هدف إسرائيل المعلن من عملياتها في غزة هو القضاء على حماس، وإصرارها على تحقيقه مع هول، وشدة عمليات تل أبيب العسكرية، يجعل غزة، دون حماس- أو دون حكم حماس على الأقل- من السيناريوهات المحتملة التي تضعها مختلف الأطراف الدولية والإقليمية في الاعتبار.
تباينت ردود الفعل الأولية بين الإمارات والسعودية، فبينما أدانت الإمارات حماس، وأبدت استياءها من احتجاز “مدنيين إسرائيليين”، أصدرت الرياض بياناً، لم يدن حماس، بل ألقى اللوم على سياسات الاحتلال. ولاحقا مع توحش القصف الإسرائيلي، وازدياد أعداد الضحايا المدنييين من سكان غزة، اضطرت الإمارات؛ لإدانة إسرائيل.
التباين الأولي عكس اختلاف وجهات النظر بين الإمارات والسعودية؛ بشأن حماس التي تنظر السعودية لها – كما تنظر لجميع الجماعات المنتمية لجماعة الإخوان- نظرة برجماتية، فعقب عداء وقطيعة لسنوات طويلة، وصلت إلى قيام الرياض بالقبض على أعضاء من حماس بالسعودية، وأصدرت بحقهم عقوبات مشددة. شهدت الفترات الأخيرة زيارات من قيادات حماس للسعودية، مما يشير إلى انفتاح الرياض النسبي نحو حماس، انطلاقاً من رغبة الرياض في ضمها إلى المحور السني، وإبعادها عن إيران.
هذا العام أيضا توسطت الرياض في مفاوضات المصالحة بين حماس وفتح، بينما ترفض الإمارات بشكل قاطع “الإخوان”وجميع الجماعات التابعة لها ومنها حماس.
لم يعبر أي طرف خليجي، خلال الأزمة علنا، عن رغبة في التخلص من حماس، ولكن سرا قد يكون الوضع مختلفا. بعض المحللين والدبلوماسيين السابقين، أشاروا إلى أن الكثير من قادة دول الخليح، والدول العربية يأملون، أن تنجح إسرائيل في القضاء على حركة حماس قضاء مبرماً.
على سبيل المثال، قال دينيس روس، إن العديد من المسئولين في الدول العربية، قالوا له سرا، إنهم يريدون القضاء على حماس. واستنتج وليام وكسلر، أيضا (بعد حديثه مع مسئولين في الإمارات) أن الكثيرين يأملون، أن تنجح إسرائيل في القضاء على الحركة، و رغم غموض روس ووكسلر؛ بشأن ماهية المسئولين، فإن ما يقولانه ليس صعب التصديق، هناك بالفعل أسباب منطقية، تجعل دول المنطقة– وخاصة دول الخليج– تأمل، أن ينتهي وجود حماس في غزة.
يظل هدف الخليج الأساسي هو استقرار المنطقة، ولهذا فان استئصال حماس (أحد مصادر عدم الاستقرار) سيكون مستحبا لدول الخليج (ما عدا قطر).
بالنسبة للإمارات، القضاء على حماس يعني القضاء على أحد الجماعات التي تعدها أبوظبي، تمثل تهديدا على أمنها. أما بالنسبة للسعودية، فرغم مقاربتها المرنة نحو حماس، لا تزال الرياض ترى فيها خطرا، لا يمكن التنبؤ به، وهذا ليس فقط لعلاقة الحركة بجماعة الإخوان، ولكن أيضا؛ بسبب علاقتها الوثيقة مع إيران.
القضاء على حماس، قد يعني أيضا استكمال عملية التطبيع بشكل سلس، أو هكذا يأمل الكثيرون في تل أبيب وواشنطن.
يقول جون هانا: (مستشار سابق لديك نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، وزميل في المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي) وبليز ميسزتال (نائب رئيس المعهد ذاته) في جيروزاليم بوست، إن إنفاذ اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية لا يزال ممكنا بشرط، أن تحقق إسرائيل انتصاراً على حماس، وأن يقنع الرئيس الأمريكي جو بايدن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأهمية التطبيع، ويضيفان، أن “بن سلمان” لا يزال شابا، و”عرضة؛ لاتخاذ خطوات طائشة”، وأنه يحتاج إلى “يد ثابتة” من رئيس أقوى دولة في العالم لإرشاده.
ورغم تحليلهما المسيس، ولهجتهم التي تتسم بالاستعلائية، لكن القضاء على حماس بالفعل، قد يتبعه استكمال عملية التطبيع بشكل سلس، كما أن خروج إسرائيل منتصرة قد يعطي حافزا أكبر للرياض لإبرام الاتفاق. ولكن يظل الخليج متخوفا، من أن الاجتياح البري سيؤدي؛ لإطالة الحرب في غزة، وليس إنهاءها.
لاعب الخليج الخفي
فلسطين لم تكن بعيده يوما عن نفوذ الإمارات والسعودية، اللتين كانتا دائما حريصتين على وجود أصدقاء في فلسطين. فاستمرت السعودية، توفر دعما ماليا ضخما للسلطة الفلسطينية لسنوات طويلة، وهو ما تغير في 2021، حين أوقفت الرياض معظم تلك الأموال، ثم عرضت الرياض إعادة التمويل مجددا؛ للضغط على السلطة الفلسطينية؛ من أجل أن تتعاون في عملية السلام بين إسرائيل والرياض.
ورغم طرح البعض فكرة تسليم حكم غزة؛ لحركة فتح التي ينتمي إليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعد الحرب، لكنه ليس من السيناريوهات الوارد حدوثها؛ نظرا لهشاشة شعبية محمود عباس.
دول الخليج- والإمارات بشكل خاص- لديها لاعب خفي في فلسطين، هو محمد دحلان الذي تربطه علاقة شخصية قوية، مع محمد بن زايد رئيس الإمارات، وهذه العلاقة جعلت دحلان شخصية محورية في سياسات الإمارات تجاه فلسطين، ويقول بعض المراقبين، إن “بن زايد”، يستشيره في سياسته بشأن فلسطين، ويقال أيضا، إنه لعب دورا هاما في تخطيط اتفاقات إبراهام.
ترى الإمارات في دحلان البديل الأمثل لمحمود عباس، و توفر له أمولا مخصصة؛ للإنفاق على تقديم خدمات لسكان غزة، ما ساهم في زيادة تأثيره، وشعبيته في القطاع.
ما جعل دحلان شخصية جذابة للإمارات، هو عداؤه الشديد للإسلاميين، فخلال رئاسته لجهاز الأمن الوقائي، قام بحملة موسعة، ضد الإسلاميين في غزة، خاصة حماس.
دحلان أيضا مقرب للرياض والقاهرة، وهو ما جعل حماس، تلجأ إليه للتوسط عند مصر؛ لحل ازمة الكهرباء في 2017، وبالفعل نجح وقتها، في اقناع مصر بتزويد غزة بالوقود، ونتيجة لوساطته أيضا تعهدت الإمارات ببناء محطة لتوليد الكهرباء، تلك المساعي من قبل دحلان؛ للتصالح مع حماس، كانت في إطار تعزيز نفوذه؛ للوصول لرئاسة السلطة الفلسطينية وقيادة حركة فتح.
دحلان تحدث مؤخرا (الـ 30 من أكتوبر) لـ الإيكونوميست من منزله في أبوظبي عن رؤيته لغزة ما بعد الحرب. وفي الحوار اقترح تشكيل حكومة تكنوقراط لمدة سنتين؛ لتوحيد القوى الفلسطينية، بعدها يتم تنظيم انتخابات، تشارك فيها جميع الفصائل الفلسطينية، ومن بينها حماس التي استبعد، أن تنجج إسرائيل في القضاء عليها بشكل كامل.
وأضاف، أن الدولة الفلسطينية الجديدة ستكون بلا حدود واضحة في البداية، حتى يتم التوصل لاتفاق، ولكنها قد تحظى بدعم من الإمارات والسعودية ومصر وقطر والأردن.
من الصعب القطع، إن كان لدى الإمارات والسعودية خطة واضحة لغزة ما بعد الحرب، (غير الأولوية لإعادة الاستقرار). ولكن نظرا لقرب دحلان لدول الخليج، وخاصة الإمارات، فإن رؤيته التي طرحها في الحوار قد تتشابك مع رؤيتهم بشكل أو بآخر.