في محاولة أولى للإجابة عن واحد من الأسئلة الصعبة التي خلفتها “جريمة القرن”، العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وردود الأفعال العالمية والعربية على الوحشية والهمجية غير المسبوقة، أصدر مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” دراسة للباحث هشام جعفر بعنوان “حدود إنسانيتنا.. مستقبل حركة حقوق الإنسان المصرية بعد الحرب على الفلسطينيين”.
لقراءة الورقة البحثية كاملة :
المقال/ الدراسة يرصد الحقائق التي فرضتها الحرب، واستراتيجية العمل الجديدة التي ستجد حركة حقوق الإنسان نفسها مضطرة لالتزامها، وكذا المقصد الأساسي لهذه الاستراتيجية.
ينطلق الكاتب من حدثين، يعتقد أنهما سيرسمان مستقبل حقوق الإنسان في مصر، الأول: تعويم النظام المصري بحزمة من المنح والقروض، والاستثمارات متعددة الأطراف، تزيد عن ٥٠ مليار دولار، والثاني: هو إغلاق القضية المعروفة إعلاميا بالمجتمع المدني، بعد ما يزيد عن ١٠ سنين من فتحها.
وينبهنا إلى، أننا بتنا أمام عصر جديد لحقوق الإنسان على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
ويرى أن هذا العصر الجديد من حركة حقوق الإنسان المصرية- التي تجاوز عمرها العقود الأربعة- يستلزم منها أن تجري حوارا ممتدا، فيما بين الفاعلين فيها حول ملامح هذا العصر الجديد.
ويؤكد أن هذا الحوار يسعى؛ لرفع بعض أنقاض قضايا حقوق الإنسان التي تهدمت؛ بغرض إعادة الإعمار بعد الحرب، وإبراز الاتجاهات المستقبلية التي يمكن أن تأخذها في منطقتنا.
التوحش الإسرائيلي وتواطؤ الاستبداد العربي
ينتقل الباحث لرصد، ما يراه أربع حقائق فرضتها الحرب وهي:
الأولى: تاريخيا، كان هناك ارتباط بين استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وبين ترسيخ الاستبداد العربي، لكن الجديد هو أن هذا الارتباط بات بين التوحش الإسرائيلي المدعوم غربيا، وبين الاستبداد العربي، وصولا للتواطؤ، ومنح الضوء الأخضر لمزيد من الانتهاكات، وتقديم الدعم المالي للأنظمة المأزومة ماليا كتونس، ومصر، بغض النظر عن طبيعتها، في مقابل سكوت الأنظمة العربية عن فظائع الحرب في غزة.
الثانية: الدعم المطلق لإسرائيل– رغم كل الفظائع المرتكبة– سيزيد من تآكل الثقة لدى الجماهير العربية؛ بخصوص مدى فاعلية وعالمية معايير حقوق الإنسان، والديمقراطية التي تتغنى بها الدول الغربية.
الثالثة: الغضب المتزايد– من استمرار الحرب في ظل تواطؤ غربي كبير، وصمت عربي كاشف- لن يسهم إلا في زعزعة الاستقرار الظاهري للأنظمة الحاكمة في المنطقة.
الرابعة في المشهد الحقوقي الوطني والعالمي بروز قوى جديدة، يجب التنبه إلى إمكاناتها وأدوارها المستقبلية.
بعد رصد هذه الحقائق وبلورتها، ينتقل الباحث إلى الاستراتيجيات الجديدة التي يضعها تحت عنوان “من الناس للناس”، معتبرا أن الحقائق التي فرضتها الحرب والحوار حولها، يستدعي استراتيجيات عمل جديدة، عنوانها الأساسي هو “مزيد من تجذير حركة حقوق الإنسان في التربة الوطنية المصرية، بما يستدعي معه إعادة صياغة أدوار وتحالفات الأطراف الدولية فيها”.
من النخبوية إلى الجماهيرية
مشددا على أن ” المقصد الأساسي لهذه الاستراتيجية هو انتقال حقوق الإنسان، من النخبوية الضيقة إلى حركة جماهيرية متسعة، تُبنى من أسفل لا من أعلبروزى، كما جرى سابقا.
ينتقل الباحث بعد ذلك لنقطة شديدة الأهمية، تتعلق بعدد وطبيعة وأساليب مشاركة الأجيال الشابة في دعم القضية الفلسطينية.
ويتساءل: هل يمكن لحركة حقوق الإنسان المصرية، أن تستفيد من هذه الفاعلية الشبابية- خاصة أن السوشيال ميديا، لا تزال تلعب أدوارا في فضح الانتهاكات، وإبراز التجاوزات؟
يرى أنه لن يكون لهذا الانفتاح على مشاركة الأجيال الجديدة معنى، من دون تجذير للحركة برمتها في تربتها المحلية من خلال حركات شعبية داعمة، ومساندة وضاغطة؛ من أجل الإنسان الذي يتمتع بالحقوق غير القابلة للتصرف. وكذا توسيع دائرة المناصرين دوليا بالمراهنة على الشارع، لا الحكومات الغربية في جهود المناصرة والتشبيك.
ويورد الباحث، أن حركة حقوق الإنسان في مصر تعتمد بشكل كبير على التمويل والدعم الأجنبي؛ الذي يأتي جزء كبير منه من البرامج الحكومية الغربية، لكنه يؤكد أن هذا لا يعني، أن الحركة المصرية باتت رهينة للدعم الغربي، فقد اعتمدت عدة استراتيجيات عمل- مستقلة عن الدعم الدولي- بما في ذلك رفع مستوى الوعي لدى المواطنين، وفضح الانتهاكات، وتقديم الدعم والمناصرة.
يخلص الباحث في نهاية ورقته، إلى أن “كل الحروب، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، طويلة أو قصيرة، حاسمة أو غير حاسمة، تختبر بشدة حدود ضميرنا الجماعي، وبها نكتشف حدود إنسانيتنا”.