مع ذروة موسم التقديم للمدارس ونقل الطلاب من وإلى المراحل التعليمية المختلفة، تبرز أزمة كبيرة تواجهها بعض الأسر، التي قرر الأب والأم فيها الانفصال، ليجدوا أنفسهم أمام تضارب قانون الولاية التعليمية على الأبناء.
وفقاً لقانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 وفي المادة 54 منه ينص على أن الولاية التعليمية تكون لحاضن الطفل، في حالة طلاق الزوجين، والتي تكون في كثيراً من الأوقات لصالح الأم، ثم أصدرت المحكمة الإدارية العليا حُكما غير قابل للطعن باسترداد الولاية التعليمية للأب غير الحاضن على أبنائه، وأسندت له الحق في ممارسة هذا الحق، على اعتبار أنه هو ولي الأمر.
كان الحكم بمثابة الفتيل الذي مازال مشتعلاً من وقتها وإلى الآن، فظهرت مشاكل عديدة بسبب تضارب الرغبات بين الأمهات والآباء من حيث رغبة كل منهم في إلحاق الطفل بمستوى تعليمي معين، أو إلحاقه بمدرسة بعينها، فلا تستطيع الأم وإن كانت الحاضنة أن تقدم على هذه الخطوة دون موافقة الأب بل وحضوره معها في جميع الإجراءات القانونية.
غالباً ما تتسم العلاقات بين المطلقين بقدر ليس بقليل من العناد والكراهية والتربص بين الطرفين، خاصة في المجتمعات العربية، وهو ما يدفع بعض الأباء لرفض رغبة الأم ورؤيتها في إلحاق ابنها بنظام وبيئة تعليمية بعينها، (وإن كانت صائبة) ما يدفعه لرفض الحضور معها خلال رحلة استكمال الأوراق المطلوبة في كل مرحلة تعليمية للأبناء.
الأب فقط
“اجبرني اضيع سنة من عمر ابني” جملة بدأت بها سناء أحمد، مطلقة 35 سنة، حديثها عن طليقها موضحة أنهما انفصلا منذ عام، ومعها ولد وبنت، في حضانتها، البنت في المرحلة الابتدائية، وكان من المفترض أن تقدم لأبنها في مرحلة رياض الأطفال هذا العام، إلا أنها قررت التأجيل بسبب الخلاف مع طليقها حول المدرسة التي اختارتها، بمعنى أدق هو يرفض نوعية التعليم التي تسعى لها الأم، فهي تريد الحاق ابنها بمدرسة لغات، وهو يرفض ذلك نكاية في الأم، رغم أن ابنتهما الكبرى تدرس بمدرسة لغات بالفعل.
أضاع الأب على طفله فرصة الالتحاق بالدراسة هذا العام بمساعدة القانون، الذي يتيح له التحكم الولاية التعليمية على ابنه رغم حضانة الأم للأطفال، وتم تأجيل الطفل للعام المقبل، مع العلم أن الأب مصمم حتى الآن على عدم إلحاق ابنه بالنظام التعليمي الذي اختارته الأم، ما يهدد مستقبل الطفل للعام المقبل أيضاً.
لافتة كبيرة معلقة على بابا مدرسة “أ . س” بمنطقة المعادي، هي مدرسة لغات، مدون على اللافتة (ولي الأمر هو الأب) وضعت هذه الجملة لترشد أولياء الأمور الراغبين في تقديم أوراق أبنائهم للمدرسة، موضحين أن الأب هو فقط المسموح له سحب أو تقديم ملفات التقدم لإلحاق الطالب بالمدرسة، وما دون ذلك مرفوض.
ذهبت “حنان. م” إلى المدرسة راغبة في تقديم ملف الأبن للالتحاق بالمدرسة نظراً لانشغال الأب في عمله وعدم استطاعته أن يذهب معها، فما كان من إدارة المدرسة إلا أنها رفضت استلام الملف، موضحة لحنان أن الأب فقط هو المنوط بتقديم ملف الالتحاق للطفل، ولا يجوز للأم الإقدام على هذه الخطورة، وفقاً للوائح.
لا.. لأبناء المطلقات
على صعيد متصل تقف سهير محمد، مطلقة، حائرة أمام باب مدرسة لغات بزهراء المعادي، بعد أن رفضت المدرسة قبول الطفل لديها في مرحلة رياض الأطفال بسبب طلاق والديه، وقد بررت أحد العاملات في المدرسة هذا الرفض بحجة أنهم لا يريدوا الدخول في مشكلات ما بين الأب والأم فيما بعد، بسبب الولاية التعليمية، وتقنين من يحق له استلام الطفل من المدرسة ورؤيته، ومن مسؤول عن دفع المصروفات الأب أم الأم وغيرها من المشكلات واردة الحدوث بين أي مطلقين، والتي تكررت في سنوات سابقة مع نماذج مختلفة من المطلقات، وهي أمور من شأنها أن تعرقل خط سير العملية التعليمية، لذلك ترفض عدد كبير من المدارس قبول أبناء المطلقات، توفيراً لجهاد ومشقة حل النزاع بين المطلقين .
سفر الأب
ليس الطلاق فحسب الذي يهدد متقبل الطفل، ويستدعي إذن بالولاية التعليمية، لكن سفر الأب أيضاً يعد أمر خطير على مستقبل الأبناء التعليمي، فتقول ميرفت حسان طبيبة، 39 سنة، متزوجة وأم لطفلين، أن زوجها يعمل في دولة السعودية منذ عدة سنوات، وتعرضت لمشكلة كبيرة منذ 6 أعوام وقت رغبتها في إلحاق ابنها بمرحلة رياض الأطفال، بسبب سفر الأب.
ولم تكن تعلم “ميرفت” وقتها ضرورة حضور الأب لتقديم ورق الطفل بنفسه، ولظروف خاصة بالأب لم يستطع النزول قبل بداية العام الدراسي، وهو ما ترتب عليه تأجيل دخول ابنها لمرحلة رياض الأطفال للعام الذي يليه، وقد حضر الأب قبلها، وقام بعمل توكيل لزوجته يتضمن تفويضه إليها بالولاية التعليمية على الأبناء خلال فترة سفره.
رغم كل تلك المشكلات تتجه أغلب الآراء في المجتمع المصري إلا أنّ الأم أولى بحق الولاية التعليمية على أبنائها خاصة بعد اسناد الحضانة لها بالقانون، لكن على أرض الواقع تسعى مطلقات إلى انتزاع حق اختيار نظام التعليم، وهناك العديد من الدعوات التي طالبت بتعديل نظام الرؤية والحضانة في قانون الأحوال الشخصية، لتخفيف الاحتقان بين المنفصلين والحفاظ على مصلحة الطفل، مع الأخذ في الاعتبار أن مصر بها 6 مليون مطلقة وفقاً للإحصاء الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ما يفيد أن هناك عدد كبير من الأطفال معرض لتحمل نتيجة هذه المأساة.
مصلحة الأبناء
كاميليا سعد، أستاذ علم نفس الطفل جامعة القاهرة، طالبت بضرورة تحييد الأبناء عن مشكلات الكبار وتحديداً الأب والأم، لأن انخراطهم في هذه المشكلات، ولو من بعيد يترتب عليه مشكلات نفسية عديدة، يصاب بها الأبناء فيما بعد، موضحة أن أحد أخطر أشكال انخراط الصغار في مشكلات الكبار يكمن في تحملهم نتيجة الطلاق أو الانفصال فيجدوا أنفسهم ومستقبلهم أمام تعنت وتحكم لا يعرفون عنها شيء سوى انهم يتحملوا نتيجة زواج أباءهم وأمهاتهم، ثم انفصالهم.
موضحة أنه يمكن استخدام الولاية التعليمية على اعتبار أنها نقطة الالتقاء الوحيدة بين المطلقين يتفقوا عليها من أجل خدمة مصلحة الأبناء، تجنباً لتعرضهم لضعف التحصيل الدراسي، وفقد الثقة بالنفس، والتي من المتوقع أن يتشكل رفض داخلي لدى الأطفال يجعلهم يرفضون الزواج فيما بعد حتى لا تتكرر مأساة الأب والأم معهم من جديد، مضيفة أنه من المفترض أن يتم تعديل القوانين بما يسمح بتوفيق أوضاع الطفل، دون تحملهم لقرارات الآباء والأمهات.