. ليس لدى سكان غزة مكان يذهبون إليه.

لقد دمرت الطرق السريعة، والبنية التحتية تحت الأنقاض، ولم يتبق سوى القليل من الكهرباء. والمستشفيات ومرافق الإغاثة القليلة، كلها تقع في المنطقة الشمالية المستهدفة.

وحتى لو أراد سكان غزة مغادرة القطاع، فقد قصف معبر رفح إلى مصر، ولم يُظهر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، سوى القليل من الإشارات على تقديم ملجأ.

ويدرك سكان غزة هذه الحقائق. وهم لا يعتبرون الدعوة للإخلاء بمثابة لفتة إنسانية. وهم يعتقدون، أن نية إسرائيل هي تنفيذ نكبة أخرى، أو “كارثة”: التهجير القسري للفلسطينيين من إسرائيل، خلال حرب عام 1948.

وهم لا يعتقدون– ولا ينبغي لهم أن يصدقوا– أنه سيُسمح لهم بالعودة إلى غزة بعد القتال. ولهذا السبب، فإن سعي إدارة بايدن؛ لإنشاء ممر إنساني للسماح للمدنيين في غزة بالفرار من القتال، يعد فكرة سيئة للغاية. وبقدر ما يمكن للممر الإنساني، أن يحقق أي شيء، فإنه سيكون بمثابة تسريع عملية إخلاء غزة من السكان، وخلق موجة جديدة من اللاجئين الدائمين. ومن الواضح أيضاً، أن ذلك سيقدم للمتطرفين اليمينيين في حكومة نتنياهو خارطة طريق واضحة؛ لفعل الشيء نفسه في القدس والضفة الغربية.

يرجع الرد الإسرائيلي على الهجوم الذي شنته حماس؛ نتيجة للغضب الشعبي، كما قوبل الرد باستحسان سياسي من جانب الزعماء في الداخل وفي مختلف أنحاء العالم.

لكن هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى، أن هؤلاء الساسة قد فكروا جدياً في العواقب المحتملة للحرب في غزة، أو في الضفة الغربية، أو في المنطقة ككل.

لا توجد أي علامة على وجود صراع جدي مع نهاية اللعبة في غزة بمجرد بدء القتال. والأهم من ذلك كله، هو أنه لا يوجد أي مؤشر على التفكير في العواقب الأخلاقية، والقانونية المترتبة على العقاب الجماعي للمدنيين في غزة، والدمار الإنساني الحتمي الذي سيحدث في المستقبل.

إن غزو غزة نفسه سوف يكون مليئاً بالشكوك. ويكاد يكون من المؤكد، أن حماس توقعت مثل هذا الرد، وهي مستعدة جيداً لمحاربة تمرد حضري طويل الأمد، ضد القوات الإسرائيلية المتقدمة.

ومن المحتمل، أن تأمل في إلحاق خسائر كبيرة بالجيش الذي لم يشارك في مثل هذا القتال، منذ سنوات عديدة. (تقتصر تجارب إسرائيل العسكرية الأخيرة على عمليات أحادية الجانب، مثل الهجوم الذي وقع في شهر يوليو الماضي على مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية).

كما أشارت حماس بالفعل إلى خطط؛ لاستخدام الرهائن لديها كرادع، ضد التصرفات الإسرائيلية. يمكن لإسرائيل أن تحقق نصراً سريعاً، لكن هذا يبدو غير مرجح.

هناك تكاليف لقص المدن، وتسويتها بالأرض وإخلاء الشمال من السكان، وكلما طال أمد الحرب، كلما أُمطر العالم بصور القتلى والجرحى من الإسرائيليين والفلسطينيين، وأيضا تزايدت الفرص؛ لوقوع أحداث تخريبية غير متوقعة.

وحتى لو نجحت إسرائيل في إسقاط حماس، فإنها سوف تواجه التحدي المتمثل في حكم الأراضي التي تخلت عنها في عام 2005، ثم حاصرتها وقصفتها بلا رحمة في السنوات السابقة.

كما لن يرحب سكان غزة الشباب بالجيش الإسرائيلي كمحررين. هنا أفضل سيناريو بالنسبة لإسرائيل، هو القيام بحملة طويلة الأمد؛ لمكافحة التمرد في بيئة معادية بشكل فريد، لكن لديها تاريخ من الفشل، كما لم يعد لدى الناس ما يخسرونه.

وفي السيناريو الأسوأ، لن يبقى الصراع محصوراً في غزة. ولسوء الحظ، فإن مثل هذا التوسع محتمل. إن الغزو المطول لغزة من شأنه؛ أن يولد ضغوطاً هائلة في الضفة الغربية، ولن يكون لدى السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، سوى القليل من القدرة ـ أو ربما النية ـ على احتوائها.

وعلى مدى العام الماضي، كان الانتهاك الإسرائيلي المتواصل لأراضي الضفة الغربية، والاستفزازات العنيفة من جانب المستوطنين، سبباً في دفع الغضب، والإحباط لدى الفلسطينيين إلى الغليان. وقد يدفعهم غزو غزة إلى حافة الهاوية.

على الرغم من الغضب الإسرائيلي الساحق تجاه نتنياهو؛ بسبب الفشل الاستراتيجي غير المسبوق لحكومته، ساعد زعيم المعارضة بيني جانتس في حل مشاكل نتنياهو السياسية الكبرى، دون تكلفة واضحة، من خلال الانضمام إلى حكومة الحرب، حكومة وحدة وطنية، لكن دون إزالة المتطرفين اليمينيين إيتامار بن جفير وبتسلئيل سموتريش.

وهذا القرار مهم، لأنه يشير إلى أن الاستفزازات في الضفة الغربية والقدس، التي قادها بن جفير وسموتريش العام الماضي، لن تستمر إلا في هذه البيئة غير المستقرة. في الواقع، كما يمكن أن تتسارع هذه الموجة، حيث تسعى حركة المستوطنين إلى استغلال اللحظة؛ لمحاولة ضم بعض أو كل الضفة الغربية وتهجير سكانها.

إن الصراع الخطير في الضفة الغربية- سواء كان ذلك على شكل انتفاضة جديدة، أو استيلاء إسرائيل على أراضي المستوطنين- إلى جانب الدمار الذي لحق بغزة، سيكون له تداعيات هائلة. ومن شأن ذلك، أن يكشف الحقيقة القاتمة المتمثلة في واقع الدولة الواحدة في إسرائيل إلى درجة، لا يستطيع حتى آخر المتعصبين إنكارها.

وقد يؤدي الصراع إلى نزوح جماعي قسري آخر للفلسطينيين، أو موجة جديدة من اللاجئين إلى الأردن ولبنان المثقلين بالفعل بأعباء خطيرة، أو احتوائهم بالقوة من قبل مصر في جيوب في شبه جزيرة سيناء.

مخاطر على الأنظمة بالمنطقة

إن الزعماء العرب واقعيون بطبيعتهم، منشغلين ببقائهم ومصالحهم الوطنية. لا أحد يتوقع منهم التضحية من أجل فلسطين، وهو الافتراض الذي دفع السياسة الأمريكية والإسرائيلية في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والرئيس الأمريكي جو بايدن.

ولكن هناك حدودا لقدرتهم على الوقوف في وجه جماهير محتشدة بغضب، وخاصة عندما يتعلق الأمر بفلسطين. ربما تقوم المملكة العربية السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو الهوس الغريب لإدارة بايدن، عندما تكون هناك تكاليف سياسية قليلة للقيام بذلك. ومن غير المرجح، أن يحدث ذلك عندما يتعرض الجمهور العربي؛ لقصف الصور الشنيعة من فلسطين.

في السنوات الماضية، سمح القادة العرب بشكل روتيني بالاحتجاجات المناهضة؛ لإسرائيل كوسيلة للتنفيس عن الغضب، وتحويل الغضب الشعبي نحو عدو خارجي؛ لتجنب انتقاد سجلاتهم الكئيبة.

ومن المرجح، أن يفعلوا ذلك مرة أخرى، مما يدفع المتشائمين إلى التغاضي عن المسيرات الحاشدة، ومقالات الرأي الغاضبة.

لكن الانتفاضات العربية في عام 2011، أثبتت بشكل قاطع مدى سهولة وسرعة تحول الاحتجاجات من شيء محلي، واحتوائها إلى موجة إقليمية قادرة على الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية التي حكمت لفترة طويلة. ولن يحتاج أي زعيم عربي إلى تذكيره، بأن السماح للمواطنين بالنزول إلى الشوارع بأعداد هائلة يهدد قوتهم. ولن يرغبوا في أن يظهروا، وهم يقفون إلى جانب إسرائيل.

إن إحجامهم في هذا المناخ عن التقرب من إسرائيل ليس مجرد مسألة بقاء النظام. تسعى الأنظمة العربية إلى تحقيق مصالحها عبر ملاعب متعددة، إقليمياً وعالمياً، وكذلك في الداخل. والزعماء الطموحون الذين يسعون إلى توسيع نفوذهم، والمطالبة بقيادة العالم العربي، يستطيعون قراءة الرياح السائدة.

لقد كشفت السنوات القليلة الماضية بالفعل عن مدى استعداد القوى الإقليمية مثل، السعودية وتركيا لتحدي الولايات المتحدة؛ بشأن قضاياها الأكثر أهمية. من ذلك التحوط في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، والحفاظ على أسعار النفط مرتفعة، وبناء علاقات أقوى مع الصين.

تشير هذه القرارات، إلى أنه لا ينبغي لواشنطن، أن تعتبر استمرار ولاءاتهم أمرا مفروغا منه، خاصة إذا كان يُنظر إلى المسئولين الأمريكيين، على أنهم يدعمون بشكل لا لبس فيه الأعمال الإسرائيلية المتطرفة في فلسطين.

ليس التحول الإقليمي هو الأمر الوحيد الذي تخاطر به الولايات المتحدة، إذا استمرت في هذا المسار، وليس الأكثر إثارة للخوف على الإطلاق، حيث من الممكن أيضاً، أن ينجر حزب الله بسهولة إلى الحرب.

وحتى الآن، قامت المنظمة بقياس ردها بعناية؛ لتجنب الاستفزاز. ولكن اجتياح غزة قد يشكل خطاً أحمر؛ من شأنه أن يجبر حزب الله على التحرك، ومن المؤكد تقريبًا، أن التصعيد في الضفة الغربية والقدس سيحدث.

وسعت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى ردع حزب الله عن الدخول في القتال، لكن مثل هذه التهديدات، لن تصل إلى أبعد من ذلك، إذا واصل الجيش الإسرائيلي التصعيد بشكل مستمر. وإذا دخل حزب الله المعركة بترسانته الهائلة من الصواريخ، فإن إسرائيل، سوف تواجه أول حرب على جبهتين، منذ نصف قرن من الزمن. ومثل هذا الوضع، لن يكون سيئا بالنسبة لإسرائيل فحسب.

وليس من الواضح، ما إذا كان لبنان الذي تدهور بالفعل؛ بسبب انفجار الميناء العام الماضي والانهيار الاقتصادي، يمكن أن ينجو من حملة قصف انتقامية إسرائيلية أخرى.

ويبدو أن بعض الساسة والنقاد الأمريكيين والإسرائيليين يرحبون بحرب أوسع نطاقاً. وقد دعوا، على وجه الخصوص، إلى شن هجوم على إيران. وعلى الرغم، من أن معظم أولئك الذين يدافعون عن قصف إيران، اتخذوا هذا الموقف لسنوات، إلا أن الادعاءات بوجود دور إيراني في هجوم حماس، يمكن أن يوسع تحالف المستعدين؛ لبدء صراع مع طهران.

سيفرض توسيع الحرب؛ لتشمل إيران مخاطر هائلة، ليس فقط في شكل انتقام إيراني، ضد إسرائيل، ولكن أيضًا ضد شحن النفط في الخليج، والتصعيد المحتمل عبر العراق واليمن والجبهات الأخرى التي يسيطر عليها حلفاء إيران.

وقد أدى الاعتراف بهذه المخاطر حتى الآن إلى تقييد حتى أكثر الصقور حماسا بشأن إيران، كما حدث عندما اختار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عدم الانتقام من الهجوم على مصافي النفط في السعودية في عام 2019.

تقليل المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين من دور إيران، يرجع إلى تجنب التصعيد، ولكن على الرغم من هذا، فإن ديناميكيات الحرب الطويلة الأمد، لا يمكن التنبؤ بها إلى حد كبير.

الجرائم هي جرائم

إن أولئك الذين يحثون إسرائيل على غزو غزة؛ لتحقيق أهداف متطرفة، يدفعون حليفهم إلى كارثة استراتيجية وسياسية. لأن التكاليف المحتملة مرتفعة إلى حد غير عادي، سواء حسبت الوفيات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أو احتمالات الدخول في مستنقع طويل الأمد، أو التهجير الجماعي للفلسطينيين.

كما أن خطر انتشار الصراع كبير بشكل مثير للقلق، خاصة في الضفة الغربية ولبنان، ولكنه من المحتمل أن يكون أوسع بكثير. والمكاسب المحتملةـ بخلاف تلبية المطالب بالانتقام ــ منخفضة بشكل ملحوظ. منذ الغزو الأمريكي للعراق، لم يكن هناك مثل هذا الوضوح المسبق حول الفشل الذريع المقبل.

ولم تكن القضايا الأخلاقية واضحة إلى هذا الحد. ليس هناك شك، في أن حماس ارتكبت جرائم حرب خطيرة في هجماتها الوحشية على المواطنين الإسرائيليين، وينبغي محاسبتها.

ولكن ليس هناك من شك أيضاً، في أن العقاب الجماعي المفروض على غزة، من خلال الحصار والقصف والتهجير القسري لسكانها، يمثل جرائم حرب خطيرة. وهنا أيضاً لا بد أن تكون هناك مساءلة ــ أو الأفضل من ذلك، احترام القانون الدولي.

وعلى الرغم، من أن هذه القواعد قد لا تزعج القادة الإسرائيليين، إلا أنها تشكل تحديًا استراتيجيًا كبيرًا للولايات المتحدة، فيما يتعلق بأولوياتها العليا الأخرى.

سوف تندم

ومن الصعب التوفيق بين ترويج الولايات المتحدة للمعايير الدولية، وقوانين الحرب دفاعاً عن أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي الوحشي، وبين تجاهلها المتعجرف لنفس المعايير في غزة. وسوف تلاحظ ذلك دول وشعوب الجنوب العالمي خارج منطقة الشرق الأوسط.

لقد أوضحت إدارة بايدن بشكل واضح، أنها تدعم إسرائيل في ردها على هجوم حماس. ولكن الآن هو الوقت المناسب؛ لاستخدام قوة تلك العلاقة؛ لمنع إسرائيل من خلق كارثة تلوح بالأفق.

إن النهج الحالي الذي تتبعه واشنطن هو: تشجيع إسرائيل على شن حرب غير مشروعة إلى حد كبير، ووعدها بالحماية من عواقبها من خلال ردع الآخرين عن دخول المعركة وعرقلة أي جهود لفرض المساءلة من خلال القانون الدولي.

لكن الولايات المتحدة تفعل ذلك على حساب مكانتها العالمية، ومصالحها الإقليمية. إذا اتخذ الغزو الإسرائيلي “البري” لغزة مساره الأرجح، بكل ما يحمله من مذابح وتصعيد، فإن إدارة بايدن سوف تندم على خياراتها.