“عندك كام سنة..هتتجوزي امتى”، عبارتين أصبحتا بديًلا لتحية الصباح والمساء في حياة “رانيا”-اسم مستعار، 36 عامًا، وتًدرس بإحدى الجامعات، والتي تؤكد أن نجاحها العلمي والدراسي وإنجازاتها المهنية، مرهونًا بـ”رقم”.
ومؤخرًا، تصدرت عبارة “العمر مجرد رقم”، مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يقصد بها التشجيع على عدم الالتفاف لسنوات العمر والمضي قُدمًا، ولكنّ ما لا يعلمه البعض بأنها تحمل أيضًا بين طياتها آلام مسكوت عنها.
وصمة العمر
وتتابع “رانيا”، منذ نعومة أظافري، وتلاحقني أسئلة محورها الأرقام، مثل: “وزنك كام..عمرك كام..هنفرح بكِ امتى”، ومن المفارقات التي تستدعي السُخرية، رد فعل عائلتها بعد إعلانها الرغبة في الزواج وهي في سنّ الـ19 عامًا.
“أنتٍ صغيرة”، هكذا قالت الأسرة للشابة الثلاثينية، مطالبين إياها بالتراجع عن موقفها، لكنّ بعد تجاوزها الـ30 عامًا، أصبحت مثارًا للشك من قبل عائلتها “لأني لم أصرح لهم بطلبيّ مرة أخرى”.
لا أحد يعلم تأثير الأسئلة التي محورها الأرقام على نفسية الفتيات، ويعتقد البعض أنّها “عادية”. تقول “رانيا”: “الأمر يتجاوز الكشف عن السنّ، حينما ترتبط حياتك بمجموعة أرقام هنا موضع الألم”.
عن ذلك، توضح استشاري الطب النفسي، رشا الجندي، أن الحديث عن العمر للرجل والمرأة على حد سواء، أصبح أحد أسباب الاضطرابات النفسية، لاسيما لدى النساء إذ يرى المختصون أنه قيدًا مجتمعيًا جديدًا على الرجل والمرأة”.
تضيف “الجندي”: في المجتمعات المحافظة، والمتقدمة يُمثل العمر عنصرًا هامًا لاختيارات عدة، مثل الارتباط، والعمل، والصداقات، فإذا بلغت سنًّا معينة، يٌفرض عليك الظهور بشخصية معينة والحذر من القيام بسلوكات بعينها، ما يؤدي لما بات معروفًا بـ”أزمة منتصف العمر”.
أزمة منتصف العمر
وفي عام 1965، نشر إليوت جاك، المحلل النفسيّ الكنديّ، دراسة له عن الأعراض التي تصيب بعض الرجال والنساء بعد تخطي سنّ الـ40 عامًا، وأطلق عليه “أزمة منتصف العمر”، ليصبح هذا المصطلح متداولاً حتى وقتنا.
وعقب دراسة “جاك” بـ10 سنوات، أكد العالم النفسي الأميركي دانيال جاي ليفينسون، أن سنّ البلوغ تنقسم إلى مراحل عمرية مختلفة، وغالبًا ما تكون المرحلة الانتقالية الحقيقية بين الـ 40 و45، وفي هذه المرحلة يشرع أغلب الأشخاص في التفكير في ماضيهم.
إلا أن الخبراء والمختصين يرون أن نظريتي جاك وليفينسون، ليستا واقعيتين، فكلتاهما كانت مبنية على مقابلات مع بعض المعارف، ولم ترتكز على حقائق علمية، إذ ظهرت دراسات حديثة فيما تثبت العكس.
وتروي “فايزة.ع”، 49 عامًا، بأن بعد بلوغها سن الأربعين، ذهبت للطبيبة مختصة في الأمراض النسائية، لاستشارتها في موضوعات كالإنجاب وغيرها، لكنها فوجئت بالطبيبة تسألها عن صحتها النفسية، وإذا كانت تمر بأحد نوبات قلق، أو توتر زائدة، لتكتشف أن خوفها من الدخول فيما يُسمي “أزمة منتصف العمر”، أو “سنّ اليأس، هو ما دفعها للذهاب للطبيبة، وليس فكرة الإنجاب، إذ لم تتزوج بعد!”.
وتسكتمل: حديث الكثيرين من حولها عن العمر والسنّ، أصبح هاجسًا يطاردها في أحلامها، ليس خوفًا من قطار زواج قد يفاوتها، أو حلم أمومة يُداعبها من حين للآخر، ولكن فكرة “الهوس” بالأمر هو ما يؤرقها: “في مجتمعنا لا يتوقف السؤال عن العمر حتى بعد وفاتك”.
وتوضح استشاري الطب النفسي أن “ما يطلق عليه أزمة منتصف العمر، يمكن أن يمر دون مشاكل أو أزمات نفسية، بل البعض لا يلتفت لها، ولكنّ تعليقات الآخرين هي من تزج بهم في هذا النفق المظلم”.
بحسب دراسات حديثة، فإن النساء بعد الـ40، يصبحن عرضة للإصابة بالاكتئاب من الرجال، لما يواجهن من تحديات في حياتهن، لاسيما في تلك السنّ، لأسباب الشعور بالوحدة، والمشاكل الزوجية، وغيرهما.
التفكير في الأزمات
وعلى مدار العقود الماضية، أجريت دراسات حول التأثيرات الناجمة عن التقدم في العمر على النفسية وشخصية الإنسان، ووجد أن التفكير الدائم في الأزمات يتسبب في حدوثها بالفعل، لذلك قد يكون الحديث عن منتصف العمر، هو ما يسبب تلك الاضطرابات النفسية لكنّ غالبًا ما يجتاز العديد تلك المرحلة بنجاح دون مواجهة أزمة.
لكنّ “حازم”، اسم مستعار، 50 عامًا، ويعمل موظفًا بأحد البنوك، يرى غير ذلك، ويكشف عن معاناته بشأن الحديث حول العمر، بين أصدقائه ومعارفه المقربين، فما بين تعليقات كـ”كبرت والألوان مش مناسبة لسنك”، وبين تفسير بعض الأفعال بمفهوم آخر، يبقي “العمر ليس مجرد رقم”.
ويتابع: مسألة العمر لم تكن ضمن اهتماماته في بادئ الأمر، ألا أن تعرضه لبعض المواقف المحرجة بسبب السن، جعله يراجع بعض مواقفه وأفكاره، لا أكذب فأنا مثل الكثيرين، مما كان يحكمون على أي فتاة، أو امرأة بعمرها، ولكن بعد ما شعرت به من ألم نفسي أدركت أن إخفاء بعض السيدات أعمارهن شيئًا غير سطحي”.
ويشير جمال فرويز، استشاري نفسي، إلى أن خوف الرجال من التقدم في العمر لا يستهان به، ويرجع لأسباب منها خوفه من عدم تأدية واجباته الأسرية والزوجية كالسابق، وتأثير ذلك في نظر أولاده وزوجته، فالشعور بالمسئولية ودور الحامي يقف وراء ذلك أيضًا”.
وأردف: بعض المرضي من الرجال يخشون من التقدم في العمر، وهم على أبواب الأربعينيات خوفًا على حياتهم العاطفية والعملية من التراجع، مضيفًا بأن سن اليأس لدى الرجال والنساء يرتبط بالجانب النفسي أكثر من الجوانب الأخرى”.
تغير الأدوار
في المقابل، دفعت بعض المواقف والأحداث في العقود الأخيرة، بالإثبات بأن “العمر ممكن أن يكون مجرد رقم”، إذ بدا أن قاعدة الفارق السني بين الرجل والمرأة التي كانت تصب لصالح الرجل في الغالب، قد بدأت تختل في المعيار المألوف..
ومنذ الثمانينيات تغيرت المعادلة، بأن أصبحت الأمور الجندرية فيما يتعلق باختيار شريك العمر، أكثر عدالة، بأن اتجهت نحو كسر القوالب التقليدية.
وفي الـ20 سنة الماضية، فإن وجود النساء الأكبر سنًّا مع رجال أصغر منهن، فإن هذه الصورة بدأت تغزو وسائل الإعلام، لتكسر “التابو” القديم والمتوارث، وهذا يعكس تغيرات اجتماعية مهمة.
وتعزو عالمة النفس سوزان كيليام، صعود علاقات النساء الأكبر سنًا بالرجال الأصغر، إلى إعادة النظر لقسمة الخصوبة والنشاط الجنسي والإنجاب، وإذ يميل البعض لرفض الأطفال.
وكشفت دراسة أن النساء اللائي يتزوجن من الرجال الأصغر سنًّا يتفوقن في متوسط العمر المتوقع، في مقابل النساء المتزوجات من الرجال الأكبر سنَّا، حيث يمتن في وقت أقرب مما كان متوقعًا.