بدأت دول الخليج في تغيير سياستها، إزاء استقطاب العمالة المصرية بالتركيز على استقطاب الكفاءة من ذوي الياقات البيضاء “المهن المكتبية مثل، محاسب ومُبرمج”، وتقليص الطلب على ذوي الياقات الزرقاء “عمال الإنتاج والمخازن” خلال الربع الأول من العام الحالي.
وفرت دول الخليج 40% من الفرص المتاحة للمصريين للتوظيف في مصر خلال الفترة من يناير، وحتى مارس الماضي، بحسب دراسة حديثة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، حول تحليل الطلب في سوق العمل، التي اعتمدت على طلبات الوظائف المنشورة على مواقع التوظيف المصرية.
انحصرت %75 من الوظائف في جميع الدول الخليجية في 8 مجالات هي: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إدارة الأعمال، الهندسة المدنية والمعمارية، المحاسبة والمالية، تطوير الأعمال، اللوجستيات”، ولكن باختلاف الوزن النسبي لكل من تلك الوظائف من دولة لأخرى.
أظهرت طلبات التوظيف الخليجية، التي تم نشرها على مواقع الانترنت المصرية تركيزا كبيًرا من دول الخليج على “المعلومات والاتصالات”، إذ كان المجال الأكثر طلبًا للوظائف في السعودية، واحتل المركز الثاني في الإمارات، وقطر، والخامس في الكويت.
بحسب بيانات وزارتي الخارجية والهجرة والمصريين في الخارج، فإن العمالة المصرية بالسعودية تقدر بنحو 3 ملايين عامل، بعدما عاد مليون منها في أعقاب جائحة كورونا، مع التأكيد على تأثر توظيف المصريين بحملات إحلال العمالة المحلية محل الأجنبية، خاصة الكويت التي عاد منها عدد كبير من المدرسين المصريين.
يظهر التركيز على التقنية والمعلوماتية وإدارة الأعمال سعي دول الخليج؛ لتنويع اقتصادياتها، حاليًا، في عصر ما بعد النفط لتأهيل الكوادر المحلية، فأغلب الفرص المتاحة للوظائف بدول الخليج من داخل تلك الدول، وليس من خارجها، بجانب التركيز في المقام الأول على العناصر ذات الخبرات.
من المفارقات، أن جميع الوظائف التي تم طلبها في الخليج تشترط مؤهل عالٍ، بدون أي طلب للماجستير والدكتوراه، بينما لم تشترط 97% من الوظائف النوع، فيما كانت فرص النساء في اشتراطات المهن أكثر من الرجال بنسبة 2.5% للمرأة مقابل 0.2% للرجل.
ما المجالات التي طلبتها دول الخليج؟
وفرت دول الخليج 8373 وظيفة للعمالة المصرية، في ألفيّ شركة خلال الربع الأول من 2024، وكانت الإمارات الأكثر طلبًا بـ 52% من إجمالي الوظائف المطلوبة من مصر، تليها السعودية بـ 37%، ثم قطر 8% فالكويت 3%.
18% من الوظائف التي طلبتها السعودية، تركزت في تطوير البرمجيات تليها الإدارة وخدمة العملاء بـ 11% لكل منهما، ثم محاسبة وتمويل بـ 10% فتطوير أعمال بـ 8%، ثم تركيب وإصلاح وصيانة بـ 7%؛ فتصميم ولوجسيتيات بـ 3% ورعاية صحية، ودعاية وإعلان وتشغيل بـ 3%، ثم البحث والتطوير بـ 5%.
16% من الوظائف التي طلبتها الإمارات تركزت في تطوير البرمجيات خدمة العملاء، ومحاسبة وتمويل بـ 12% لكل منهما، فتطوير أعمال وهندسة معمارية بـ 7% لكل منهما، ثم تركيب وإصلاح وصيانة بـ 6%، ثم دعاية وإعلان وتصميم بـ 4% لكل منهما، تليها ضيافة فندقية بـ 3%، ثم البحث والتطوير بـ 5%.
بالنسبة لقطر، كانت 14% من الوظائف التي طلبتها بمجال تطوير البرمجيات، ثم محاسبة وتمويل بـ 13%، ثم خدمة عملاء بـ 12%، فتركيب وإصلاح وصيانة بـ9%، ثم هندسة معمارية بنسبة 7%، فدعاية وتصميم وتطوير أعمال بـ 4% لكل منهما، تليها ضيافة فندقية بـ 3% .
الكويت كان لها توجه مخالف، إذ ركزت على الإدارة بنسبة 17%، تليها خدمة العملاء بـ 15%، ثم تركيب وإصلاح بـ 11%؛ فالتدريس بـ 10%، وتطوير البرمجيات 9%، ثم محاسبة وتمويل بـ 7%، وتطوير أعمال وتصميم بـ 5% لكل منهما، وأخيرًا لوجستيات 4%، وهندسة مدنية 3%.
مركزية شديدة في توفير الوظائف بمصر
رغم حديث الحكومة عن توفير فرص عمل بجميع المحافظات كأحد وسائل مواجهة الهجرة الداخلية، ما زالت المركزية الشديدة في إنتاج الوظائف مستمرة بشكل فج، إذ يتركز %87.3 من إنتاج الوظائف بالقاهرة وحدها.
توزعت النسبة المتبقية بين المحافظات الحدودية بنسبة 0.3%، والقناة بنسبة 1.3%، والوجه البحري بنسبة 3.5%، والوجه القبلي بنسبة 0.5%، والإسكندرية بنسبة 7.1%، يأتي ذلك رغم أن العاصمة تمتلك 19% فقط من السكان، مقابل 42% للوجه البحري و29% للوجه القبلي، و5% للإسكندرية، و3% للقناة، و2% للمحافظات الحدودية.
حتى في العاصمة ذاتها، كانت المركزية واضحة، إذ استأثرت القاهرة الجديدة بـ 34% من الوظائف، تليها المعادي ومدينة نصر بـ 19% لكل منهما، ثم هليوبوليس بنسبة 8%، أي أن حصة القاهرة نحو 79% من الوظائف في القاهرة الكبرى، مقابل 21% للجيزة.
ارتفاع إنتاج الوظائف البيضاء
بالنسبة للسوق المصرية، ارتفع إنتاج الوظائف الجديدة لذوي الياقات البيضاء خلال فترة الدراسة مسجلاً نحو 22 ألف وظيفة تقريبًا، مقارنة بالربع السابق الذى سجل نحو 19 ألف تقريبا، وكان قطاع خدمة ودعم العملاء هو الأكثر إنتاجا للوظائف بنحو %30.1 من وظائف المنتجة خلال الربع الأول من العام الحالي يليه المبيعات والتسويق.
بلغ إنتاج قطاع الدعاية والإعلان للوظائف في الربع الأول من العام الحالي 8.6% فقط من الوظائف في مقابل 7.8%؛ لتطوير البرمجيات، بينما بلغت حصة الإدارة 7.4% والمحاسبة 6.1% والهندسة المعمارية 6% وتطوير الأعمال 5.9% والصيانة والإصلاح 2.2% واللوجستيات والموارد البشرية 2.2% والهندسة الكهربائية والميكانيكية 1.7% والصيانة والإنتاج 1.6% والتصميم 2.,8% والمبيعات والتجزئة 4.6%.
مقارنة نوعية الطلب على الوظائف بمصر، يظهر الكثير من المفارقات حول توجيهات الاقتصاد المحلي، ففي مصر كان الطلب على تطوير البرمجيات 8%، مقابل 16% بالخليج، والإدارة 7% في مصر، مقابل 15% في الخليج، والهندسة المدنية 6% بمصر، مقابل 8% للخليج، وتطوير أعمال 6% في مصر، مقابل 7% للخليج، والتركيب والصيانة 2% بمصر، و7% في الخليج.
في المقابل كان الطلب في مصر على خدمة العملاء 30%، مقابل 13% للخليج والدعاية والإعلان 9% بمصر، و4% بالخليج والتدريس 2% بمصر، مقابل 1% في الخليج، وتساوى الطلب في الموارد البشرية؛ ليبلغ 2% بمصر، والخليج على حد سواء.
تراجع خريجي المهن الفنية رغم المبادرات
بحسب الدراسة، ينتج الاقتصاد المصري نصف ما كان ينتجه من وظائف لذوي الياقات الزرقاء منذ عامين، ولا تمثل الوظائف الصناعية سوى 10% فقط في المتوسط من إجمالي إنتاج الوظائف بمصر، فضلا عن اشتراط 62% من وظائف ذوي الياقات الزرقاء “ذكور”.
كما تظهر النتائج تزايد إنتاج الوظائف الصناعية بشكل مستمر، منذ بداية 2023 بعد تراجع متواصل في 2022، بينما تعافى القطاع السياحي نسبيًا خلال النصف الأول من 2023، وتراجع مرة أخرى في الربع الثالث 2023 قبيل الأحداث في غزة.
وتراجع الطلب على الوظائف الصناعية مرتبط باشتراطات أصحاب العمل، فـ 38% منهم على الأقل، يطلبون في الوظائف ذوي التعليم العالي، وهو ما يمثل هدرا للموارد البشرية، وتوظيفها في غير موضعها، بحسب الدراسة.
الدكتورة عبلة عبد اللطيف، المدير التنفيذي ومديرة البحوث بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية، تقول إن الدراسة تظهر مشكلة تراجع مهارات العمالة، وخاصة الخريجين، ما يتطلب تغييرًا هيكلًيا ومؤسسيًا فى منظومة التعليم بالكامل، وليس فقط برامج لتأهيل العمالة بعد التخرج، باستثناء قطاع التكنولوجيا الذى يعمل بشكل جيد.
أضافت أن هناك حاجة لاتخاذ كل الخطوات اللازمة من قبل الحكومة؛ للحفاظ على الكفاءات من الشباب بهذا القطاع؛ نظرا للطلب المرتفع عليهم بالخارج، مطالبة بضرورة وجود قاعدة بيانات للعمالة المصرية بالخارج، والعمالة العائدة، وخبراتهم ومجالات عملهم، حتى يمكن الاستفادة من هذه الخبرات، بحسب ما تقول.