حسب موسوعة الهولوكست، لم يتم صياغة مصطلح معادة السامية إلا في القرن التاسع عشر، وإن امتد تاريخ كراهية اليهود، ومعاداتهم لقرون طويلة سابقة “حسب الموسوعة”.
وفي مسعى لفهم الفرق بين معادة الصهيونية ومعادة السامية نشرت هيئة الإذاعة البريطانية على موقعها تقريرا بعنوان “ما الفرق بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية؟” جاء فيه “معاداة السامية، تعني التحيز ضد الشعب اليهودي، وهذه المعاداة موجودة منذ قرون”.
فيما يبدو، أنه خلط ــ ربما لا يكون مقصودا ــ في فهم المصطلح “معادة السامية”، والذي بات سيفا على رقاب كل من ينتقد إسرائيل، أي كانت همجية وبربرية عدواناتها المتكررة، منذ ستة وسبعين عاماً.
إدارة البي بي سي، أحالت ستة من صحافييها العرب بينهم، مراسلتها المعروفة في القاهرة سالي نبيل، للتحقيق في “مزاعم معادة السامية” حسب توصيف الشبكة نفسها في مقال لها، تمت إزالته لاحقاً، كان بعنوان “بي بي سي تُوقف مراسلتها في القاهرة سالي نبيل، عن العمل للتحقيق في مزاعم معاداة السامية”، وملخص المقال أن الإيقاف تم؛ للتحقيق في مزاعم بمحتوى نُشر على حسابات نبيل، على وسائل التواصل الاجتماعي قبل انضمامها إلى بي بي سي!
بينما جاء في تقرير الممثل القانوني لسالي نبيل، أن الإيقاف جاء بعد نشر تقرير في صحيفة التليجراف البريطانية، وجه لسالي تهمة “معاداة السامية” على خلفية ضغطها زر الإعجاب (لايك) لتغريدتين حول إسرائيل، وفلسطين على موقع إكس (تويتر سابقاً). وتشير إحدى التغريدات إلى إعراب إحدى الرهائن الإسرائيليين المفرج عنهم في غزة عن “العرفان العميق” تجاه حركة حماس، بينما تتناول التغريدة الأخرى خبرًا، نشرته صحف تركية بشأن قيام إسرائيليين مؤخرًا بشراء أراضٍ في جزيرة قبرص.
عنوان تقرير التليجراف كان” صحفيو بي بي سي “أعجبوا” بالتغريدات المعادية للسامية، على الرغم من الوعد باتخاذ إجراءات صارمة ضد التحيز”.
إدانة
عدد من المنظمات الحقوقية أدان قرار الإيقاف، وربطه البعض بنشاط نقابي لسالي، ربما لأن الإيقاف طال أيضا محمود شليب، وسلمى خطاب، اللذين شاركاها عضوية لجنة العاملين بمكتب القاهرة في المفاوضات مع الادارة حول الرواتب، وهي المفاوضات التي استمرت لشهور.
الأقرب بحسب كثيرين، أن السبب ليس نقابياً، بل هو استمرار لـ “مكارثية” الغرب تجاه التعامل مع اسرائيل إعلامياً، والذي تطور من معادة السامية، وقانون جيسو “الذي يحرم إنكار المحرقة ” وصولاً لمحاولة تجريم إنكار السابع من أكتوبر، وأكاذيب اغتصاب الأسيرات في الأنفاق، وحتى بعد خروج تقرير الشرطة الإسرائيلية الذي يؤكد، أن مروحيات إسرائيلية وراء قتل مشاركين في الحفل الموسيقي يوم 7 أكتوبر، لا زال الإعلام الغربي يصر على اعتبار المجازر الإسرائيلية رداً مناسبا على أحداث السابع من أكتوبر. يذكر أن الكنيست الإسرائيلي (البرلمان)، أقر قانون “إنكار أحداث 7 أكتوبر” الذي ينص على حبس كل من ينكر أو يتضامن مع أو يؤيد هذه الأحداث.
هيئة الإذاعة البريطانية التي تتضمن قائمة قيمها التي تأسست عليها احترام حقوق الإنسان، والموضوعية والشجاعة في تناول القضايا الصعبة والمهمة، لم تتحمل، فيما يبدو، تعبيرا بسيطا عن رأي، لم يعد أصحابه قليلون في ظل تنامي المظاهرات، والاحتجاجات في قلب أوروبا ضد العدوان الإسرائيلي على غزة.
بي بي سي التي تفتخر، بأنها تتيح لأعضاء فرقها بالتعبير عن آرائهم على منصات التواصل الاجتماعي، دون أن يفهم ذلك على أنها تمثل وجهة نظر البي بي سي، كما تتيح لهم تأليف الكتب والمقالات التي تعبر عن آرائهم الشخصية، لم تتحمل “لايك” سالي نبيل، فهل يمكن أن يؤثر ذلك على تبنيها لقضايا حرية الرأي والتعبير في مصر والشرق الأوسط؟
السؤال بات مطروحاً بالفعل بعد تنامي الشكوك حول المنصة الإعلامية الشهيرة، التي طالما رصدت أوضاع حرية الصحافة في مصر، وتساءلت عن مستقبلها في برامجها المختلفة، وعلى منصاتها الإلكترونية والاجتماعية.
استغلال الفرصة
وسائل الإعلام المصرية المتهمة دائما بالتبعية للسلطة، قد تجد فرصة؛ لترسيخ مقولاتها عن وسائل الإعلام الغربية، وأنها شريك في مؤامرة، تستهدف الدولة، بعد أن تفقد وسائل الإعلام الغربية مصداقيتها، ومن ثم تأثيرها في ملف حقوق الإنسان.، وقد سبق وحدث هذا جزئياً مع “فورين بولسي ” التي نشرت مقالا هجومياً حول دور الرئيس السيسي في تدمير الاقتصاد المصري، تناقلته عنها منصات جماعة الإخوان الإعلامية، وعندما كتب السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية رداً على المقال، رفضت فورين بوليسي نشره، ما أتاح فرصة لإعلاميين مصريين محسوبين على السلطة؛ لمهاجمة “الحياد الإعلامي” الغربي، وأسطورة “حق الرد”، بل أن بعضهم اتهم الإعلام الغربي، وبينه بي بي سي، بتلقي رشا من جماعة الإخوان؛ من أجل الظهور علي شاشتها وتبني سرديتهم.
حساب الصحفية سالي نبيل، على منصة أكس غير متاح حالياً، وكذا مقال بي بي سي عن الأزمة، ولم يتحدد موعد لإعلان نتائج التحقيق معها، بينما أعلن ممثلها القانوني “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ” عن نيته التحرك مع شركاء في بريطانيا؛ لمواجهة الهجمة التي وصفها بـ “المكارثية” ضد حرية الرأي والتعبير.
فهل تتمخض الأيام القادمة عن تصاعد الصراع بين “شرق أوسطيين” مؤمنين بالقيم التي تعلموها من الإعلام الغربي، وبين أقدم وأشهر منصات “الإعلام الحر”.. أم تتجه الأطراف للتهدئة واعتماد معايير تناسب “المعتدلين” حول العالم.