كثيرون هم من يعتبرون قريبين من دوائر صناعة واتخاذ القرار. يحتمل أن يكون ضمن هؤلاء جوقة محمودة لا تقف على باب الحاكم طلبا لجاه، أو لعطية أو لمنحة أو لهبة، ويحتمل أيضا أن يكون هؤلاء بطانة سوء للحاكم، وهؤلاء قد يضموا عشرات، وأحيانا مئات المنافقين والأفاقين الذين يصورون للحاكم، أنه نصف نبي، ومبعوث عناية إلهية، أتى الله به لهذا الشعب الذي عادة لا يستحقه.
في التاريخ عشرات الأمثلة من هؤلاء، ومن هؤلاء. الأمام على بن أبي طالب كرم الله وجه يقول: إذا رأيت العلماء على أبواب الملوك فقل بئس العلماء وبئس الملوك، وإذا رأيت العكس فقل نعم العلماء ونعم الملوك.
في أيامنا تلك تبدو الصورة الأكثر بروزا صورة بطانة السوء، بالطبع هناك أمثلة عديدة لرجال، ترفض كرامتهم، أن تطالها أي صفة خبيثة أو سيئة؛ للالتصاق بحاكم أو صانع القرار، لكن هؤلاء؛ وبسبب الإعلام لا يظهرون في الصورة العفيفة التي رسموها لإنفسهم، لأن نفوسهم تعف عن مجرد ذكر أسمائهم، وكيف تذكر أسماؤهم، وفي هذا الذكر مساس بكرامة الحاكم بداية!!
على الوجه المقابل، يوجد الكثيرون الذين يزينون للحاكم قراراته، وأحيانا يمخرون في عباب ذهنه بتلك القرارات، التي يتحمل هو مسئوليتها. الصفة الرئيسة لهؤلاء، أنهم من الموظفين في الدولة، والذين يشغلون عادة مواقع رفيعة، والكثير من هؤلاء هم من الإعلاميين الذين يقدمون برامج تلفزيونية، أو يشرفون على صحف وبعض هؤلاء يوصفون، بأنهم قادة الرأي. من هؤلاء أيضا بعض رجال دين، وهؤلاء وجودهم مهم؛ لأنهم يزينون ويشرعون أعمال الحاكم، ويلبسونها أطرا دينية، ويبررون تصرفاته فقهيا، ما يجعل وجودهم ضروريا في دولة مثل مصر، يتسم شعبها بالتدين، وفي ظل مناخ الأمية التعليمية والثقافية، فإن رجال الدين هنا عادة ما يقوموا بتعبئة البسطاء خلف قرارات الحاكم. صنف آخر من بطانة السوء، وهم بعض كبار رجال الأمن، وهؤلاء أيضا هم القائمون على أمن الحاكم ونظام حكمه قبل أمن الدولة ذاته، وهم يتحكمون في أدوات القهر والتسلط بحكم منصبهم، ومن ثم فهم على قدركبير من التسلح المادي وليس الذهني، ما يجعل جل أفكارهم، ترتبط باستخدام القوة، والقليل من هؤلاء من يرغب في التفاوض والمساومة كوسيلة؛ لترويض المعارضة. هناك أيضا فئة رجال الأعمال، حيث يكون بعض هؤلاء يسعون؛ لتزييف الحقائق أو إغداق أي عمل رسمي بالتبرعات (التسويق لصانع القرار بالدعاية الانتخابية إبان الاستحقاقات الاقتراعية)، وذلك أملا في تسيير أعمالهم، وحصولهم على منح إعفاءات جمركية أو ضريبية أو خلافه.
كافة هؤلاء البطانة السيئة، هم من يرغبون بالطبع في بقاء الأمور على حالهـا، فالتغيير بالنسبة لهم يعنى دمارهم، أقصى ما يمكن أن يتبناه هؤلاء هو الإصلاح، لكن بدرجات تختلف حسب تدهور الأوضاع السياسية والأمنية، كما أنه لكون هؤلاء البطانة السيئة درجات، حسب قربها من صانع القرار، فبعض من هم في الدرجات المتدنية، قد يقبلون بما يمليه عليه أصحاب الدرجات العليا، ممن هم الأكثر قربا من الحاكم. بعبارة أخرى، قد تطاح أي قرارات للإصلاح بالبطانة البعيدة لصالح البطانة القريبة، التي تظل تتشبث في مواقعها، أملا في المزيد من استنزاف المقدرات الاقتصادية، وأملا في ألا يطالها أي ضرر أو مساس بوضعها حال حدوث أية تغيرات درامية، تطال أية خلافة سياسية في السلطة.
إضافة إلى ذلك، يعتبر الكثير من بطانة السوء، أن تزيين الأمر للحاكم أو تبجيل قرارته أو تقديسها قد يكون الهدف منه الترقي، والوصول إلى مراتب أرقى، هؤلاء يدركون ويعون بشكل كبير، أن الأمور اليوم تسير في اتجاه تفضيل أهل الثقة، وليس أهل الخبرة. بعبارة أخرى، من الملاحظ أن هناك عديد المناصب الرفيعة في الدولة المصرية يستحوذ عليها قلة قليلة من الناس، وبعضهم تجاوز السن القانونية، كما أن بعض الشخصيات قد تجمع بين منصبين أو أكثر، في حين أن هناك أناسا آخرين أكثر مقدرة وخبرة مستبعدون من الترقي؛ لمجرد أنهم غير مجاملين أو ممالئين، هؤلاء لا يخشون في الحق لومة لائم، لديهم قناعة بأن جهرهم بحقيقة خلاف ما يراها صانع القرار هو أمر نابع من العلم والخبرة التي ليس من الضروري، أن يكون صانع القرار ملما بها، لذلك فهؤلاء وفي إطار الرغبة في تسويق، ما يراه صانع القرار، يستبعد هؤلاء، ويحل محلهم الآخرون الذين ربما يكونوا أكثر جهلا وفكرا سطحيا.
المؤكد، أن المال يلعب دورا كبيرا في قيام بطانة السوء بتزيين ما يراه الحاكم أو صانع القرار، فهؤلاء يسعون إلى مواقع يدركون، أن من يستحوذ عليها يكنز المال بشراهة، أو أن هؤلاء هم من يقومون بتزيين قرارات الحاكم وتبريرها؛ أملا في بقاء هؤلاء في مواقعهم لمدد أطول، ما يجعلهم يكنزون الأموال بشكل مبالغ فيه. وهؤلاء عادة ما يكونوا ضيقي الأفق، وعادة ما يكونون أكثر جهلا، لكن طبيعة أحاديثهم وأسلوب كتاباتهم تؤهلهم للبقاء والترقي، ومضاعفة ما يحصلون عليه، وإغماض عين أجهزة الرقابة المالية عن ثرواتهم؛ بسبب ما يسوقونه من أفكار؛ لتبرير تصرفات صانع القرار. خذ على سبيل المثال وجود ثلة من مقدمي البرامج التلفزيونية والأرقام الخيالية التي يسمع عنها المرء، والتي تصل إلى ملايين الجنيهات شهريا، يحصل عليه هؤلاء، نظير تقديم فقرات تلفزيونية، وتقديم ضيوف على ذات الشاكلة، تسوق وتبرر وتزيف الحقائق؛ أملا في البقاء والمزيد من تكنيز المال. هنا يحضر الكاتب، ما سأل به عالم الاجتماع السيد ياسين، كاتب هذه السطور ساخرا “هو مقدم برنامج كذا أو برنامج كذا بيخترع الذرة في برنامجه؛ ليحصل على تلك الملايين كل شهر!!”.
واحد من أهم النصائح التي يمكن أن تقدم لصانع القرار في هذا المضمار، هو سرعة الخلاص من كل هؤلاء، حتى ولو بشكل تدريجي، فقد لاحظنا إبان عهد مبارك، أن الكثير من بطانة السوء قد قفزت من المركب حال استشراف الغرق، ليس هذا فحسب، بل أن الأكثر غرابة وعجبا، أن الكثير من هؤلاء لم يتبرأ من أعماله أويستنكرها، بل أنه نفى عدم قيامه بها أصلا، وكال كل الأوصاف السلبية على نظام الرئيس مبارك الذي سبق له، أن مدحه واستفاد منه بشكل كبير إبان حكمه. بعبارة أخرى، فإن البطانة السيئة لا تظهر معدنها الصَدِئ إلا بعد انتهاء الاستفادة من الوضع الذي عملت به، وهو عادة وقت تغيير الأوضاع وليس إصلاحها.
في فترة رئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة، والحالية من المهم فتح المجال العام، من المهم الاستماع للمعارضة، الرأي الآخر هو السبيل الذي من خلاله ترتقي الأمم. ليس من المفضل أن تكون مصر في أدنى كافة السلالم الدولية، التي كتب عنها الإعلام مؤخرا، وذلك في إنجاز العدالة، ووضع المرأة، والشفافية ومكافحة الفساد، والسعادة، واختيار أسوأ النظم الانتخابية المهجورة عالميا (القائمة المطلقة)، ومكانتها بتقرير التنمية البشرية الأخير… إلخ.
مصر تستحق ما هو أفضل. تستحق أن يمد كل مخلص يده؛ لتحقيق البرنامج والأهداف التي ذكرها الرئيس في بدء ولايته الجديدة في خطابه يوم 2 إبريل2024. لا شك أن اختيار البطانة الصالحة التي دوما ما تكشف المثالب قبل المحامد، هي ما يجعل نظام الحكم يستحوذ على الشرعية من قبل الشعب.