وسط تصاعد مستمر للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تشهد أسعار النفط، عالميًا، حالة من التذبذب ما بين الصعود والهبوط، في ظل تخوفات من توسع الصراع في منطقة الشرق الأوسط وتأثير ذلك على إنتاج النفط.
ويستحوذ الخليج العربي على ثلث إنتاج النفط العالمي، إضافة إلى احتمال تضرر طرق عبور النفط، وهو تخوف أصبح ظاهرا مع احتجاز الحوثيين سفينة نقل قيل إنها اسرائيلة لكن دولة الاحتلال نفت ملكيتها.
مؤشر الأسعار
وسط تخوفات دولية، ارتفعت أسعار النفط أول أسبوعين للحرب لمستوى 7 ٪ لكن تراجع نسبة ارتفاعها مجددا إلى حدود 4 ٪ مع تقلص التوقعات باستخدام النفط كسلاح عربي.
ومع تهديد الحوثيين الملاحة بباب المندب، باحتجاز سفينة يعتقد بأنها إسرائيلية، تحركت الأسعار، وعاود النفط الارتفاع أيضًا، لتتجاوز مستوى 81 دولارا للبرميل.
جاء الارتفاع قبيل اجتماع مجموعة “أوبك” ودُفع بتوقع أن تمدد السعودية خفضا إضافيا بواقع مليون برميل يوميا حتى مطلع 2024.
ويعقد أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها وعلى رأسهم روسيا “أوبك بلس” اجتماعا في فيينا في 26 نوفمبر الجاري، لمناقشة سياسة الإنتاج المشتركة.
وتوقع وارن باترون، رئيس وحدة استراتيجية السلع لمجموعة “آي إن جي” المصرفية، تمديد السعودية وروسيا تخفيضاتهما الطوعية الإضافية حتى مطلع 2024.
وتراجعت أسعار النفط 20 % منذ أواخر سبتمبر/ أيلول إذ ظل إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة، أكبر منتج في العالم، عند مستويات قياسية مع وجود انخفاض في الطلب من الصين المستورد الأول للنفط عالميًا.
لكن باترون يقول إن موقف مجموعة “أوبك بلس” سيكون غامضا إزاء إمكانية إجراء تخفيضات أخرى.
وقال تسويوشي أوينو، كبير الاقتصاديين بمعهد أبحاث “إن إل آي”، إنه توجد مخاوف تتعلق بالطلب في ظل تباطؤ نمو الاقتصاد العالم وبالتالي من الصعب توقع قرار “أوبك بلس”.
في المقابل، لا يستبعد بنك “جولدمان ساكس” الأمريكي تخفيضات أكبر من قبل “أوبك بلس”، نظرا لانخفاض الأسعار، ووجود مخزونات نفطية أعلى من المتوقع.
دخول الحوثيين في الصراع يزيد القلق
وتحركت أسعار النفط بقوة مع تزايد مخاطر الشحن عبر البحر الأحمر بعد احتجاز الحوثيين الناقلة “جالاكسي ليدر” في باب المندب.
ويقع مضيق باب المندب قبالة سواحل اليمن وجيبوتي وإريتريا، ويربط بين البحر الأحمر وبحر العرب، وهو طريق مهم لمنتجات التكرير الأوروبية إلى الأسواق الدولية.
وتمر خلاله صادرات النفط الخام المتوجهة للسوق الأوروبية عبر طريقين أولهما خط أنابيب “سوميد” الذي يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، أو عن طريق قناة السويس.
وحال إغلاق المضيق بسبب عمليات الحوثيين، فستضطر ناقلات النفط المتجهة من السعودية والكويت والعراق والإمارات لاتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح ثم العودة للبحر المتوسط مجددًا مما يزيد الوقت وتكلفة الشحن.
صدمات أسعار النفط
تتزايد المخاطر بمنطقة الخليج العربي التي تمثل ما يقرب من 30 % من إنتاج النفط العالمي، ومن شأن أي تصعيد كبير للصراع بها دفع أسواق السلع الأساسية إلى منطقة مجهولة.
تتزايد المخاطر لأنها المرة الأولى، تاريخيا، التي يتحمل فيها العالم صدمات بمنطقتين رئيسيتين لإنتاج الطاقة خلال فترة قصيرة (روسيا والشرق الأوسط).
انخفضت أسعار خام برنت نحو 4 % للبرميل منذ بداية الصراع بعد ارتفاعها 7 % في أول أسبوعين بعد الهجوم. كما شهدت أسعار السلع الزراعية ومعظم المعادن انخفاضات طفيفة.
وحاولت أمريكا منذ الحرب الإسرائيلية دفع أسعار النفط للهبوط، بعد رفع إنتاجها إلى أعلى مستوى له بواقع 13.2 مليون برميل يوميًا من أجل امتصاص تذمر الدول المستوردة للنفط من تأثيرات الحرب على الأسعار.
النفط كسلاح.. لم يعد واردا
منذ أزمة الطاقة بالسبعينيات، حاولت الدول المستوردة تعزيز قدرتها على مواجهة الصدمات بتنويع موردي النفط وتوسيع مصادر الطاقة بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة، كما أنشأت العديد من الحكومات احتياطيات نفطية إستراتيجية. وهذه الإجراءات من جانب المستوردين، والاختلاف الكبير في استعدادات المستهلكين لاستخدامه كسلاح أسوة بما جرى عام 1973، يضعف إلى حد كبير جدا احتمال تكرار ما جرى عام 1973، وهو قد يصل إلى حد العدم.
لكن رغم ضعف هذا الاحتمال، حذر البنك الدولي من تداعيات تمدد الصراع في الشرق الأوسط، وقال خلال تقرير أن التأثيرات ما زالت محدودة، لكنه عاد ووضع ثلاثة سيناريوهات للمخاطر تعتمد على درجة انقطاع إمدادات النفط.
أولها “الاضطراب البسيط” بانخفاض ما بين 500 ألف و 2 مليون برميل، وتتراوح أسعار النفط حينها بين 93 دولارًا و 102 دولار أمريكي يوميًا.
في سيناريو “الاضطراب المتوسط”، تنخفض إمدادات النفط العالمية ما بين 3 و 5 ملايين برميل يومياً، مما يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع لما بين 109 و 121 دولارا للبرميل.
أما “الاضطراب الكبير”، فيشبه استخدام سلاح النفط في 1973، وتنكمش إمدادات النفط العالمية ما بين 6 و 8 ملايين برميل يوميًا، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار لما بين 140 و 157 دولارًا للبرميل.
لارتفاع أسعار النفط آثار محتملة، بينها ارتفاع زيادة أسعار المواد الغذائية بجميع أنحاء العالم، هذا في وقت تكافح فيه حكومات العالم لمواجهة التضخم، والذي قد يسبب تفاقما في تراجع مستويات الأمن الغذائي، ومزيدا من ارتفاع أسعار الغذاء المرتفعة بالفعل في العديد من البلدان النامية، والتي تأثرت بشكل كبير من الحرب الروسية الأوكرانية خاصة فيما يتعلق بأسعار الحبوب والمحاصيل الزراعية.
ما يستدعي من واضعي السياسات في البلدان النامية اتخاذ الاحتياطات للتعامل مع الزيادة المحتملة في التضخم العام، وتفاقم تقلبات الأسعار.
وأيضا مع الحرب، وتزايد المخاطر، ترتفع أسعار الذهب الذي يزداد بريقًا في وقت المخاوف الجيو سياسية وتآكل ثقة المستثمرين. وارتفعت أسعار الذهب بالفعل بنحو 7 % منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة.