منح مجلس الوزراء مؤخرا، المستثمرين المصريين أو الأجانب حق إنشاء وإدارة، وتشغيل المنشآت الصحية، ومن بينها إدارة المنشآت الصحية القائمة، ضمن مشروع قانون جديد يتعلق بالتزامات المرافق العامة للمستثمرين المصريين أو الأجانب، سواء كانوا أشخاصاً طبيعيين، أم اعتباريين ومن المزمع رفعه لمجلس النواب قريباً.
ووضع مجلس الوزراء، شروطًا فيما يتعلق بتقديم الرعاية الصحية منها: الحفاظ على المنشآت الصحية، وما تشتمل عليه من تجهيزات وأجهزة طبية لازمة لتشغيلها، والالتزام في تقديم الخدمات الصحية بأحكام القوانين، والقرارات المطبقة على المنشآت الصحية، وكذا المُنظمة لتقديم الخدمات المُكملة الموجودة بها، وأن يتوافر في المُلتزم الخبرات اللازمة؛ لتشغيل المنشأة الصحية.
من بين الشروط أيضًا، عدم التنازل عن الالتزام للغير، دون الحصول على إذن من مجلس الوزراء، وألا تقل مدة الالتزام عن 3 أعوام، ولا تزيد على 15 عامًا، مع أيلولة جميع المنشآت الصحية، بما فيها من تجهيزات وأجهزة طبية لازمة؛ لتشغيلها إلى الدولة في نهاية مدة الالتزام، دون مقابل وبحالة جيدة.
لم تتضح بعد تفاصيل المشروع، لكن الجانب الخاص بإنشاء منشآت الرعاية الصحية الجديدة، سينطبق عليه جميع بنود قانون تنظيم التعاقدات الذي يسمح لمقدم العطاء، أن يعهد ببعض بنود العملية محل التعاقد إلى غيره من الباطن، على أن يتضمن عطاؤه بياناتهم وخبراتهم، وما سيتم إسناده إليهم من بنود، كما لا يجوز للمتعاقد تغيير أي منهم، دون موافقة الجهة الإدارية المتعاقدة.
الاعتماد على القطاع الخاص
يتماشى ذلك التوجه مع مقترحات، أعلن عنها د. خالد عبد الغفار، وزير الصحة، أخيرًا، لتطوير أنشطة قطاع الرعاية الصحة، وسبق أن أعلنت الوزارة، في سبتمبر/ أيلول الماضي، عن طرح 5 مستشفيات تابعة للمؤسسة العلاجية أمام القطاع الخاص، والمؤسسة العلاجية، هي هيئة اقتصادية تشرف عليها وزارة الصحة، وتقدم الخدمة بالأجر.
المؤسسة العلاجية، أنُشئت بقرار جمهوري عام 1964، لتقدم خدمات علاجية بأسعار اقتصادية للطبقات المتوسطة، وتضم 5 مستشفيات هي “هليوبوليس، والقبطي، والإصلاح الإسلامي، والمبرة”.
يبلغ عدد المستشفيات الكبيرة التابعة لوزارة الصحة فقط 700 مستشفى، بجانب 120 مستشفى جامعيا، ومئات من الوحدات الصحية الصغيرة، بينما يبلغ عدد المستشفيات في القطاع الخاص على مستوى الجمهورية 1130 مستشفى، وفق البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي لتعبئة والإحصاء.
لكن وزارة الصحة تؤكد احتياج القطاع؛ لتوفير 4 آلاف سرير سنويا، حتى عام 2030 بتكلفة تعادل 60 مليار جنيه سنويا؛ لمواكبة معدلات الزيادة السنوية للسكان البالغة نحو 2.5 مليون نسمة، مما يمثل فرصة أمام القطاع الخاص للاستثمار.
شهدت مخصصات كل من التعليم والصحة ارتفاعا في موازنة /2023 2024، لكن المركز المصري للدراسات الاقتصادية يرى أن ذلك الارتفاع في قيمته الاسمية فقط من 135.6 مليار جنيه، إلى 147.8 مليار جنيه، ما بين عامي 2022 /2021 و 2024 /2023 بنسبة نمو قدرها % 9.
أضاف المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن تلك الزيادة لم تكن كافية؛ لتعويض الأثر السلبي؛ لارتفاع معدل التضخم، فكانت النتيجة تراجع الإنفاق الحقيقي على الصحة بنسبة %10.7 من 114.3 مليار جنيه، إلى 102.1 مليار جنيه خلال الفترة ذاتها.
تحفظات على إدارة القطاع الخاص الصحية
بحسب الدكتور بسيوني سالم، خبير الجودة والنظم الصحية، فإن القطاع الخاص يسيطر، على ما يقرب من ثلثي المستشفيات بمصر، بعدما تراجع عدد المنشآت الصحية الحكومية ذات الأسرة من 1.243 منشأة عام 2000، إلى 660 منشأة عام 2010، ثم 662 منشأة عام 2019، أي أن القطاع الحكومي فقد نصف عدد المنشآت الصحية ذات الأسرة التي يملكها خلال العقد الأول من الألفية.
يضيف سالم، أن القطاع الخاص الطبي يعتمد في مصر على الدفع المباشر من جيب المريض بنسبة 60 %، وهو مؤشر خطير، إذ لا ينبغي أن تزيد تلك النسبة على 20 %، وتعتبر هذه الطريقة أسوأ طرق تمويل الخدمات الصحية، حيث يكون التعامل مباشرا بين الطبيب الذى يملك القرار والمعرفة، ، والمريض الذى لا يملكها.
ويتابع أن تلك العلاقة خلقت طلبًا زائفًا على بعض الخدمات مثل عمليات القيصرية التي وصلت قرابة 70 % من مجموع الولادات، وهي نسبة مرتفعة جدا عالميا، والمفترض ألا تزيد على 25 % وكذلك زيادة عدد عمليات القسطرة القلبية، واللوز والتحاليل الطبية والأشعات، مما ساهم في زيادة الأعباء المالية على المواطن، مؤكدًا ضرورة الشراكة بين القطاعين الحكومي، والخاص من أجل تعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة، وحماية المرضى بالوقت ذاته.
دعم متوقع للقانون الجديد
من المتوقع، أن يحظى مشروع قانون السماح للقطاع الخاص بإدارة وتشغيل المنشآت الصحية القائمة بتأييد من مجلس النواب، فبمجرد الإعلان عنه لاقى تأييدًا من عدد كبير من النواب، الذين أشادوا بتوجه الحكومة؛ لتشجيع القطاع الخاص على التوسع في المشاركة في تقديم خدمات الرعاية الصحية، معتبرين أن ذلك له مردود إيجابي على المنظومة الصحية بالكامل، وعلى المواطنين.
يقول الخبير الاقتصادي نادي عزام، إن القطاع الخاص لديه قدرة أفضل على تقديم الخدمة، وذلك سبب الإقبال عليه، لكن في الوقت ذاته سيحدد القانون قيمة موحدة للخدمة في جميع المستشفيات، والمراكز الصحية التي سيتم إدارتها بنظام الشراكة، مثلما حدث في منظومة التأمين الصحي الشامل.
يضيف عزام، أن الدولة ستكون ملتزمة بمتابعة التسعير وضمان الجودة، كما أن عقود الشراكة ستشمل بعض المستشفيات ذات الطبيعة الخاصة، وليس جميعها وبالتالي ستظل المستشفيات الجامعية والتابعة لوزارة الصحة تقدم خدماتها كالمعتاد، كما أن المستشفيات سيحكمها قانون المناقصات.
وجاء القانون الجديد ضمن توصيات المؤتمر الاقتصادي، الذي عقدته الحكومة في 2022، وتضمن نقاشات؛ لإجراءات الشراكة مع الدولة في المستشفيات القائمة والجديدة، بإدارة القطاع الخاص للمنشآت الصحية بنظام حق الامتياز، ومهدت الحكومة لمقترح إدارة القطاع الخاص للمنشآت الصحية بقانون، ينظم الشراكة مع القطاع الخاص في البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم، الذي أقره البرلمان قبل عامين في ضوء التزاماتها مع صندوق النقد الدولي.
بحسب القانون الذي أقره مجلس الوزراء، فإن إدارة القطاع الخاص للمرافق سواء الجديدة أو القائمة، سيتم وفقًا لإحدى الطرق المبينة بقانون تنظيم التعاقدات التي تُبرمها الجهات العامة رقم 182 لسنة 2018، بحسب طبيعة كل مشروع، وبمراعاة عدد من الشروط والقواعد والإجراءات.
يتضمن قانون تنظيم التعاقدات الجديد التزام كل جهة إدارية بإنشاء إدارة للتعاقدات، مع تحديد الاختصاصات، والمهام التي تتولاها الهيئة العامة للخدمات الحكومية بجانب تنظيم إجراءات تخطيط، وتنفيذ التعاقدات العامة، ومتابعة تنفيذ العقود، وتجنب تعارض المصالح.
التسعير.. تخوف مشروع
يثير منح القطاع الخاص إدارة المستشفيات القائمة مخاوف بخصوص تحديد سعر الخدمة الصحية، وهي مشكلة تعتبر أكثر مشاكل القرارات التسعيرية صعوبة، وتعتمد على معلومات شحيحة بخصوص الطلب، والتكلفة والمنافسة والقدرة المالية للمرضى والشرائح المستهدفة منهم، وهي مشكلة ظهرت بجلاء إبان جائحة كورونا، حينما عجزت الوزارة عن فرض تسعيرة على غرف العناية المركزة.
في 2005، وضعت وزارة الصحة برنامجا؛ لإصلاح القطاع الصحي، شارك فيه خبراء من الداخل والخارج، واعتمد على خمسة عناصر أساسية: هي التغطية الشاملة، بمعنى توفر الخدمات الأساسية لجميع الأفراد، والجودة بتحسين مستوى الرعاية، والعدالة بتوفير نصيب عادل من الحصول على الخدمة الصحية لكل المناطق، والأفراد والكفاءة بتطوير الموارد البشرية والمنشآت الصحية، وأخيرًا الاستمرارية، وتعني ضمان الإصلاح الصحي لخدمة الأجيال القادمة.
جاء البرنامج، حينها، بعدما تلاحظ تحمل الفقراء أعباء كبيرة في الحصول على الخدمة الصحية بالقطاع الخاص؛ لعدم كفاءة الحصول عليها من المنشآت الحكومية، والعجز عن توفر أسرة أو رعاية داخلها، ما يعني، أن الكفاءة والتسعير كانا المحرك الأساسي للإصلاح الصحي.
سبق أن طرحت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مثالًا على مشكلة التسعير في القطاع الخاص بجائحة كورونا، التي شهدت فيها أسواق الخدمات الطبية حالة متفاقمة من اﻻنفلات، والخلل السعري بكافة أنواع الخدمة (الكشف والتحاليل والأشعات وخلافه)، ما يتجاوز دخل وقدرات الأسر المصرية الفقيرة، والمتوسطة على تحمل تكلفة هذه الخدمة التي قد تكون منقذة وضرورية للحياة،
بحسب دراسة بعنوان “العولمة النيوليبرالية وحقوق الإنسان.. الحق في الصحة نموذجًا،” فإن خصخصة الخدمات الصحية تعطي دفعة قوية للقطاع الخاص، وتفتح الباب لرأس المال الأجنبي؛ لتقديم الخدمات الصحية، لكن في الوقت ذاته ينجم عنها نمو مخاطر أمولة “إضفاء الطابع المالي على العلاج” الصحة، وتقليص إمكانيات تمتع الفئات الهشة بالحق في الرعاية الصحية.
فالمواطن يئن
يقول الدكتور محمد عز العرب، المستشار الطبي للجمعية المصرية للحق في الدواء، إن الاستعانة بالقطاع الخاص للاستثمار في مشروعات صحية خاصة بالدولة مقبول شكلا لحين تطبيق منظومة التأمين الصحي الاجتماعي في جميع المحافظات، ولسد النقص الحالي في عدد الأسرة، خاصة الرعاية المركزة والطوارئ والمراكز المتخصصة.
بحسب دراسة، أجرتها إحدى شركات الخاصة للرعاية الصحية عن سوق الرعاية الصحية المصري، قدَّرت عدد الأسرة العلاجية بنحو 1.3 سرير لكل ألف مواطن، بينما تبلغ النسبة العالمية 2.7 سرير لكل مواطن. وتتوزع الأسرة بين 35 ألفًا للقطاع الخاص بنسبة 26.3 % من الأسرة العلاجية، مقابل 98 ألف سرير تابعة للقطاع العام بنسبة 73.3 %.
أضاف عز العرب، أن الجميع مع التطوير بشرط عدم التغول في الأسعار، وإدارة المنظومة بمعايير الدولة، والاسترشاد بأسعار المؤسسة العلاجية في الخدمات المقدمة، على أن يتم تعويض الإدارة بتقديم حوافز للاستثمار، تتمثل في الضرائب أو أراضِ بتيسيرات أو تخفيض مقابل الخدمات كالكهرباء أو المياه وغيرها؛ فالمواطن يَئن.