لا يستطيع أحد قِصر المرض النفسي على شخص دون آخر، أو نوع دون غيره، إلا أن سمة اختلاف في الأمر فيما يتعلق بالنساء وموقعهن على خريطة الأمراض النفسية، لأنهن يمتلكن سمات وخصائص مُختلفة، ترفع معدلات إصابتهن بالمرض النفسي، ويرجع جزء منها لأسباب بيولوجية مثل تغير الهرمونات، كما يخضع الأمر لعامل السن والمرحلة العمرية التي تمر بها كل أنثى، بخلاف العوامل الاجتماعية المُحيطة بكل امرأة دون غيرها، وكم الضغوط والمشكلات المُحيطة بها.
كل هذه العوامل تجتمع معًا لتضع النساء في صدارة هرم المرض النفسي على مستوى العالم، فوفقًا لإحصائية بريطانية صادرة عام 2013، وجد أن 15% من النساء يعانين من أمراض نفسية متوسطة وشديدة الخطورة، وهي نسبة تُعد غير مطمئنة على مستقبل الصحة النفسية والعصبية للإناث عالميًا.
وأرجع العلماء وقتها هذه النسب، إلى تعرض النساء لكم من الضغوط الاجتماعية والإنسانية تفوق الرجال بحكم طبيعة المجتمعات، وتبين أن هناك أمراض واضطرابات بعينها تتفوق فيها النساء على الرجال.
اكتئاب وقلق
تبين مؤخرًا ارتباط المصطلحين ببعضهما البعض، على الرغم من أنهما اضطرابين مختلفين علميًا، إلا أن وجود أحدهما ينم عن احتمالية كبيرة لوجود الآخر.
وأقرت الإحصائية البريطانية سالفة الذكر، أن أكثر الأمراض المُنتشرة بين النساء أكثر من الرجال بصورة ملحوظة هي الاكتئاب الحاد، الذي يدفع المصابة به لنوبات حزن شديد، يصاحبها التفكير في الانتحار بنسبة كبيرة.
وذكرت الدراسة، أن السبب في ذلك يرجع إلى أن الرجل غالبًا توجد لديه خيارات كثيرة في الحياة وقت التعرض لمشكلات أو أزمات أكثر من المرأة، التي تتحول الحياة أمامها للون واحد مموه غير واضح لا تستطيع أن ترى من خلاله أي طرق للحل، وهو ما يزيد بشكل تلقائي من تعرض النساء لـ “قلق مرضي” وهو أكثر الأمراض النسائية النفسية والتي عادة ما تصيب المتزوجات.
الدكتورة عزة عبد الكريم استشاري الأمراض النفسية والعصبية، تقول إنه لا توجد إلى الآن دراسة توضح السبب في إصابة المتزوجات، وخاصة الأمهات منهن بالقلق المرضي أكثر من غيرهن من الإناث اللاتي لم يسبق لهن الزواج، إلا أن التفسير المنطقي الوحيد لها، هو تركيز الأم في مشكلات أبنائها بشكل متعمق أكثر من غيرها، هذا بخلاف مرورها بمشكلات عديدة خلال مراحل عمرها المختلفة، وهو ما يضاعف خوفها وأزماتها.
الشره العصبي
اضطراب وخلل شديد، يتعلق بالإفراط في تناول الطعام، ومن يعاني من هذا المرض يضطر لتناول الطعام بكميات كبيرة وأكثر من التي يحتاجها الجسم، إذ يُعاني من فقدان القدرة على التحكم في الطعام، وغالبًا ما تُصاب الإناث بهذا الاضطراب أكثر من الرجال، وفقًا لما أوضحته الدكتورة عزة عبد الكريم، والتي أكدت أن خطورة هذا المرض تكمن في رغبة تلك الفتيات في التخلص من السعرات الحرارية التي تدخل أجسادهن جراء هذا الاضطراب، فيلجأن للتقيؤ المتعمد، بشكل يومي منتظم عقب تناولهن الطعام، مما يزيد من احتمالية إصابتهن بالتهابات جدار المعدة، مع فقدان العصارات المعوية وهو ما يصيبهن بقرح المعدة.
وأوضحت عبدالكريم، أن الفئة العُمرية المُعرضة لهذا المرض غالبًا ما تكون في سن المراهقة، بسبب فرط تناول الطعام الناتج عن الضغوط النفسية، كما يتعلق أيضًا بتقلبات المزاج للأنثى في فترات الحيض، وخلال مواجهتها الضغوط المجتمعية المختلفة.
وسواس قهري
رغم انتشار الاضطرابات النفسية التي تتعرض لها النساء، إلا أن أخطرها على الإطلاق هو الوسواس القهري الذي يتسم برغبات متطرفة جامحة لا يمكن السيطرة عليها.
الوسواس القهري، هو مخاوف غير منطقية ناتجة عن القلق المرتفع، لأشخاص غالبًا ما يكونون على قدر عال من الوعي بمشكلاتهم وأعراضها، لكنهم لا يستطيعون تغييرها، مثل الخوف من عدوى الجراثيم مثلًا بشكل غير منطقي، فيقوم الشخص المصاب بغسل يديه بشكل هيستيري حتى تحدث لديه ندوب جلدية.
وفي هذا الصدد أوضح سامح عز الدين استشاري الأمراض النفسية والعصبية بجامعة القاهرة، أن اضطراب الوسواس القهري، لابد أن يكون من أمور غير منطقية وبشكل مبالغ فيه، لأنه لو كان الخوف من أمور منطقية فيصبح الأمر خوف طبيعي، يخرج عن إطار الوسواس القهري.
وذكر أن شرط الوسواس القهري، هي وعي صاحبه لما يعانيه من آلام ومشكلات، ورغبته في حلها أو التخلص منها، وقد وجد العلماء أن النساء أكثر إصابة بالوسواس القهري من الرجال، خاصة الوسواس المتعلق بالنظافة، وغسل اليدين، وهو منتشر جدًا بين النساء، خاصة في مصر، وتسبب في حالات عديدة من الانفصال بين الأزواج، والمشكلات الأسرية الشائعة.
فروق فردية نسائية
الفروق في الإصابات النفسية لا تقتصر على الفرق في النوع بين الرجال والنساء فحسب، فهناك فروق بين النساء وبعضهن البعض، خاصة فيما يتعلق بقدرتهن على مواجهة الأزمات والتعامل معها، فهناك نساء يتسمن بتقبل الأمر الواقع، والانهزامية بعض الشئ، وهناك أخريات على قدر عال من رفض الواقع ورفض أي هزيمة قد تلحق بهن، وهن أكثر قدرة على تخطي اضطراباتهن النفسية بسلام.
يدخل عامل السن في تحديد رد فعل كل أنثى على الاضطرابات النفسية بشكل كبير، فالفتيات في مرحلة المراهقة أكثر عرضة للتذبذب النفسي عن غيرهن في مراحل متقدمة من العمر، كذلك النساء في مراحل متأخرة من العمر يتراجع أداؤهن في التعامل مع الضغوط، ويعدن لمرحلة المراهقة من حيث قدرتهن على تخطي الأزمات.
إلا أنه في كل الأوقات ترى منظمة الصحة العالمية، أن النساء في جميع مراحل عمرهن، لديهن فرص أكبر في تلقي العلاج والتعافي بشكل أكبر من الرجال.
نساء الشرق الأوسط
على الرغم من أن النساء هن النساء في العالم أجمع، إلا أن النساء في الشرق الأوسط لهن طابع خاص حتى في اضطراباتهن النفسية، وهو ما أوضحته دراسة برازيلية لمعهد “كلوديا” المتخصص في شؤون الأسرة والمرأة، حيث تبين أن تقييد النساء بالعادات والتقاليد، واضطراب العلاقة بين الرجل والمرأة في دول الشرق الأوسط، هما المسؤولان عن الأمراض النفسية التي تُعانيها المرأة أكثر من الرجل، خاصة في دول العالم الثالث، التي تتسم المرأة فيها بالهشاشة العاطفية أكثر من المرأة الأوروبية، وما يعززه من ضغوط المجتمع عليها، وهو ما يزيد احتمالية إصابتها بالأمراض النفسية، مع الأخذ في الاعتبار أن كل هذه الاضطرابات من شأنها أن تزيد من تفكير المرأة في الانتحار والتخلص من حياتها، والذي يمثل بالنسبة لها، تخلصًا من الضغوط والأعباء وخيبات الأمل المتكررة.