منذ مطلع شهر رمضان تنظم الشركات العقارية حملات إعلانية ضخمة بمختلف الفضائيات، ومحطات الراديو؛ للترويج للإسكان الفاخر ومجتمعات الخصوصية المليئة بنوافير المياه، والغابات الشجرية والبحيرات الاصطناعية والفيلات، دون أي معروض للإسكان الاجتماعي أو محدودي الدخل.
بحسب التعريفات الحكومية، فإن الشخص متوسط الدخل هو الذي لا يقل دخله الشهري عن 10 آلاف جنيه، للأعزب ولا يزيد على 14 ألف جنيه للمتزوج، لكن المعروض العقاري بعيد عن ذلك المسمى حاليًا، حتى في مشروعات الدولة التي يتضمن بعضها دفع أقساط ربع سنوية (كل ثلاثة أشهر)، تعادل 56958 جنيهًا للتقسيط على سبع سنوات، وترتفع إلى 68934 جنيهًا حال التقسيط على 5 سنوات.
تعاني السوق العقارية، حاليًا من فائض كبير بمعروض الوحدات فوق المتوسطة والفاخرة، ونقص واضح في استثمارات القطاع الخاص الموجهة لوحدات الطبقة المتوسطة، ما يقلل من قدرة تلك الفئات على حيازة وحدات سكنية مناسبة.
تزداد المخاوف على حق الطبقة المتوسطة في السكن حاليًا مع إعلان وزارة المالية وضع سقف للاستثمارات العامة عند تريليون جنيه، ما قد يقلص من الاستثمارات الحكومية الموجهة لذلك القطاع الذي يشهد في الوقت ذاته عزوفا من الشركات الخاصة التي جنحت نحو الدخول للسوق الخليجية بحثا عن المكاسب وهروبا من مشكلات سعر الصرف بالسوق المحلية وتغير أعباء التنفيذ المستمرة، خصوصا مواد البناء.
بحسب لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن الحق في السكن اللائق لا ينبغي أن يفسر تفسيرًا ضيقًا، بأنه أربعة جدران فقط، إذ يتضمن القدرة على تحمل التكلفة أيضًا.
فائض كبير من الشقق الفاخرة
يبلغ عدد الشقق السكنية الشاغرة المعروضة لشرائح الدخل المرتفعة 8 ملايين وحدة سكنية، بينما يوجد عجز في المعروض من الوحدات السكنية لشرائح الدخل المنخفضة يقدر بحوالي 2.5 مليوني وحدة سكنية، بحسب دراسة لمعهد التخطيط القومي.
يؤثر ذلك الاختلال على العنصر الأساسي لضمان الحق في السكن، ما يتطلب استهدافا أفضل للشرائح السكانية المستحقة للدعم في مجال الإسكان الاجتماعي، سواء لنظام الإيجار المدعم أو الشراء المدعم، ويمكن الاستفادة من قاعدة البيانات الموحدة، والتي تعمل على إعدادها الحكومة حاليًا، بالتعاون مع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.
هل تراعى المدن الجديدة الطبقة المتوسطة؟
بحسب الدراسات الأكاديمية، فإن الكثير من المدن الجديدة تفتقر أي شكل من أشكال الإسكان الاجتماعي، فالوحدات المعروضة بها، لن تكون في متناول يد معظم المصريين، كما تتصاعد أسعار المساكن بشكل يخرج عن مقدور أغلبية المواطنين.
يمثل مشروعا سكن مصر ودار مصر نموذجًا للإسكان الاجتماعي، بحسب وزارة الإسكان، لكن سعر الأولي لا يقل عن مليون و100 ألف جنيه، في آخر طرح، بينما يبلغ سعر المتر بدار مصر نحو 10100 جنيه في المتوسط.
في الطرح الأول لوحدات صندوق التنمية الحضارية (مشروعات الإسكان بديل العشوائيات) ديسمبر الماضي، كانت الأسعار فوق قدرات الطبقة المتوسطة، رغم وقوعها في مناطق شعبية.
وبلغ سعر الوحدة في مساكن الخيالة بمصر القديمة 2.2 مليون جنيه، وفي المعصرة بلغ سعر الوحدة 2.6 مليون جنيه للوحدة مساحة 113 مترًا، وفي مدينة نصر 4.6 ملايين جنيه.
بحسب صندوق التنمية الحضارية، فإن الطروحات الخاصة بكل مرحلة من مشروعات التطوير لها سعرها الخاص طبقا للمتغيرات الموجودة في السوق، ما يعني أن الطرح الثاني سيكون بمستوى سعري أكبر من المرحلة الأولى.
جنوح الشركات المصرية للسوق السعودية.. هل يؤثر؟
وتواجه وحدات متوسطي الدخل تحديًا آخر، يتمثل في جنوح الشركات العقارية المصرية؛ لتدشين مشروعات ضخمة في السعودية؛ لتحسين أوضاعها المالية في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها الاقتصاد المحلي، أخيرًا، من نقص للعملة الصعبة، وتغير تكاليف تنفيذ المشروعات بشكل كبير مع تغير تكاليف التنفيذ المستمرة، خاصة مواد البناء.
ووقعت شركة “سيتي إيدج” للتطوير العقاري مذكرة تفاهم مع “ألويكو” عضو مجموعة العليان السعودية أخيرًا، لتطوير أراض بالسعودية، بينما أعلنت “طلعت مصطفى” عن بدء الأعمال التنفيذية لتطوير مشروع “بنان” في المملكة عقب عيد الفطر في منتصف إبريل المقبل.
وأسست مجموعة “الأهلي صبور” شركة جديدة بالسعودية، ودخلت في مفاوضات على مجموعة من الأراضي بمدينة الرياض لتبدأ تطوير أول مشروعاتها في المملكة، وكذلك الحال مع “تطوير مصر” التي دخلت في شراكة مع مجموعة نايف الراجحي؛ لتدشين مشروع بالدولة الغنية بالنفط.
كما وقعت شركتا “سمو” السعودية و”حسن علام” المصرية مذكرة تفاهم لتأسيس شركة مشتركة، تُعنى بتطوير مشاريع عقارية نوعية بالمملكة العربية السعودية، وكذلك الحال مع شركة “ماونتن فيو” التي أطلقت أول مشروعاتها التجارية بالسوق السعودية عبر الشراكة مع سيسبان القابضة.
ولم يعد توجه الشركات المصرية للسعودية أمرًا فرديًا فـ 20 % من الشركات حاليًا، أبدت ـ في استطلاع للرأي أخيراً، رغبتها في التوجه لأسواق الخليج، وكان السبب الأول الذي أبدته، هو ارتفاع أعباء تنفيذ المشروعات بالسوق المحلية مع التغير المستمر لسعر صرف الدولار (قبل قرار التعويم).
تسعى الشركات المصرية لاستنساخ تجاربها السابقة في السوق المصرية في السوق السعودية، مثل شركة أوراسكوم للتنمية القابضة التي أعلنت عن تطوير مدينة جديدة على البحر الأحمر في السعودية شبيهة بمشروع الجونة بمصر، بينما لا تختلف مخططات “طلعت مصطفى” في مشروع بنان عن تجربتها السابقة في “مدينتي”.
الشركات العقارية تبحث عن العوائد
الدكتور أحمد شلبي رئيس مجلس العقار المصري، يقول في تصريحات صحفية، إن توسع المطورين المصريين بالخارج يضمن لهم تحقيق عوائد ربحية، وبالتالي تتم إعادة توظيف تلك العوائد في ضخ مزيد من الاستثمارات بالسوق المصرية.
أحمد صبور، الرئيس التنفيذي لشركة “الأهلي صبور للتنمية”، يؤكد الفكرة ذاتها في تصريحات صحفية أيضًا، بقوله إن الشركات المصرية تسعى للاستفادة من الطفرة التي تشهدها المملكة في كافة القطاعات الاقتصادية حاليًا.
تسعى الشركات المصرية من خلال التركيز على الإسكان الفاخر على تصدير العقار، فشركة تطوير مصر على سبيل المثال، بلغ متوسط البيع خارج مصر خلال السبع سنوات الأولى من انطلاقها، بلغت نحو 36 %، ووصلت في 2023 إلى نحو 50 %، منها 11 % أجانب.
يُشكل المصريون في الخارج والأجانب 35 % من مبيعات “سيتي أيدج”، بينما ارتفعت إلى 50 % من المبيعات لشركة “MBG للتطوير العقاري خلال النصف الأول من العام الماضي، بينما كانت 60 % من مبيعات شركة “The Land Developers”، “أرمونيا” في العاصمة الإدارية الجديدة من المصريين العاملين بالخارج.
يقول الخبير الاقتصادي نادي عزام، إن شركات القطاع الخاص، منذ فترة لا تركز على إسكان الفئات محدودة الدخل، وتركت تلك المهمة للدولة، وتركيزها انصب على المشروعات فوق المتوسطة، باعتبارها فئات قادرة على الدفع.
يضيف عزام، أن اشتراطات المساحات الخضراء في المدن الجديدة التي تصل إلى 60 % من المساحة، دفعت الشركات لتفضيل الإسكان فوق المتوسط؛ من أجل تحقيق عوائد تعوضها عن ارتفاع أسعار الأراضي، بجانب ظروف السوق من تغير مواد البناء التي جعلت الشركات، تعاني من عدم القدرة على التسعير.
وسمحت الدولة أخيرًا للمطورين العقاريين في العاصمة الإدارية بزيادة طابق إضافي لمشروعاتهم كوسيلة؛ لتعويضهم عن ارتفاع التكاليف، لكن الشركات تخشى في الوقت ذاته من تأثير تلك الإضافة على شكل العقار بالكامل.
يقول مصدر مسئول بوزارة الإسكان، لـ “مصر 360″، إن الطبقات متوسطة الدخل يمكنها الاستفادة من مبادرات التمويل العقاري بالبنوك التي تمنح التقسيط على الوحدات السكنية لمدة تصل إلى 30 عامًا.
يضيف أن الدولة تولي عناية كبيرة بإسكان محدودي الدخل؛ فالمشروعات التي انتهت أو قيد التنفيذ تبلغ مليون وحدة سكنية، بمشروعات الإسكان الاجتماعى والمتوسط، بتكلفة نحو 400 مليار جنيه.
أوضح أنه تم تنفيذ 501 ألف وحدة بالإسكان الاجتماعي، بتكلفة 88 مليار جنيه، وجارٍ تنفيذ 156.5 ألف وحدة أخرى، بتكلفة 48 مليار جنيه، وتم تنفيذ 50.9 ألف وحدة بمشروع “دار مصر”، بتكلفة 16.75 مليار جنيه، وجارٍ تنفيذ 6 آلاف وحدة أخرى.
لكن يبقى السؤال هل هذه المشروعات سيتم طرحها بأسعار في متناول المصريين ذوي الدخل المحدود والمتوسط؟