شهدت أسعار حديد التسليح قفزة سعرية جديدة تعادل 4 آلاف جنيه؛ ليناهز سعر الطن 48.5 ألف جنيه تسليم المصنع، على أن يتجاوز السعر 50 ألفا تسليم الوكلاء، ما يفتح تساؤلات حول الأسباب، والتداعيات المحتملة على أسعار العقارات، التي ارتفعت بنحو 80% خلال العام الماضي.
بلغ إجمالي الزيادة في سعر طن حديد التسليح تسليم أرض المصنع 78% خلال عام واحد، في ظل تحجج المصنعين بعدم توافر العملة الصعبة اللازمة؛ لفتح الاعتمادات المستندية في البنوك، وتقليص المصانع طاقتها الإنتاجية.
لجأت شركات الحديد والصلب حاليًا، إلى تسعير الدولار بمستوى يناهز 63 جنيهًا للدولار الواحد، في ظل عجزها عن توفير الدولار بالسعر الرسمي الذي يبلغ 30.9 جنيها للدولار في البنوك.
لكن محمود العسقلاني، رئيس جمعية مواطنين ضد الغلاء، يرى أن السعر العالمي لا يفترض، أن يزيد على 30 ألف جنيه، حتى لو تم حساب سعره بالسوق السوداء، وحال حسابه بسعر الدولار الرسمي، لا يجب أن يزيد على 19 ألف جنيه.
انخفض خام الحديد عالميًا لأقل من 130 دولارًا أمريكيًا، بعدما تجاوز مؤخرًا 140 دولارًا، لكنه لا يزال أعلى من المستوى الذي حققه في أغسطس، حينما كان أقل من 110 دولارات، بحسب شركة Trading Economics.
أظهرت بيانات S&P Global Commodity Insights تقييم خام الحديد عند 127.65 دولارًا للطن المسطح الجاف بالصين في 17 يناير، بانخفاض عن أعلى مستوى خلال 19 شهرًا عند 143.2 دولارًا للطن الواحد في 2 يناير.
انخفض متوسط سعر الطن بالسعودية خلال 2023م بنسبة 18.6% عن 2022، حيث بلغ متوسط سعر الطن 2995.54 ريالا، مقابل 3681.73 ريالا في الفترة المقارنة ذاتها.
من 5 آلاف لخمسين في 10 سنوات
يقول العسقلاني، إن الأسعار ارتفعت بتلك الوتيرة السريعة؛ بسبب رغبة الشركات في تحقيق أرباح خيالية على حساب المستهلك، ففي خلال عشر سنوات ارتفع السعر من 5 آلاف جنيه إلى 50 ألف جنيه، وفي خلال شهر واحد فقط، ارتفع سعر طن حديد عز 10 آلاف جنيه.
يضيف: “من الطبيعي أن شركات الحديد والصلب لديها مخزون من الخردة، يكفيها لعدة شهور، فمن المستغرب أن ترفع الأسعار كلما ارتفع الدولار بالسوق السوداء، كما يفعل تجار الذهب، وارتفاع الأسعار لها تأثير رهيب على العمالة في قطاع البناء والتشييد، الذي ترتبط به 100 صناعة أخرى”.
هل هو سعر عادل؟
النائب علي الدسوقي، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، يشير إلى أن أسعار الحديد ارتفعت؛ لاعتمادها بنسبة 95% على مستلزمات إنتاج مستوردة من الخارج، وبالتالي تتأثر بسعر صرف العملة الصعبة التي لا تستطيع البنوك توفيرها خلال الوقت الحالي.
يرى الدسوقي، أن المصانع التي تستورد الخامات من الخارج، سواء نصف تصنيع أو البيليت أو الخُردة أو مكونات الحديد، تعاني من عدم توفر العملة الصعبة، ويتم توفيرها من خلال السوق الموازية بسعر مرتفع وغير ثابت وبأرقام غير مسبوقة، وبالتالي المصانع لا تبالغ في الأسعار، بل هي مسعرة الحديد على سعر الصرف الذي تمت به عملية الشراء، وهذا السعر عادل إلى حد ما.
بحسب غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات المصرية، فإن زيادة أسعار الحديد ترجع لانخفاض حجم الإنتاج في بعض المصانع؛ بسبب صعوبة استيراد المواد الخام من الخارج؛ نتيجة لأزمة سعر الصرف، ورفع الحكومة أسعار الكهرباء بنسب، تتراوح بين 16 و26% منذ بداية الشهر الجاري.
تراجع الإنتاج.. الدولار السبب
ووفًقا للبيانات الرسمية، تراجع إنتاج مصر من حديد التسليح خلال 2023 بنحو 4% إلى 8.047 ملايين طن، كما انخفض حجم المبيعات أيضاً بنحو 17.7% إلى 6.5 ملايين طن.
تدرس وزارة التجارة والصناعة حلاً للمشكلة، عبر إلغاء رسوم الإغراق على واردات حديد التسليح، لتمكين الشركات والمطورين العقاريين من استيراد احتياجاتهم بعد الارتفاعات الكبيرة في الأسعار بالسوق المحلية.
كانت الوزارة قد فرضت في يوليو الماضي، رسوم مكافحة الإغراق النهائية على واردات حديد التسليح من الصين، وتركيا، وأوكرانيا لمدة 4 سنوات، بواقع 25% على واردات حديد التسليح والصلب، و15% على البليت بدعوى حماية المنتج المحلي.
بحسب بيانات غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات المصرية، فإن سوق صناعة الحديد المصري يضم 32 شركة: 4 منها شركات متكاملة، بينما المصانع الأخرى تقوم باستيراد البليت (حديد نصف مصنع). من أجل تشكيله سواء لإنتاج حديد تسليح، أو غيره.
تمتلك “حديد عز” حاليًا نحو 42% من إنتاج الحديد بمصر، تليها شركة السويس للصلب بكمية 2.4 مليوني طن بنسبة 19%. ثم بشاي بكمية 2 مليوني طن بنسبة 15%، وبعدها يأتي حديد المصريين بنحو 1.6 مليون جنيه بنسبة 12%، أما الحديد المختزل، فيبلغ الإنتاج المصري منه 8.9 ملايين طن، تستحوذ عز على 56% منه.
انعكاسات خطيرة على سوق العقار
توقع أسامة سعد، المدير التنفيذي لغرفة التطوير العقاري، زيادة في أسعار العقارات خلال الفترة المقبلة؛ بسبب ارتفاع تكاليف مواد البناء، علاوة على توجه الشركات نحو الوحدات السكنية الصغيرة، حتى تصل لسعر يتماشى مع العملاء.
يناقش مجلس إدارة الغرفة، في اجتماعه 11 فبراير المقبل، مقترحًا لإصدار عقود جديدة بين شركات التطوير العقاري والعملاء، تقتضي تحمل العميل جزءًا من مخاطر الارتفاعات الجنونية في تكاليف المشروعات، فحال ارتفعت الأسعار بنسبة ما بين 20% و25% يتحمل المطور الفارق، لكن حال زيادتها بأكثر من ذلك يتحمل العميل نسبة من تلك الزيادة.
بحسب غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات المصرية، فإن الزيادات الأخيرة في أسعار الحديد التي تبلغ نحو 10%، لن تحمل تأثيًرا كبيًرا على القطاع العقاري، على اعتبار أن سعر الحديد 8 % فقط من التكاليف الإجمالية لأي بناء.
كانت بعض الشركات العقارية، قد رفعت أسعارها بنسبة 80% خلال العام الماضي متحدثة عن تضاعف أسعار مواد البناء خلال السنوات الأخيرة بأكثر من 300%، بجانب ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه وارتفاع مستوى التضخم.
وقال سعد، إن غالبية المنتج العقاري يتم عبر التقسيط، ما يعني أن الشركات العقارية ستضع في اعتبارها إمكانية ارتفاع التضخم، ومن الممكن أن ترفع الأسعار بنسب تزيد عن تلك التي حدثت لمواد البناء، حتى لا يتعرض المطور للخسارة مستقبلاً في ظل امتداد الأقساط على الوحدات السكنية لعدة سنوات.