المشاركة في الشأن العام، هو ذلك الحق الذي بمقتضاه، يساهم المواطنون بشكل أو بآخر في إدارة شؤون بلادهم في كافة أمور الحياة السياسية العامة، ويمثل حق المشاركة في الحياة السياسية والعامة عنصراً مهماً في تمكين الأفراد والجماعات، وهو أساسي للقضاء على التهميش والتمييز. ولا تنفصل حقوق المشاركة عن حقوق الإنسان الأخرى مثل، الحق في التجمع السلمي، وتكوين الجمعيات، والحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في التعليم والحق في الحصول على المعلومات.
وقد عبرت عنه اللجنة المعنية بالحقوق السياسية في تعليقها رقم 25، بأن إدارة الشؤون العامة المشار إليه هو مفهوم واسع، يتعلق بممارسة السلطة السياسية، وعلى وجه الخصوص السلطات التشريعية والتنفيذية والإدارية؛ وهو يشمل شتى أوجه الإدارة العامة، كما يخص تحديد وتنفيذ السياسة العامة التي ستتبع على الأصعدة الدولية والوطنية والإقليمية والمحلية. ويجب أن تحدد في الدستور والقوانين الأخرى، كيفية توزيع السلطات، والوسائل التي ستتاح للمواطنين الأفراد؛ كي يمارسوا حقهم المحمي في المادة 25 في المشاركة في الشؤون العامة. كما أنه يجب، أن يشارك المواطنون مباشرة في إدارة الشؤون العامة، عندما يمارسون السلطة بوصفهم أعضاء الهيئات التشريعية، أو بشغل مناصب تنفيذية، ويشارك المواطنون في إدارة الشؤون العامة بصفة مباشرة أيضا، عندما يختارون دستورهم أو يعدلونه، أو يبتون في مسائل عامة عن طريق الاستفتاءات الشعبية، أو غيرها من الإجراءات الانتخابية التي تجري في البلاد، ويجوز للمواطنين، أن يشاركوا مباشرة بانضمامهم إلى المجالس الشعبية المخولة بسلطة اتخاذ القرارات في المسائل المحلية، أو في شؤون جماعة معينة، وبانتسابهم إلى هيئات، تنشأ بالتشاور مع الحكومة؛ لتمثيل المواطنين. ويجب، حيثما أقرت المساهمة المباشرة للمواطنين، ألا يميزوا بين المواطنين، وألا تفرض عليهم قيود غير معقولة.
وإذ أن مساهمة الفرد في الحياة السياسية يعني انتهاجا للأسلوب الديمقراطي في الحكم، وعدم مساهمته دليل على استبدادية نظام الحكم فيها، ولقد اتخذت هذه المساهمة عمليا صورتين، الأولى، تتعلق بحق المواطن في الانتخاب والترشيح لعضوية المجالس النيابية أو التشريعية عند استيفائه الشروط القانونية، والثانية، بحقه في الإدلاء برأيه في الاستفتاءات العامة السياسية، وغير السياسية المتعلقة بشتى مجالات الخدمة العامة. وفي هذا المجال نـص الإعلان العالمـي لحقـوق الإنسـان على حـق كل شخص في ( الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده، أما مباشرة وأما بواسطة ممثلين، يختارون اختيارا حرا، وقد نص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على ( حق كل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز، أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة، وإما بواسطة ممثلين، يختارون في حرية )، وهذا جميعه يستند في أصله إلى أساس دستوري، أسس له الدستور المصري منذ تاريخ طويل، وقد خصص باباً كاملاً للحقوق والحريات العمة التي يشملها الشأن العام، والمشاركة السياسية وتولي المناصب العامة.
وإذا كان الشأن العام لا بد له من مجال عام، يتواجد خلاله، ويدور في فلكه، حيث يشكل مفهوم المجال العام المساحة التجريدية التي يتناقش من خلالها المواطنون والجماعات المجتمعية المتباينة، ويتجادلون حول مختلف القضايا والاهتمامات العامة، ووفقاً لهذه الرؤية، فإن المجال العام يفترض وجود مناقشات مفتوحة لكل الاهتمامات العامة التي يمكن من خلالها، أن يوظف الجدل المنطقي؛ للتأكد من تحقيق المصالح العامة، فالمجال العام يحث على حرية التعبير والحوار والمناقشة، ويُؤكد على حق المشاركة في صُنع القرار السياسي في المجتمع، ويشجع المهمشين على الانخراط في الحوار العام حول مختلف القضايا والموضوعات، ويمكننا القول، إن فكرة المجال العام تهدُف إلى إتاحة مساحة من الحرية، تحترم حقوق الأفراد، وتزيد من قوة المجتمع؛ لأن الاتصال الذي يحدث في المجال العام، يخلو من الإكراه المؤسسي، كما أن الحوار الذي يتم خلاله، يمكن أن يُؤسس لخطاب ديمقراطي، ويشكل الحوار وسيلة؛ للحفاظ على تحقيق التفاهم، وتقريب بين الرؤى والإقناع بضرورة تعديل التصورات الخاطئة، كما تكمن أهمية الحوار في السماح لجميع الأطراف بطرح كل أفكارهم، التواضع واحترام الآخر، والاستماع الجيد وعدم المقاطعة للآخرين، وتهيئة المناخ لحوار هادئ.
وأعتقد، وهذا ما يحتاجه المجتمع المصري بشدة في ظل ضبابية مسيطرة على الساحات المختلفة، تبعدنا عن تثمين أهمية ودور الحوار المجتمعي، وأهمية جعل مساحة المجال العام في تزايد واتساع مستمر، وقادرة على استيعاب كل الأطياف، وقبول كافة الاختلافات الفكرية والمنهجية، وهذا ما يتوافق مع مفاهيم رئيسية؛ لنمو وتطور المجتمع، في أمة تسعى إلى التواجد في الساحة الدولية بشكل أكثر فاعلية، وبصورة أكثر إشراقاً، إذ أنه من البديهي في ظل التطورات العالمية التي تتلاحق بسرعة، أن تكون هناك محاولات؛ لفرض هيمنة فكرية، وتحقيق تواجد لنموذج فكري معين، ولن تستطيع أي دولة مجابهة ذلك الأمر، إلا من خلال إثراء لمفهوم الحوار البناء، وتحقيق نموذجي لمفهوم المجال العام.
ولما كان المجتمع المصري قد بدأ في مسار الانتخابات الرئاسية، والتي سوف يعقبها انتخابات مجلس النواب، وأيضا انتخابات مجلس الشيوخ المصري، فأرى، أن هذه الأفكار، وإن بدت في شكلها الأولي، بأنها غمار نظري فقهي، فإن ذلك لا يعني، أنها مجرد نظريات فلسفية أو أطر مثالية، بل يجب أن تكون هي الأساس الحاكم لمفهوم المواطنة، بما تتضمنه من حقوق لكافة المواطنين، لا بد من ممارستها بشكل عام ومتساو، وعادل بين الجميع، بما يضمن المشاركة العامة والمساهمة الفعالة، ولا يمكن اختصار أو اختزال هذه المجموعة من الحقوق، على ما تمليه السلطة من قرارات، أو تحاول سعياً إلى فرضه عن طريق حزب معين، تهيمن على مجرياته وأغلبيته، بما يحقق لها رؤية فردية تمليها على المجال العام، والشأن السياسي بأكمله، فتصبح الصورة مجرد رؤية فردية لا تقبل التعليق أو الانتقاص من قدرها، وهذا ما يخل بالأساس العام لمفهوم الديمقراطية العاملة، التي يجب أن يؤسس لها كل حكم، ويسعى إليها كل نظام سياسي، بما يشمل كافة الأطياف السياسية مؤيدة ومعارضة، ويحقق معه مفهوم القبول المجتمعي والاختلاف الحزبي.
وبغير تفعيل لهذه الحقوق جميعها فلا حياة سياسية ولا شأن عام، ولا ضمان لمجال عام تحقق فيه الرؤى المجتمعية، وتبعد فيه الرؤية الفردية والنظام الأوحد الذي لا ينتج سوى المزيد من الديكتاتورية، وهذا الأمر، وبحسبه، لا يتفق مع ما أقرته المواثيق والاتفاقيات الحقوقية، وأفرد له الدستور المصري باباً كاملاً يسمى باب الحقوق والحريات.