تعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي في 21 ديسمبر الجاري، آخر اجتماعاتها للعام الحالي.
يأتي الاجتماع، وسط حالة ترقب بالسوق في ظل عودة الحديث عن برنامج تمويل جديد مع مصر، يتضمن بعض الاشتراطات، بينها تشديد “السياسة النقدية”.
بحسب جولي كوزاك، مديرة إدارة الاتصالات بصندوق النقد الدولي، فإنه إلى جانب تشديد السياسة النقدية، والمالية، هناك أيضا الحاجة إلى سعر صرف مرن، يدعم الجهود الرامية؛ لإبطاء وتيرة ارتفاع الأسعار، والانتقال إلى استهداف التضخم، وهو ما يحتل جزءًا من المناقشات الجارية بين خبراء الصندوق والحكومة.
تشديد السياسة النقدية، المعني بها البنك المركزي، يرتبط برفع أسعار الفائدة، ما يغري المواطنين؛ للادخار ووضع أموالهم بالبنوك، ما يترتب عليه انخفاض الطلب على السلع، فتقل أسعارها.
أما تشديد السياسة المالية التي تتولاها وزارة المالية، فترتبط باستخدام الضرائب والرسوم وترشيد الإنفاق العام؛ لتقليص الطلب أيضًا.
تعهدت لجنة السياسة النقدية، في اجتماعها الأخير، باستخدام جميع أدواتها المتاحة؛ للحفاظ على الأوضاع النقدية التقييدية؛ بهدف تحقيق معدلات التضخم المستهدفة، والبالغة (%7 ± 2) في المتوسط خلال الربع الأخير من 2024.
لكن المعدل السنوي للتضخم العام سجل 34.6 % في نوفمبر 2023، مقابل 35.8% في أكتوبر 2023، بحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر في 10 ديسمبر الحالي.
ويبلغ سعرا، أي سعر عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي، حاليًا، مستوى %19.25 و%20.25 و%19.75 على الترتيب، كما تم الإبقاء على سعر الائتمان، والخصم عند مستوى %19.7.
بنوك: التوقعات بين الارتفاع والتثبيت
تباينت توقعات بنوك الاستثمار إزاء القرار المرتقب من قبل البنك المركزي، وضعت المجموعة المالية «إى إف جى هيرميس»، وهي أكبر بنك استثمار بالسوق المحلية احتمال، أن يحرك البنك المركزي سعر الفائدة بين 200 و300 نقطة أساس.
وعزت “هيرمس”، توقعاتها، إلى أن تشديد السياسة النقدية في ظل معدلات التضخم المتوقعة على مدار الأشهر المقبلة، سيدفع سعر «الكوريدور»؛ للاقتراب من الفائدة الحقيقية، بالإضافة إلى منح «المركزي» مزيدًا من الوقت لتقييم الموقف.
الكوريدور هو سعر الفائدة لليلة واحدة، هو نطام استحدثه البنك المركزي في يونيو عام 2005، ويرتبط بتحديد سعرين للفائدة في ليلة واحدة في تعامل المركزي مع البنوك الأخرى، أحدهما للإيداع وآخر للإقراض.
في المقابل، توقع قسم البحوث ببنك الاستثمار إبقاء البنك المركزي على أسعار الفائدة عند المعدلات الحالية؛ بسبب استمرار تباطؤ التضخم للشهر الثاني على التوالي، وعدم وجود ما يستدعي حاليا رفع الفائدة.
موضحا أنه في حال اتخاذ البنك المركزي قرار بتحرير سعر الصرف الربع الأول من العام المقبل، يتبعه بالتأكيد رفع لأسعار الفائدة.
يتقاطع هذا الاحتمال، مع رأى بنك استثمار “إتش سي للأوراق المالية والاستثمار”؛ فالضغوط التضخمية مدفوعة بالأساس من قوى العرض (نقص المعروض من السلع؛ بسبب قلة الاستيراد وليس الطلب) وبالتالي، فإن أي محاولة لامتصاص السيولة عبر استخدام زيادة أسعار الفائدة، كآلية، غير وارد في الوقت الراهن.
خبراء: التوقعات تميل ناحية الرفع
على مستوى الخبراء، كانت الآراء تميل ناحية الرفع؛ فالخبير المالي وائل عنبة، اكتفى بالتأكيد، على أن الاجتماع القادم للبنك المركزي سيشهد رفع سعر الفائدة، لكنه سيتضمن أيضًا إصدار شهادة بسعر فائدة عالٍ جدًا، ومدتها سنة.
ترتبط توقعات عنبة باستحقاق جزئي لشهادات الادخار ذات العائد المرتفع البالغ 25 %، والتي أصدرتها البنوك المصرية العامة “الأهلي المصري”، و”مصر”، و”القاهره” خلال يناير المقبل، والتي ستضخ سيولة بالمليارات في يد حائزيها ، ما يتطلب شهادات أعلى؛ لمنع تأثير تلك السيولة على التضخم.
كان بنكا الأهلي ومصر قد جمعا حصيلة مدخرات بقيمة 460 مليار جنيه، نظير الاكتتاب في شهادات الادخار ذات العائد 22.5 % للفائدة الشهرية و25% للفائدة السنوية، والتي تم إصدارها في يناير 2022، بينما لم يعلن بنك القاهرة عن حصيلته منها، خاصة أنه طرحها لمدة أسبوعين فقط.
يرجح الخبير الاقتصادي محمد الدشناوي، توقعه برفع أسعار الفائدة إلى الوضع الاقتصادي المرتبك، بسبب سعر الصرف والتضخم الكبير المستمر.
ورغم التضخم، الذى اقترب من 35 % سنويا، تستمر سياسة تثبيت الفائدة من قبل البنك المركزي عند مستوي 19.25%.
من وجهة نظر الدشناوي، كان الهدف المحافظة على معدلات النمو، ومواجهة زيادة نسبة البطالة، وهذا منطقي لفترة محددة وغير منطقي بصفة مستمرة.
أضاف أن الوضع الحالي يجهض دعم النمو على المدى الطويل؛ بسبب إحجام الاستثمارات الداخلية والخارجية عن التدفق؛ لعدم استقرار سعر العملة.
وأشار إلى أن البنك يستهدف أيضًا تشجيع المستثمرين الأجانب بتدفق أموالهم، واستثماراتهم إلى السوق المصري، بعدما يتم خلق استقرار وأسواق مفتوحة على الاقتصادات العالمية، ومواجهة الدولرة ومضاربي الذهب، بالإضافة إلى مضاربي السلع الرئيسية، وكذلك مواجهة الوضع الاقتصادي العالمي المتشدد، بالإضافة إلى المنافسين من الدول الناشئة التي رفعت أسعار فوائدها لمستويات، يصعب منافستها، ومنها تركيا والأرجنتين.
هل نحتاج لشهادات فائدة مرتفعة العائد؟
الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، يرى أنه لا بديل عن مزيد من الرفع في أسعار الفائدة، أو إصدار أوعية ادخارية بأسعار فائدة استثنائية (شهادات ادخار بأسعار فائدة، لا تقل عن 25 % مثلا) في الأجل القصير، ولحين هدوء انفلات معدلات التضخم.
يضرب نافع المثل، بتركيا التي عاند فيها بنكها المركزي اتخاذ أي قرار بالتشديد، قبل أن يقوم المحافظ الجديد للبنك بعكس ذلك التوجه بحدة شديدة، حتى بلغت الفائدة بالبلاد 40 %.
لكن نافع يطالب في الوقت ذاته بإجراءات أخرى؛ لتخطي مخاطر التشديد النقدي منها، إتاحة بدائل؛ لتمويل المشروعات الإنتاجية (الزراعية والصناعية على وجه الخصوص) بتسهيلات وأسعار فائدة، وفترات سماح جاذبة للاستثمار، بغرض معادلة الأثر السلبي لأسعار الفائدة المرتفعة على الإقراض.
وطالب الدولة أيضًا بضبط الأسواق؛ لمنع الممارسات الاحتكارية، وتشديد العقوبة عليها، ومنع الدولرة أو استخدام العملة الصعبة؛ لإتمام أي نوع من الصفقات داخل مصر، والبدء فورا في تطبيق آلية استقرار الأسعار لمنتجات الطاقة، والسلع الاستراتيجية عبر عقود التحوط المستقبلية، وذلك بالاستعانة بالبنوك العالمية المتخصصة.
يدعو نافع أيضًا إلى تحفيز الاستثمار الخاص، وهو يتطلب تخارج الدولة من النشاط الاقتصادي الذي يمكن، أن يقوم به القطاع الخاص المصري، والأجنبي مع بقاء الدولة في الأنشطة التي يعزف المستثمر الخاص عن ضخ الأموال فيها، وبعض المجالات المحدودة والمحددة حصرا التي تتمتع بخواص استراتيجية استثنائية.