فورين أفيرز – ماثيو دوس ونانسي عقيل
إصلاح السياسات الأمريكية يمكن من صناعة سلام دائم
في تحليل لدورية فورين أفيرز الأمريكية الأشهر، وتحت هذا العنوان، نشر الكاتبان الأمريكيان ماثيو دوس ونانسي عقيل، مقالا عن الحرب في غزة والهدن المعلنة، خلصا فيه إلى أن المدخل الأساس والأول لمعالجة ما جرى في الحرب وما قبلها يتوقف على رغبة وإرادة الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن في انتهاج سياسات إصلاحية تُقَوم ما اعوج من سياسات قائمة على منح إسرائيل تأييدا غير مشروط، دون أن يغفل هذا الإصلاح الأمريكي -كما رأى الكاتبان- حقيقة أن “الإسرائيليون والفلسطينيون هم وحدهم القادرون على التوصل إلى حل شامل للصراع”.
يقول التحليل: شهدت الأيام القليلة الماضية، أول أخبار إيجابية تأتينا من غزة، منذ وقت طويل، ففي إطار الهدنة التي تمت بوساطة أمريكية، والتي بدأت يوم الجمعة الماضي وتنتهي غداً، أطلقت حماس سراح العشرات من بين أكثر من 200 شخص، احتجزتهم كرهائن، أثناء هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر، ومن بين المفرج عنهم العديد من الأطفال الذين أسرهم التنظيم.
ومن جانبها، أطلقت إسرائيل سراح 150 سجيناً فلسطينياً، وأوقفت قصفها لغزة مؤقتاً، وسمحت بدخول المزيد من الإمدادات الإنسانية إلى القطاع، الأمر الذي وفر استراحة قصيرة لملايين المدنيين هناك الذين عانوا بشدة لأسابيع عديدة.
اتفاق وقف إطلاق النار يترك الباب مفتوحاً أمام احتمالية تمديده، وهي الغاية التي قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمس إن إدارته تعمل عليها.
والآن، يتعين على إدارة بايدن، أن توضح لماذا يعتبر هذا التمديد في مصلحة الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، فضلاً عن مصالح الولايات المتحدة وشركائها الدوليين؟
صحيح أن تمديد وقف إطلاق النار من شأنه، أن يسهل عودة المزيد من الرهائن الإسرائيليين، ويقلل من خطر تفاقم الكارثة الإنسانية بين المدنيين في غزة. ويمكن أن يساعد أيضًا في تهدئة التوترات في الضفة الغربية، وتقليل خطر تصعيد الحرب من خلال استقطاب جهات فاعلة خارجية مثل، جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة وراعيتها إيران.
مجرد خطوة أولى
لكن تمديد وقف إطلاق النار يجب أن يكون مجرد خطوة أولى في عملية أكبر، تتطلب دبلوماسية إقليمية مكثفة تدعمها الولايات المتحدة، وإصلاح شامل للسياسة الأمريكية.
عندما تولى بايدن منصبه في عام 2021، كان مصمماً على عدم إضاعة وقته وطاقته في جهود عقيمة؛ لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولكن الحرب في غزة أظهرت، أن هذه القضية لا يمكن تجاهلها.
للوفاء بتصريح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 8 نوفمبر، بأنه لا يمكن العودة إلى حالة الهدوء السابقة، وأنه يجب على الولايات المتحدة تغيير نهجها العام، والتعهد بعملية دبلوماسية شاملة، يمكنها أخيرًا حل النزاع، وتقديم الأولوية لحقوق وكرامة الشعوب في المنطقة.
لقد تضررت سمعة الولايات المتحدة، ومصداقيتها على المستوى العالمي بشدة؛ بسبب دعمها غير المشروط للحملة العسكرية الإسرائيلية المدمرة في غزة، لكنها تظل الدولة الوحيدة التي تتمتع بالعلاقات، والنفوذ اللازمين؛ لتأمين تمديد وقف إطلاق النار، وتسهيل عملية قد تؤدي بعد طول انتظار، إلى اتفاق؛ لإنهاء الصراع.
إذا استمر وقف إطلاق النار الممدد فقد يمهد الطريق نحو حل؛ لأزمة الحرب الحالية، لكن أي اتفاق يجب أن ينهي حصار إسرائيل، وسجنها الوظيفي للمدنيين الفلسطينيين في غزة، ويجب أيضاً أن يحرم حماس من القدرة على شن هجمات على إسرائيل.
الهدف الذي أعلنت عنه حكومة إسرائيل لـ “إنهاء حماس” مفهوم في ظل الفظائع التي ارتكبتها الحركة في 7 أكتوبر، ولكنه غير واقعي، ستظل حماس كحركة سياسية، ما دام استمر إنكار حقوق الفلسطينيين.
لا يمكن “إنهاء” حماس، ولكن يمكن جعلها غير ذات أهمية عن طريق التعامل مع الغضب، واليأس الذي تتغذى عليه.
وأخيرًا، ينبغي أن يتضمن أي حل عادل التصدي؛ لوقوع ضحايا من المدنيين على كلا الجانبين. قد دعمت الولايات المتحدة التحقيق الذي تقوم به المحكمة الجنائية الدولية في الفظائع الروسية في أوكرانيا، ويجب على واشنطن القيام بالشيء نفسه في إسرائيل والمناطق الفلسطينية.
إطالة وقف إطلاق النار توفر لواشنطن فرصة جدية؛ لاستخدام الدبلوماسية في حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني بمفهومه الأوسع بطريقة عادلة، ولكن للقيام بذلك، يجب على إدارة بايدن أن تنفصل بشكل صريح عن رؤية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لاتفاقات التطبيع الثنائي التدريجي- المعروفة باسم اتفاقيات إبراهام- بين إسرائيل والدكتاتوريات العربية والإسلامية.
وبعيدًا عن إحلال دائم للسلام، فإن النهج الذي تبناه بايدن بعد فترة وجيزة من توليه منصبه، يوفر فقط غطاءً؛ للسيطرة الإسرائيلية الدائمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة وحرمان الفلسطينيين من الحقوق الوطنية، والسياسية والإنسانية الأساسية، في انتهاك للقانون الدولي.
يتضمن نموذج ترامب ونتنياهو، قيام واشنطن برشوة الأنظمة الاستبدادية؛ للاعتراف بإسرائيل من خلال وعود بالأسلحة الأمريكية، والضمانات الأمنية. ولكن مبادرة “الأسلحة مقابل السلام” تلك كانت فاشلة، فقد أدت إلى زيادة عسكرة المنطقة، بدلا من أن تؤدي إلى زيادة الاستقرار، وهو ما أظهرته الحرب في غزة.
وعلى نطاق أوسع، يتعين على الولايات المتحدة أيضاً، أن تتخلى عن سياستها الفاشلة المتمثلة في تسهيل المفاوضات الثنائية المباشرة بين أطراف، تعاني من خلل هائل في توازن القوة العسكرية والدبلوماسية.
وبدلاً من ذلك، يجب على واشنطن، أن تعقد اجتماعاً فورياً للأطراف التي اجتمعت في فبراير؛ لمناقشة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأصدرت، ما يسمى ببيان العقبة، وهي مصر وإسرائيل والأردن والولايات المتحدة وممثلو الأمم المتحدة، ومنظمة التحرير الفلسطينية، هذا في حال صمد تمديد اتفاق وقف إطلاق النار.
وهذه المرة تجب دعوة تركيا وقطر– الشريكان الأمنيان للولايات المتحدة اللذان يحتفظان بقنوات مفتوحة مع إيران وحماس– أيضاً.
الهدف ينبغي أن يكون تأمين حل شامل؛ للنزاع وفقًا للقانون الدولي، وذلك يشمل التطبيع الشامل، والاعتراف بالحقوق الوطنية للإسرائيليين والفلسطينيين مع ضمان أمانهم ورفاهيتهم.
مرجعيات
يمكن للمشاركين، أن يقترحوا نماذج مرجعية مختلفة، إحدى تلك المرجعيات المحتملة هي، مبادرة السلام العربية، التي اقترحت الاعتراف العربي الكامل بإسرائيل، مقابل إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967، وحلا عادلاً لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وإقامة دولة فلسطينية. نموذج آخر محتمل هو ترتيب كونفيدرالي إسرائيلي- فلسطيني، كما اقترحت مؤخرًا مجموعة الأرض من أجل الجميع الإسرائيلية، والتي تسعى للتعامل مع الشكوك المشروعة بشأن؛ إمكانية الانفصال الكامل.
أيا كانت الصيغة التي يُتفق عليها، يجب أن تواجه الواقع الأساسي، وهو أن الاحتلال الإسرائيلي الدائم، وضم الأراضي الفلسطينية هو غير قانوني وفقًا للقانون الدولي.
الفشل في مواجهة جهود إسرائيل للسيطرة الدائمة، وغير الديمقراطية في هذه الأراضي، يعني أن أي جهد دبلوماسي؛ لحل النزاع، سيكون بلا جدوى، وسيزيد من العنف.
يجب أن تتضمن الصيغة العادلة للحل أيضًا، ضمان حقوق الفلسطينيين في جميع المناطق، غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، فأي نهج يبقي غزة منفصلة، سيفشل؛ لأنها جزء لا يتجزأ من الأمة الفلسطينية.
إضافة إلى قيادة الدبلوماسية الإقليمية، يتعين على واشنطن، أن تعيد توجيه سياساتها الخاصة، ولا تكتفي بمجرد انتقاد التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، واتخاذ خطوات ملموسة لإنهائه.
إن غياب أي مواجهة للتوسع الاستيطاني المستمر والعدواني الذي تقوم به إسرائيل، قد أدى إلى تعزيز الجناح اليميني المتطرف المؤيد للاستيطان. يجب على واشنطن، أن تعيد تبني التوجيه القانوني، أن المستوطنات تتعارض مع القانون الدولي.
إن القيام بهذا من شأنه، أن يعيد التأكيد على نظام دولي قائم على القواعد بشكل حقيقي من خلال جعل الولايات المتحدة، تتماشى مع الإجماع القانوني الدولي الساحق المتجسد في اتفاقيات جنيف، والتي توضح أن القوى المحتلة لا يجوز لها نقل سكانها إلى الأراضي التي تحتلها عسكريا.
يعد إعلان إدارة بايدن الأخير، أنها تدرس فرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين المتورطين في هجمات، ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة علامة مشجعة، على أن واشنطن بدأت أخيرًا تأخذ هذه المشكلة الطويلة الأمد على محمل الجد.
ويجب على الولايات المتحدة أيضًا التوقف عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن؛ لحماية إسرائيل من الانتقادات الدقيقة، والمناسبة لأنشطتها المتعلقة بالاستيطان والضم.
يجب على واشنطن ألا تسمح بعد الآن لإسرائيل، أو أي دولة أخرى باستخدام الأسلحة المشتراة من الولايات المتحدة، أو الممولة من المساعدات الأمريكية؛ لانتهاك القانون الإنساني الدولي- كما فعلت إسرائيل على الأرجح خلال حرب غزة- أو لأي أغراض يحظرها القانون الأمريكي.
ومن خلال تطبيق القوانين الأمريكية الحالية، بما في ذلك تلك التي تحظر مساعدة القوات العسكرية التي لديها سجل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، يمكن لإدارة بايدن تحفيز سلوك إسرائيلي أفضل، والوفاء بتعهد بايدن بوضع حقوق الإنسان في قلب السياسة الخارجية الأمريكية.
يجب على واشنطن أيضا،ً أن تدعم عملية ديمقراطية من شأنها خلق قيادة فلسطينية شرعية، قيادة يمكنها تقديم التزامات ذات مصداقية نيابة عن الشعب الفلسطيني.
لنكن واضحين، لا تملك الولايات المتحدة الحق ولا القدرة على تقرير، من يجب أن يقود الفلسطينيين، والواقع أن افتراض إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، أنها تمتلك هذا الحق أدى بشكل مباشر إلى سيطرة حماس على غزة في العام 2007.
إلا أن الولايات المتحدة قادرة على دعم القادة الفلسطينيين الذين يريدون السلام مع إسرائيل من خلال إظهار، أن اللا عنف والدبلوماسية يقدمان الحل الأمثل، ويمهدان طريقا أفضل؛ لتحرير الشعب الفلسطيني من العنف الإرهابي.
يمكن للولايات المتحدة تعزيز شرعية هؤلاء القادة عن طريق رفع مستوى العلاقات الثنائية مع منظمة التحرير الفلسطينية (التي اعترفت بإسرائيل في العام 1993)، وإنهاء تصنيف السلطة التشريعية الأمريكية لمنظمة التحرير الفلسطينية، كمنظمة إرهابية، وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس لخدمة الفلسطينيين.
في الوقت نفسه، يجب على واشنطن العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين؛ لإنشاء برنامج كبير لدعم الاقتصاد، يعود بالنفع على الشعب الفلسطيني.
ويجب على الولايات المتحدة أيضًا، أن تتوقف عن عرقلة المنظمات الدولية، وتثبيط الدول الأخرى عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
مسئولية الطرفين المعنيين
الإسرائيليون والفلسطينيون هم وحدهم القادرون على التوصل إلى حل شامل للصراع، لذا يجب أن يتمتع الفلسطينيون بحقهم في السعي للحصول على الاعتراف بدولتهم من المنظمات الدولية والحكومات الأجنبية، وإلزام الفلسطينيين أنفسهم بالتزامات الدولة، والانضمام إلى المعاهدات التي تتطلب سلوكًا مسئولًا، هو طريقة غير عنيفة للقيام بذلك، وهي طريقة تتوافق مع القانون الدولي، ويجب الإشادة بها، وليس تثبيطها أو معاقبتها.
ولذلك ينبغي على الولايات المتحدة، أن تتوقف عن نزع الشرعية عن تلك الجهود، وأن ترحب بها بدلاً من ذلك، باعتبارها مفيدة لاحتمالات التوصل إلى حل سلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
كان بايدن مؤيدًا قويًا لإسرائيل طوال مسيرته السياسية، وبنى مصداقية هائلة بين الشعب الإسرائيلي من خلال تقديمه لدعم قوي لبلادهم منذ 7 أكتوبر، الآن حان الوقت؛ ليستخدم بايدن تلك المصداقية لدفع الحكومة الإسرائيلية في الاتجاه الصحيح، يمكنه بسهولة التأكيد، على أن هذه الخطوات لا تتعارض مع دعمه المعلن؛ لأمان إسرائيل على المدى الطويل؛ في الواقع، ستكون تحقيقًا لذلك الوعد.
عانت غزة من عدة حروب منذ عام 2007، وفي كل مرة يتكرر النمط، بضعة أسابيع يتفق فيها الجميع على ضرورة التعامل مع الأزمة الأساسية، ثم ينسى الجميع. الكارثة التي تتكشف الآن، هي نتيجة لهذا النمط.
من الصعب تصور، أن يأتي أي شيء جيد من الرعب والدمار الذي شهدناه الشهرين الماضيين، ولكن التزامًا أمريكيًا بعملية دبلوماسية مستدامة ترتكز على القانون الدولي، سيكون قفزة ضخمة نحو مستقبل آمن وسلمي لكلا الشعبين.
ــ ماثيو دوس: نائب الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الدولية، ومن عام 2017 إلى عام 2022، كان مستشارًا للسياسة الخارجية للسيناتور الأمريكي بيرني ساندرز من ولاية فيرمونت.
ــ نانسي عقيل: الرئيس والمدير التنفيذي لمركز السياسة الدولية