يُجبر الطلاب، الحاصلين درجات أعلى من 95%، والذين لم يتمكنوا من الالتحاق بكليات الطب البشري والأسنان وغيرها من التخصصات الطبية، بسبب درجات طفيفة، على دخول الطب البيطري، من أجل الحصول على لقب دكتور، مع عدم الاقتناع بأهمية ذلك التخصص.
الطب البيطري، ليس مجرد الأهمية الغذائية للحيوان، حيث وفر فرصًا لعلاج أمراض مزمنة عدة، لكن الأمر ظل مقتصرًا على حيوانات الإنتاج في مصر، مما قلل شأن الأطباء البيطريين، وتسبب في إبعاد الطلاب عن التخصص البيطري.
واشتهر تخصص الطب البيطري، بأنه صاحب سمعة سيئة بين مختلف العلوم الطبية، فيفكر أغلب الطلاب بدخول كليات الطب عدا البيطري، ويؤخرونه ليتذيل قائمة رغباتهم، بل وتمنوا أن لو لم يكن له مكان بين تنسيق الكليات.
“دكتورة بهايم”، ذلك المُصطلح الذي أطلق على طلاب “بيطري” ما كان سببًا في محاولة العديد منهم للانتقال لكلية أخر
طبيب بالإجبار
سمر أيمن، و غادة أنور محمد، و مي حامد، 3 أطباء بيطريين، وثقوا كُره الطلاب لدخول كلية الطب البيطري، إذ تمنوا في بداية الأمر أن يُبعدهم التنسيق عن ذلك التخصص، بسبب سخرية المحيطين بهم، ولكونها مهنة شاقة لا يقوى عليها غير الرجال، وهو ما أصابهم بالإحباط.
“دكتورة بهايم”، ذلك المُصطلح الذي أطلق على طلاب “بيطري”، ما كان سببًا في محاولة العديد منهم للانتقال لكلية أخرى، وذكرت إحداهم أنها كانت تستهزئ من تخصص الطبيب البيطري قبل الالتحاق به، مؤكدة أنالتنسيق هو السبب الأول في وجود الأعداد الكبيرة بكليات الطب البيطري.
لا وجود تخصصات بكلية الطب البيطري ولا تكليف لهم فيدرس الطالب خمس سنوات كل ما يتعلق بمختلف أنواع الحيوانات
دراسة شاقة
سمر أيمن، طالبة بالفرقة الخامسة بكلية الطب البيطري جامعة القاهرة، والحاصلة على مجموع 96%، لم تلحق أيًا من كليات الطب، إلا تخصص الطب البيطري، وفكرت في ارتياد كلية التربية، إلا أن أهلها رفضوا “استخسار” لمجموعها، فبدأت تسأل الطلاب المُلتحقين بالمكان، ووجدت أن الوضع سيء.
لا وجود تخصصات بالكلية، ولا تكليف لهم، فيدرس الطالب خمس سنوات كل ما يتعلق بمختلف أنواع الحيوانات دون التركيز على شيء بذاته، مع وجود مادة عملي لكل مادة نظري، وتوجد مادة للحيوانات الكبيرة، تُعتبر الأصعب خاصة على البنات مقارنة بالأولاد، ورغم ذلك فإن أغلب الدارسين بنات، فمثلاً دفعتها 1:3 نسبة الفتيات بها.
تتابع سمر، بداخل كل مادة تخصصات عدة، فمثلاً ندرس باطنة تقسم لباطنة أبقار، باطنة أغنام وماعز، وهكذا، فعندما يفاجئ السائل بكل هذا الكم من التعقيد يصرف نظر عن الكلية، ويلتحق بما قد يكون أيسر.
جدل التخصصات
غادة أنور محمد، طالبة بالفرقة الرابعة بكلية الطب البيطري جامعة القاهرة، أكدت على جهل القادمين بالتخصصات المختلفة الموجودة بالكلية، جل ما يعرفونه هو حتمية عمل الطبيب مباشرة مع الحيوانات، لكن الأمر غير صحيح.
وتُضيف “غادة”: “فبعد دراستنا بالكلية اكتشفنا إمكانية العمل كدكاترة تحاليل، بعد عمل بدبلومة، كما يمكن الالتحاق بأماكن بيع الدواء كالصيادلة، أو العمل بالوحدات الطبية البيطرية في المعامل”.
“الطبيب البيطري يُعد الجندي المجهول في مجتمعنا”.. الدكتورة مي حامد
مي حامد.. الجُندي المجهول
الدكتورة مي حامد، عضو هيئة التدريس بكلية الطب البيطري بجامعة القاهرة، وعضو مجلس إدارة الجمعية البيطرية المصرية للدواجن، تقول إن الطبيب البيطري يُعد الجندي المجهول في مجتمعنا، فلا يتوقف دوره عند التعامل مع الحيوانات ومداواتها.
وتُضيف حامد: “يمكن العمل كطبيب للتحاليل، أو بمجال العقاقير، بل يمتد ليشمل العمل كمسئول عن سلامة وجودة مختلف المنتجات التي يستخدمها الفرد لقوت يومه مثل اللحوم، الألبان، الجبن، وغيرها الكثير، وتوجد فرص عمل بالمحاجر الصحية الموجود بالمطارات والموانئ، للتأكد من صلاحية وجودة الأطعمة المستوردة”.
وتتابع “مي” : “أو يمكن العمل بأماكن تتعلق بجودة السلع للتحقق من مطابقتها للمعايير الموضوعة، لكن الجميع لا يعلم إلا بسخافة المجال وعدم تقديره في مصر”.
البُعد النفسي
الدكتور فتحي الشرقاوي، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، ونائب رئيس الجامعة سابقاً، عدد أسباب هروب الطلبة من التخصص بكليات الطب البيطري كالتالي:-
أولاً: الصورة الذهنية المرسخة في أذهان الشعب بأكمله عن الدارس والخريج بذلك المكان، فنجد أن الطب البيطري، الحقوق، والزراعة ينظر لها من منظور الطبقية، فالطبيب البيطري يتعامل مع الحيوانات مباشرة، خريج الحقوق لا قيمة له، وخريج الزراعة مرتبط بالفقر المدقع لكونه يعمل بالفلاحة.
ثانياً: غياب التنشئة الصحيحة وثقافة الرفق بالحيوان، فتجد أن مصر لا يوجد بها جمعيات رفق بالحيوان، فلا ننتظر أن يضيع طالب خمس سنوات من عمره لتعلم معالجة الحيوان الذي لا يتعدى كونه حيوان نكرة بالنسبة له.
ثالثاً: ويعد الأهم تدني دراجات القبول بالكلية دوناً عن تخصصات الطب المختلفة، مما يثير اشمئزاز الطلبة تجاه الكلية، واتجاههم لدراسة ماهو أرقى وأفضل.
والحل في محاولة تغيير معايير الحكم لدى الأفراد لتغيير الصورة الذهنية، مع التوعية بأهمية التكامل بين مختلف التخصصات والعلوم، ورفع دراجات القبول بالمكان.
“قديماً لم يمانع الناس الدخول إلى الكلية للحصول على لقب طبيب”.. الدكتور علي سعد أمين عام مساعد نقابة الأطباء البيطريين
نقابة البيطريين
الدكتور علي سعد أمين عام مساعد نقابة الأطباء البيطريين، يؤكد على أن هدف الحاصلين على درجات عالية هو الالتحاق بكلية الطب البشري، ولا يشغلهم سوى هذا، لكن عندما تملئ مقاعد تلك الكليات يبدأ توزيع الباقي على الأقل، فيفاجئ الطلبة من قبولهم بكلية الطب البيطري.
ويضيف: “قديماً لم يمانع الناس الدخول إلى الكلية للحصول على لقب طبيب، والآن تغير الوضع من سماعهم للمشاكل المختلفة التي تواجه الطلبة والخريجين”.
ويكمل سعد: “الدراسة بالكلية أصعب مما يتخيل الطالب، فيجد نفسه مشتت بين مناهج كثيرة، ليتخرج بدون تكليف، ويصبح عاطل رسمي بلا عمل، وهذا بسبب عدم وجود وزارة مستقلة خاصة بالطب البيطري”.
أما عن مجال الدواء، يقول “سعيد: “نواجه مشاكل عدة مع نقابة الصيادلة لعمل الطبيب البيطري بمجال الدواء، لتأكيدهم على حتمية اكتفائه بكتابة الروشتة، ونحن نعمل بمجال الدواء منذ ما يقارب 60 عامًا”.
ويوضح “سعيد”، أن مشروع التأمين الصحي، يسمح بمزواله مهنة التحاليل، نظراً للمناهج العلمية التي تؤهل الدارسين لتلك الوظيفة بجدارة، ولكن لا يعتمد عليهم في معامل التحاليل بل ويكتفون بتعيين الطبيب البيطري فني تحاليل، ويعتبر هذا إهانة كبيرة، ومن هنا نحن بلا تعيين، بلا تكليف، بلا بدل عدوى، وبلا بدل مخاطر”.
“نطالب بآلية للتوظيف بسبب العجز في عدد الأطباء البيطريين”.. الدكتور خالد العامري، عميد كلية الطب البيطري بجامعة القاهرة
خطوات الحل
أشاد الدكتور علي بجهود الدكتور خالد العامري، عميد كلية الطب البيطري بجامعة القاهرة ونقيب الأطباء البيطريين، في عمل مناهج وبرامج متخصصة لكلية الطب البيطري، مما يعمل على تركيزهم على تخصص واحد دون غيره وتميزهم فيه.
ويضيف: “هو ما يجعل لدينا خريج متخصص بمجال معين، الآن لدينا مراكز لتدريب وتأهيل الطلاب والخريجين لسوق العمل، ونطالب بآلية للتوظيف بسبب العجز في عدد الأطباء البيطريين، وعمل ملتقى توظيفي بمختلف التخصصات المتاحة للخريج”.
الدكتورة مي حامد عضو هيئة التدريس بكلية الطب البيطري بجامعة القاهرة، تقول إن هناك اتجاه لعدد من الطلبة لدخول كلية الطب البيطري، خاصًة مع زيادة أعداد المربين للحيوانات الأليفة وغيرها في المنازل، وتعتقد أن ثقافة الهروب من كلية الطب البيطري ستختفي خلال الـ10 سنوات القادمة.