أعلن رئيس الحكومة اللبنانية، حسان دياب، استقالة حكومته بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت التي أودت بحياة 200 مواطن وإصابة 6 آلاف وتشريد أكثر من 300 ألف، بالإضافة إلى الخسائر الجسيمة التي لحقت ببيروت.
جاءت الاستقالة وسط تصاعد الغضب داخل الشارع اللبناني ومطالبات باستقالة الحكومة والبرلمان، ومحاكمة المسئولين عن الانفجار، وعلق المتظاهرون المشانق في ساحة الشهداء تعبيرا عن رفضهم للطبقة الحاكمة المسئولة عن الانفجار.
“دياب” قال إن “الكارثة التي ضربت اللبنانيين حدثت نتيجة الفساد المزمن في الدولة والإدارة”، متهما الطبقة السياسية بالمتاجرة بدماء المواطنين. وقال محذرا: “لبنان في خطر والفساد مستشر بداخله”، ودعا إلى “محاكمة الفاسدين والمسؤولين عن انفجار المرفأ” واصفا إياه بـ “كارثة حلت بلبنان“.
كان “دياب” قد وعد بتقديم تقرير مفصل عن انفجار مرفأ بيروت الذي راج ضحيته 200 قتيلا أو أكثر من 6 آلاف مصاب، خلال خمسة أيام من وقوع الانفجار، لكن لم يصدر التقرير الذي وعد به.
وكان من المقرر أن يناقش مجلس النواب اللبناني انفجار بيروت الخميس المقبل، وبحسب تصريحات رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري: فإن “جلسات مفتوحة للمجلس النيابي اعتبارا من الخميس لمناقشة الحكومة على الجريمة المتمادية التي لحقت بالعاصمة“. وذكرت وسائل إعلام لبنانية أن قرارا سابقا اتخذ بإسقاط الحكومة في البرلمان.
الدستور اللبناني
حدد الدستور اللبناني الحالات التي تعتبر فيها الحكومة مستقيلة، وفقا للمادة، 69 وهي: إذا استقال رئيسها.، أو فقدت أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها” الحكومة الحالية تتألف من 20 وزيرا، أو وفاة رئيسها.
كما تعتبر الحكومة مستقيلة عند بدء ولاية رئيس الجمهورية، أو عند بدء ولاية مجلس النواب. أو حال نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي.
بيان الاستقالة
أوضح “دياب”، في بيان الاستقالة أن “منظومة الفساد متجذرة في كل مفاصل الدولة، لكنني اكتشفت أن منظومة الفساد أكبر من الدولة، وأن الدولة مكبلة بهذه المنظومة ولا تستطيع مواجهتها أو التخلص منها”.
وأضاف “اليوم نحن أمام مأساة كبرى وكان يفترض من كل المصالح أن تتعاون لتجاوز هذه المحنة، لكن البعض لا يهمه سوى تسجيل النقاط السياسية والخطابات الشعبوية وهدم ما بقي من مظاهر الدولة”. وتابع “بعد أسابيع على تشكيل الحكومة حاولوا رمي موبقاتهم عليها وتحميلها مسؤولية الانهيار، فعلا لي استحوا ماتوا”.
وأضاف الحكومة حملت مطلب اللبنانيين بالتغيير “لكن بيننا وبين التغيير جدارا سميكا جدا تحميه طبقة تقاوم بكل الأساليب من أجل الاحتفاظ بمكاسبها ومواقعها وقدرتها على التحكم بالدولة”.
غضب الشارع
لكن قرار الاستقالة غير كافى لتهدئة الشارع اللبناني الغاضب، حيث رفع المتظاهرون مطالبهم بمحاكمة كل المسؤولين عن الانفجار، كما طالب المحتجون، بضمانات لعدم عودة هؤلاء المسؤولين إلى السلطة مرة أخرى، واستقالة أعضاء مجلس النواب بالكامل.
ودعا رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، اليوم الاثنين، إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، مشيرا إلى أن استقالة الحكومة الحالية غير كافية لحل الأزمة التي تعصف بالبلاد، في أعقاب كارثة مرفأ بيروت التي فجرت الغضب إزاء الطبقة السياسية.
وقال في مؤتمر صحفي بالعاصمة اللبنانية إن الحكومة تمثل قشور المشكلة وليس لبها، مشيرا إلى أن الأكثرية النيابية التي يقودها حزب الله هي ما أوصلت لبنان إلى هذه الأزمة. وتابع: “الذين شلكوا هذه الحكومة قد يشكلون حكومة أخرى، طالما ظلت هذه المجموعة المسيرة على رأس السلطة.. لا نتأمل خيرا”.
واعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية أن حل الأزمة في لبنان يتمثل في “تغيير الأكثرية بالبرلمان، وذلك عبر انتخابات مبكرة، بالقانون الانتخابي الحالي”، متحدثا عن أن تغيير القانون لن يحسّن الأمر. وأكد الحديث عن تشكيل حكومة جديدة في لبنان مضيعة للوقت في ظل البرلمان الحالي.
مسلسل استقالات
ومنذ الانفجار، شهد لبنان سلسلة من الاستقالات من وزراء ونواب، قال وزير الصحة، حمد حسن، إن الاستقالة “ليست هرباً من المسؤولية”. وأضاف إن الشعب يعرف مرتكبي جريمة انفجار المرفأ.
قالت وزيرة العدل، ماري كلود نجم إن “مضمون التحقيق بانفجار مرفأ بيروت قضائي بحت”، وتابعت: “لا أحد يتمنى أن يكون في كرسي المسؤولية في هذه الكارثة”.: “لم يكن هناك أي تردد في مجلس الوزراء في موضوع إحالة الملف”. وأكدت أنها أصرت على استقالتها ولم تتراجع عنها و”هي ليست هروباً من المسؤولية“.
أما وزير الأشغال ميشال نجار، فقال بدوره: “أعتقد أن دياب سيُعلن استقالة الحكومة وعلمت بموضوع المرفأ قبل 24 ساعة من حصول الانفجار“.
وأعلنت نائبة رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع زينة عكر استقالتها من الحكومة، مشيرة إلى أن “كارثة الانفجار اقتضت استقالة الحكومة.
كما وزيرة العدل ماري كلود نجم استقالتها الخطية للرئيس حسان دياب، فيما كانت تضاربت المعلومات حول استقالة وزير المالية غازي وزني. وبعد وزير الخارجية السابق ناصيف حتّي الذي استقال قبل يوم واحد من انفجار بيروت، توالت استقالات وزيرة الإعلام منال عبدالصمد، ووزير البيئة والتنمية الإدارية دميانوس قطّار.
لكن وزير الداخلية اللبناني محمد فهمي علق قائلا إن “الاستقالة كان يمكن أن تحصل لحظة وقوع الكارثة، وكانت حتمية وقتها لكن بعد مرور هذا الوقت الاستقالة اليوم تعني الهروب من المسؤولية.
وبعد إعلان وزيرة الإعلام اللبنانية منال عبدالصمد استقالتها من الحكومة أمس الأحد، قدم وزير البيئة دميانوس قطار استقالته.
وذكر قطار في بيان استقالته أن هذه الخطوة تأتي “تضامناً مع الجرحى” وإثر “هول الكارثة”، مضيفاً: “النظام قديم ومترهل وأضاع الكثير من الفرص“.
استقالات نيابية
أما على صعيد الاستقالات النيابية، قدّم عضو “اللقاء الديمقراطي”، النائب هنري حلو، كتاب استقالته من مجلس النواب، بالإضافة إلى نوّاب كتلة “الكتائب” سامي الجميّل ونديم الجميّل وإلياس حنكش، والمستقلة النائبة بولا يعقوبيان ورئيس حركة “الاستقلال” ميشال معوّض قد أعلنوا استقالاتهم من مجلس النواب. كما أعلنت النائبة ديما جمالي أمس أنّها ستتقدّم اليوم باستقالتها من المجلس. وأعلن النائب نعمة افرام تعليق نشاطه النيابي إلى حين التصويت على تقصير ولاية المجلس الحالي ثمّ سيتقدّم باستقالته من المجلس.
حسان دياب
رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب حاصل على الدكتوراه في هندسة الكمبيوتر عام 1985. وشغل منصب نائب رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت للبرامج الخارجية الإقليمية، والعميد المؤسس لكلية الهندسة، والرئيس المؤسس بين عامي 2004-2006 في جامعة ظفار في سلطنة عمان. وعيّن وزيراً للتربية والتعليم ووزيرا للشؤون الاجتماعية بالوكالة في حكومة نجيب ميقاتي، في أعقاب سقوط حكومة سعد الحريري.
وفي 11 فبراير/ شباط الماضي، شكل حكومة جديدة، واعتبرها بمثابة “فريق إنقاذ“. لتحل محل حكومة سعد الحريري، التي أجبرتها احتجاجات شعبية على الاستقالة في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2019. وتضم ممثلين عن غالبية الأحزاب السياسية. وكان يفترض أن تكون هذه الحكومة تكنوقراطية تعمل على معالجة مشاكل اللبنانيين لا سيما الاقتصادية والمعيشية.