نشرت بعض الصحف العربية والإسرائيلية أول أمس تفاصيل المبادرة المصرية؛ لوقف إطلاق النار في غزة، وتناقلت جانبا من مضمونها عدد من الفضائيات العربية، وبعض القنوات الإسرائيلية، وتضمنت ثلاث مراحل تؤدي إلى وقف كامل لإطلاق النار، وتشكيل حكومة تكنوقراط، دون أن تطرح مسارا للتسوية السياسية الذي بات يخص العالم كله، وليس فقط مصر، والمنوط به إلزام إسرائيل بحل الدولتين، واحترام قرارات الشرعية الدولية.
وقد تضمنت المبادرة مجموعة من النقاط أبرزها، التفاهم على هدنة تتراوح بين أسبوعين وثلاثة أسابيع، سيتم خلالها إطلاق سراح حوالي 40 أسيرا لدى حماس من النساء والأطفال، ورجال تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، أو من يعانون من أمراض وإصابات خطيرة.
أما المرحلة الثانية، فهي تنص على وقف كامل لإطلاق النار، دون سقف زمني، يتم خلاله إجراء مفاوضات حول إطلاق سراح جميع المختطفين، مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى المسجونين في إسرائيل.
وقد أثارت هذه النقطة تحفظ الجانب الإسرائيلي الذي اعتبر، أنه لا يمكن وقف إطلاق النار، دون تفكيك قدرات حماس العسكرية، وهزيمتها في المعارك الدائرة، بجانب تصفية قادتها العسكريين والقضاء عليهم.
ورغم أن إسرائيل لا زالت تعلن، أن المطلوب بالاسم هو تصفية يحيى السنوار ومحمد الضيف ومروان عيسى، بجانب باقي قادة الصف الأول من حركة حماس، إلا أنها تفاوضت في السر على إخراجهم من قطاع غزة، في حال أفرجت حماس عن كل الأسرى المحتجزين لديها، كما أعلنت أيضا استعداداها للإفراج عن جانب كبير من الفلسطينيين المحبوسين في السجون الإسرائيلية، بما فيهم من أدانتهم المحاكم الإسرائيلية في قضايا وصفتها بالإرهاب.
أما المرحلة الثالثة التي أثارت تحفظ الجميع بما فيها إسرائيل، فطالبت بانسحاب إسرائيل بشكل كامل من غزة، وتشكيل حكومة خبراء، على الرغم من أنها لن تضم حماس، إلا أنها ستسمح لقيادتها ومقاتليها بالبقاء في القطاع، حتى لو لم يكونوا رسميًا جزءًا من السلطة.
وهذا أمر رفضته إسرائيل، لأنه كما أشارت بعض الصحف الإسرائيلية لن يسمح بتفكيك البنية التحتية العسكرية لحماس في قطاع غزة (الأنفاق، وقاذفات الهاون، والأسلحة، ووسائل إنتاج الصواريخ والأسلحة)، وأن قيادة حماس التي ستبقى في القطاع ستكون قادرة على استعادة كل هذه الأمور في وقت قصير، بينما من سيكون فوق الأرض، كما ذكرت المصادر الإسرائيلية هو حكومة من الخبراء التكنوقراط الفلسطينيين، تدير القطاع، وقد تعتني بالسكان، ولكنها لن تستطيع مواجهة حماس.
الأمر اللافت، أن جميع الأطراف لم ترفض المبادرة المصرية، ولم تقبلها، إنما تحفظت على بعض بنودها؛ فالجانب الإسرائيلي أعلن وفق ما جاء في صحيفة “يديعوت أحرنوت”، إنه لا يجوز لإسرائيل، أن تقول “لا” للخطة المصرية لعدة أسباب، أهمها، أنها تبادر إلى تحرك من شأنه كسر الجمود، فيما يتعلق بالمحتجزين الإسرائيليين لدى حماس، كما أنها اعتبرت، أن المفاوضات ستعطي لإسرائيل مزيدا من الوقت للقتال بأساليب أخرى أبطأ، مما سيسمح بتفكيك الغالبية العظمى من البنية التحتية العسكرية لحماس في القطاع، وهو ما سيضمن أمنًا مستقرًا لمستوطنات النقب الغربي، بما في ذلك الحماية من إطلاق النار والصواريخ، وهجمات القنص والتسلل.
الأمر المؤكد، أن الانتقادات التي باتت توجه “لبنيامين نتنياهو” في الداخل الإسرائيلي، جعلت تيارات كثيرة متشددة، تعلن ضرورة مناقشة المبادرة المصرية، أو على الأقل اعتبارها أفكارا قابلة للنقاش؛ لأنها اعتبرت، أن هناك حساسية عالية للرأي العام في إسرائيل تجاه الخسائر التي يتلقاها الجيش الإسرائيلي، وأيضا تجاه الأسرى الذين سقطوا “بنيران صديقة” من القوات والغارات الإسرائيلية، كما أن ما سمته “عناد الحكومة الحالية”، التي باتت أسيرة شعارات بعيدة المنال، تحاول من خلالها، أن تملي على الجيش الإسرائيلي القتال وفق ظروف، ستؤدي في النهاية إلى كارثة إنسانية، وفقدان الشرعية للجيش الإسرائيلي.
أما الجانب الفلسطيني، وخاصة فصائل المقاومة، فقد أبدت تحفظات على أكثر من نقطة أبرزها، الإشارة إلى هدنة مؤقتة لأسبوعين، وهنا اعتبرت حماس، أنه تراجع عن المطلب العربي والدولي (باستثناء أمريكا) الداعي؛ لوقف إطلاق النار، أما المسألة الثانية، والتي تحفظت عليها بشكل أساسي السلطة الفلسطينية، فهي مسألة اختيار حكومة تكنوقراط ولو بشكل مؤقت، وهو ما اعتبرته، ولو في قنوات الحوار الغير العلنية، تدخلا في الشأن الفلسطيني.
ورغم وجاهه هذا الاقتراح (على عكس اقتراحات أخرى، تستحق المراجعة والتنقيح)؛ لأنه فتح الباب لمخرج سياسي مؤقت؛ لحين إجراء انتخابات في الضفة، والقطاع والدخول في مسار سياسي شديد الصعوبة، من أجل الوصول لحل الدولتين، إلا أن حرص السلطة الفلسطينية على عدم مناقشة أي شراكة مع أطراف أخرى، أو تجديد في بنيتها رغم الأزمات التي تعاني منها، وحالة الضعف الشديد التي أصابتها، جعلها ترفض هذه النقطة.
صحيح أن هذا المقترح لم يوضح بشكل قاطع، أن المطلوب هو إدارة مؤقتة لقطاع غزة، والضفة الغربية؛ لضمان إجراء انتخابات، وبالتالي فإن “حكومة التكنوقراط” المقترحة هنا، ليست لحكم القطاع كما تقول أمريكا، إنما هي مجرد “ممر آمن”؛ لإجراء الانتخابات الفلسطينية، وهنا يصبح الأمر مقبولا، وكان يجب صياغتها، وطرحها بهذا الشكل.
أما نقطة الضعف الثانية، فهي طرح هدنة جديدة، وهو أمر أثبت، إنه لم يعد يلبي طموحات الشعب الفلسطيني بعد كل المجازر التي ارتكبت قبل الهدنة الأولى، وبعدها، وإن مطلب وفق إطلاق النار يجب أن يكون هو هدف أي مبادرة جديدة، أو أي تعديل يمكن إجراؤه على المبادرة المصرية التي أعلن الجميع التحفظ عليها، دون أن يرفضوها.