لم يقرأ الحاج “شريف الزلاط” المواطن المصري البسيط ابن محافظة دمياط، بالتأكيد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يشدد فيه، على أن مواجهة الحكومات للمعلومات المضللة يجب ألا يقيد الأشكال المختلفة لحرية التعبير ومنها السخرية،
لقراءة التقرير كاملا اضغط هنا:
الظلاط بالتأكيد، لم يقرأ أيضا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية، لم يقرأ هذا ولا ذاك، قبل أن ينشر فيديو تحت عنوان “بشرى عظيمة لأهل دمياط”، يظهر فيه وهو يعلن، أنه سيبيع اللحم بالتقسيط على خمسين شهرا، في تعليق ليس فريداً من نوعه على حالة الارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع الأساسية، والتي شهدتها مصر عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، قبل ما يقارب العام ..
ورغم عدم معرفة الظلاط بضوابط وقوانين مكافحة المعلومات المضللة، إلا أنه وجد نفسه في مواجهة تلك القوانين متهماً بنشر أخبار كاذبة، وهي التهمة التي يعاقب صاحبها وفق المادة 188 بـ : ” بالحبس مدة لا تجاوز سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، ولا تزيد على عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر بسوء قصد، بإحدى الطرق المتقدم، ذكرها أخبارًا أو بيانات، أو إشاعات كاذبة أو أوراقًا مصطنعة أو مزورة، أو منسوبة كذبًا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام، أو إثارة الفزع بين الناس، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة”.
لم يجد الجزار الساخر، ما يدفع به التهمة عن نفسه الا التأكيد على أنه “كان بيهزر”، وأن ما نشره على حسابه بمواقع التواصل الاجتماعي، كان محض سخرية الهدف منها؛ في الأساس لفت الانتباه، وجذب المزيد من التفاعل.
مصر ليست الدولة الوحيدة التي تؤرقها ظاهرة الأخبار الكاذبة، والمعلومات المضللة، العالم كله بات يعاني من الظاهرة، ويبحث عن حلول، تتفاوت ما بين القانوني والتوعوي.
الظاهرة التي شهدت البشرية صوراُ متعددة منها، ربما منذ فجر التحضر الإنساني، تحولت إلى آفة مؤذية؛ مجتمعياً بالتزامن مع الانتشار الخرافي للإنترنت ومواقع التواصل، والكتائب الإلكترونية التي ينفق عليها أرقاماً هائلة؛ بغرض التأثير في الرأي العام، وربما كان من تجلياتها الكبرى خطاب ترامب الشعبوي عن “تزوير الانتخابات الأمريكية” حال عدم فوزه بها.
الجزار الدمياطي، لم يكن الضحية الأولى، ولا الوحيدة لحملات مكافحة المعلومات المضللة، وزير العدل الألماني، هايكو ماس أزيلت تغريدة له بعد سنوات من نشرها؛ لأنها مخالفة لقانون محاربة الأخبار الكاذبة على الإنترنت الذي شرعته بلاده مؤخراً.
مكافحة الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة بواسطة التشريعات القانونية، مقاربة اعتمدتها عدة دول منها “دول عالم أول” مثل، فرنسا وألمانيا، ومنها دول أخرى، يصنفها الغرب سلطوية أو غير ديموقراطية مثل، روسيا والصين، وبالتأكيد انضمت إليهما دول عربية وإفريقية مثل، مصر ورواندا وكينيا والكاميرون.
هل هناك سبب معقول؛ لتأخذ المعلومات المضللة هذا الحيز من اهتمام الحكومات، والشعوب والمنظمات الدولية والحقوقية كل في اتجاهه؟..الحقيقة نعم، فالمسألة ليست “هزار ” الجزار الدمياطي، أو حتى خطاب الكراهية في تغريدات فلان أوعلان.
المعلومات المضللة باتت عنواناً على الزمن الذي نحياه، والذي اختار له بعض الباحثين وصف “عالم ما بعد الحقيقة”، وكان لهذا النوع من الأخبار والمعلومات تأُثير كبير في أحداث مفصلية تاريخياً مثل، الانتخابات الأمريكية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
خطورة الأمر متفق عليها، لكن عند مواجهتها تتعدد الأساليب المتبعة، والحدود المرعية، وحتى التعريف الدقيق، لما يمكن اعتباره “معلومات مضللة” جديرة بالمكافحة، وبين ما هو رأي أو اتجاه سياسي، أو حتى سخرية ومزاح، هذا التعريف لا يمكن القول، إن الجميع اتفق عليه تماماً، خصوصاً من يضعون لنية القائل، وغرضه اعتباراً اساسياً عند التصنيف.
الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، تشكل خطراً حقيقياً على حق المواطن في التماسك المجتمعي، والثقة بالنظام السياسي، واستقرار الوضع الاقتصادي، فقد تقود الناخب لاختيار غير سليم، وقد تلعب دوراً في تشويه إنسان، أو طائفة دينية أو أقلية عرقية، بل أنها قد تحرم الإنسان من حقه في نيل الرعاية الطبية والصحية.
لكن الاكتفاء بمواجهتها بالتشريعات القانونية، والاستخدام غير المتكافئ لهذه التشريعات أحيانا، وإغفال الجانب التوعوي، ودور أجهزة الدولة في تصحيح هذه الأخبار والمعلومات، كل هذا قد يؤدي؛ لانتهاك الحقوق الأساسية للإنسان، وهو ما يعني ضرورة البحث عن معادلة مكافحة المعلومات المضللة، دونما الإساءة أو الانتقاص أو انتهاك حقوق الإنسان.
في الورقة البحثية التي أعدها الباحث “ماريو ميخائيل”، وتنشرها منصة “مصر 360” رؤية وافية لظاهرة الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، وأساليب التعامل معها، ورصد لما مورس من انتهاكات تحت مظلة مكافحتها، ورصد لحالات التضليل والتضليل المضاد، وتوصيات بعلاج الخلل التشريعي، وكذا التأكيد على أهمية إطلاق حملات توعوية، تتعاون فيها الأجهزة الحكومية مع وسائل الإعلام، ومنظمات المجتمع المدني.