يُعد “التضليل”، هو السمة التي تميز بها دور موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، في التعامل مع فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، ورغم الإجراءات التي اتخذها على مدار الأشهر الماضية، إذ وضع ملصقات تحذيرية على ما يزيد عن 50 مليون منشور، وحذف ما يقرب من 2.5 مليون مشاركة، إلا أن تلك الإجراءات كان عدد كبير منها متأخرًا، والبعض لم يكن حاسمًا، وهو الأمر الذي أثر سلبًا على ثقة المستخدمين فضلًا عن اتهام إدارة “فيسبوك”، بالرغبة في التضليل أو فتح المجال لمثل هذه الشائعات على منصتهم الاجتماعية.
المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، استعرض عددًا من الدراسات التي أوضحت الدور الذي لعبه موقع التواصل الاجتماعي، في الترويج للشائعات والتضليل، كما استعرض الإجراءات المنقوصة التي اتخذتها إدارة “فيسبوك”.
شارك المستخدمين منشور الغرغرة بالماء والملح أو الخل أكثر من 31 ألف مرة قبل أن يُحذف في نهاية المطاف
100 معلومة خاطئة بـ 6 لغات
“Avaaz”، إحدى مجموعات حقوق الإنسان المعنية بتتبع المعلومات الخاطئة، نشرت تقريرًا مُتعمقًا، فحص 100 معلومة خاطئة متداولة على “فيسبوك”، بست لغات مختلفة “الإنجليزية، والإسبانية، والبرتغالية، والعربية، والإيطالية، والفرنسية”، في الفترة بين 21 يناير إلى 17 أبريل 2020، وبلغ عدد مشاهدتها 117 مليون مرة، وشاركها المستخدمون أكثر من 1.7 مليون مرة وهو ما يعني تعرض ملايين منهم لمعلومات مضللة عن فيروس كورونا دون أي تحذير، ومن بين هذه المعلومات على سبيل المثال قدرة السود على مقاومة فيروس كورونا، وإمكانية تدمير الفيروس بواسطة ثاني أكسيد الكلور، وقدرة الغرغرة بالماء والملح أو الخل على التخلص من الفيروس، وغير ذلك.
من بين تلك الشائعات، شارك المستخدمين منشور الغرغرة بالماء والملح أو الخل أكثر من 31 ألف مرة قبل أن يُحذف في نهاية المطاف، ومع ذلك لا يزال هناك أكثر من 2600 نسخة منه على المنصة، مع ما يقرب من 100 ألف تفاعل، دون أن تحتوي المنشورات المستنسخة على أي ملصقات تحذيرية، ووفقًا للدراسة، تستغرق شركة “فيسبوك”، 22 يومًا للتحذير من المعلومات الخاطئة عن فيروس كورونا.
وطبقًا للدراسة، لم يصنف 29% من الشائعات والأخبار الكاذبة المتداولة على إصدار الموقع باللغة الإنجليزية تحت بند المعلومات المغلوطة، وتزداد تلك النسبة في اللغات الأخرى لتبلغ 68% في إصدار الموقع باللغة الإيطالية، و70% في إصدار الموقع باللغة الإسبانية، و50% في إصدار الموقع باللغة البرتغالية، وتبعًا للدراسة، تُعد جهود “فيسبوك” لمواجهة الأكاذيب والشائعات في إصدار الموقع باللغة العربية الأكثر نجاحًا، إذ يظل 22% فقط من عينة المنشورات المضللة دون تصنيف.
وعلى خلفية ذلك، قررت “فيسبوك” عرض إشعارات للمستخدمين المعرضين للمعلومات الخاطئة، وهو ما دفع مدير حملة “أفاز” للقول إن “فيسبوك تقع في قلب أزمة التضليل، وهي خطوة شجاعة، ولكنها لا تكفي، إذ ترغب أفاز في ظهور إشعارات فيسبوك المتعلقة بالمعلومات الخاطئة على نحو أوضح؛ بحيث يَظهر الإشعار لأي مستخدمٍ شاهد المعلومات الخاطئة في خلاصة الأخبار، بغض النظر عن تفاعله مع المنشور”.
تعرض “فيسبوك” لانتقادات حادة بسبب استضافته مجموعات دعم فيروس كورونا التي روج فيها لمنشورات تُناهض الحجر الصحي
مجموعات الدعم والعلاج المغلوط
تعرضت شركة “فيسبوك”، لانتقادات حادة بسبب استضافتها مجموعات دعم فيروس كورونا، التي روج فيها البعض لمنشورات تُناهض الحجر الصحي، وتنشر أخبارًا كاذبة، وتروّنج لعلاجات مغلوطة للفيروس، مثل شرب المواد المبيضة، واستنشاق الكوكايين على سبيل المثال، وهي المجموعات التي وصل عدد أعضائها إلى 4.5 مليون شخصًا في الولايات المتحدة، و3 ملايين شخصًا في إيطاليا، و2 مليون شخص في المملكة المتحدة.
هدفت مجموعات الدعم في الأصل إلى مساعدة الجيران، ودعم الشركات المحلية، والتبرع للمنظمات الخيرية، وغير ذلك، وتعددت استخداماتها لتشمل دعم المواطنين في الخارج، ومشاركة النصائح حول سُبل التعليم المنزلي، ومشاركة المعلومات التي قد تنقذ الأرواح، وهو ما دفع مارك زوكربيرج، مؤسس “فيسبوك”، لوصفها بأنها ملاذ للأشخاص الذين يحتاجون إلى الدعم والراحة، غير أنها تحولت -في المقابل- إلى ساحة لتداول الأخبار الكاذبة، حيث يسهل مشاركة المعلومات الخاطئة دون التحقق منها.
ولمواجهة تلك الشائعات، حاولت “فيسبوك”، نشر المعلومات الصحية الموثوقة على مجموعات الدعم، وسمحت لمشرفي المجموعات بمشاركة البث المباشر للمنظمات الصحية ذات المصداقية مثل منظمة الصحة العالمية، والإدارات الصحية الرسمية، وبالشراكة مع مركز السيطرة على الأمراض CDC، قام الموقع بتطوير وحدات تعليمية بناء على إرشادات المركز، وهي الوحدات التي يمكن للمسئولين إضافتها إلى المجموعات.
ومع التزايد المضطرد في مجموعات الدعم، وعلى أمل تحسين إدارة مشرفيها، أطلقت “فيسبوك” أول حدث رقمي لها على الإطلاق بين يومي 21-23 أبريل الماضي، تحت عنوان “تواصل اجتماعي: تصفح فيروس كورونا”، للتركيز على أفضل الممارسات لمجموعات فيروس كورونا، ورغم ذلك، لم تتضمن سياسات الشركة أي عقوبات تنظيمية تحول دون انتشار المعلومات الضارة، ومن المحتمل أن يظل ذلك دون تغير، إذ يتسبب النمو السريع لمجموعات “فيسبوك” حول أزمة كورونا، من صعوبة التصدي لهذا النوع من المحتوى، حيث يعمل عدد من المجموعات بشكل خاص.
في إبريل الماضي، حذفت الشركة 1887 حسابًا وصفحة ومجموعة مضللةً، منها 732 حسابًا على “فيسبوك”، و162 حسابًا على منصة “إنستجرام”، و793 صفحة، و200 مجموعة، وهو ما تتبعتها الشركة عبر 8 شبكات مختلفة، استهدف 6 منها الجماهير المحلية لا سيما في الولايات المتحدة، وجورجيا، وغير ذلك، واستهدفت صفحتان منها روسيا وإيران ومواطني دول أخرى.
ومن بين تلك الشبكات، كانت الشبكة الجورجية المرتبطة بشركة إعلامية تسمى “Espersona” هي الأكبر، حيث أزالت الشركة منها 511 صفحةً، و101 حساب على “فيسبوك”، و122 مجموعة، و56 حسابًا على “إنستجرام”، وانصب اهتمامها على الأحداث المحلية والأوضاع الداخلية فحسب، كما أزال “فيسبوك”، شبكة أصغر مقرها جورجيا، وهي الشبكة التي تكونت من 23 حسابًا على الموقع و80 صفحة و41 مجموعة و9 حسابات على “إنستجرام”، وهي الشبكة المرتبطة بحزب “الحركة الوطنية المتحدة”.
“منصات التواصل الاجتماعي تُزيل واحدًا فقط من كل عشرة منشورات مضللة وخطيرة عن فيروس كورونا”.. مركز مكافحة الكراهية الرقمية
إجراءات منقوصة
في دراسته المنشورة في مطلع يونيو الجاري، اتهم مركز مكافحة الكراهية الرقمية “CCDH”، في دراسته المنشورة في مطلع يونيو الجاري، مواقع التواصل الاجتماعي بالتهرب من مسئوليتها عن وقف انتشار المعلومات الخاطئة والتي وصفها بـ”الخطيرة”، وتوصلت الدراسة، إلى أن منصات التواصل الاجتماعي تُزيل واحدًا فقط من كل عشرة منشورات مضللة وخطيرة عن فيروس كورونا.
وتوصلت الدراسة، إلى أن 90% من المُشاركات التي تحتوي على معلومات خاطئة لا تتخذ حيالها وسائل التواصل الاجتماعي أي إجراء حتى بعد الإبلاغ عنها، ورصدت 649 مخالفة لشروط خدمة المنصات أو معايير إزالة المعلومات الخاطئة، ومن بين 9.4% من المشاركات التي تم الإبلاغ عنها والتي اتخذ حيالها إجراء، أزيل 6.3% من المشاركات، ووضعت علامة مميزة على 2% من المنشورات، وصُنف 1.1% على أنه خاطئ دون إزالته.
وبحسب الدراسة، فإن “فيسبوك” حذف 10.2% فقط من المنشورات التي أُبلغ عنها، ولا تزال المعلومات الخاطئة المتعلقة بفيروس كورونا متداولة وبكثرة، لا سيما تلك التي تتعلق بانتقال الفيروس عن طريق الجو، وتصنيعه معمليًا، وتسبب الكمامة في الإصابة بالسرطان، وغير ذلك.
يكشف ذلك في مجمله، عن المفارقة بين وعود مُجابهة المحتوى الضار من ناحية، والخطوات التي تتخذ فعليًا من ناحية أخرى.
الرئيس التنفيذي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان “عمران أحمد”، قال، إن “شركات وسائل التواصل الاجتماعي استفادت بشكل كبير من هذه الأزمة، وحان الوقت للقيام بواجبها، لقد ادعى عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي مرات عديدة أنهم يأخذون المعلومات الخاطئة المُتعلقة بكوفيد-19 بجدية، لكن هذا البحث الجديد يظهر أنه حتى عندما يُخطرون بالمعلومات الخاطئة، يفشلون في اتخاذ إجراء، وإن نظم الإبلاغ عن المعلومات الخاطئة والتعامل معها لا يصلح”.