باستثناء خطة بيني جانتس عضو المجلس الوزاري الضيق المكلف بإدارة الحرب في إسرائيل، لم يبلور أي طرف مشروعا متكاملا لإنهاء الحرب في غزة، ولإدارة القطاع في اليوم التالي للحرب، أما أهم النقاط الست في مشروع جانتس، فيما يتصل بحرب غزة فهما نقطتان: الأولى تكوين إدارة مدنية دولية/ عربية/ فلسطينية، تكون هي المسئولة عن تصريف الشئون المدنية لسكان القطاع، وبشيء من التفصيل، يتصور جانتس مشاركة أمريكية وأوروبية في هذه الإدارة، جنبا إلى جنب مع مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، والنقطة الثانية، هي احتفاظ إسرائيل بالمسئولية الأمنية في غزة ،بعد الحرب.

جانتس من جانبه، ولإعطاء مبادرته مصداقية قدم الخطة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وحدد له يوم السبت ٨ يونيو المقبل موعدا نهائيا للقبول، أو الرفض على أن يقدم استقالته من حكومة الحرب، إذا رفض نتنياهو الخطة، وهو الأرجح، بسبب المنافسة السياسية بين الرجلين، التي من المؤكد أن يكسبها جانتس، إذا اعتمدت مبادرته، وكانت هي أساس الحل للمشكل بالغ التعقيد في غزة، كما تتضمن مبادرة جانتس نقاطا أخرى شائكة في الشأن المحلي.

من الثوابت، أن جميع الدول العربية. رفضت من قبل المشاركة في قوات حفظ سلام أو في إدارة مدنية في غزة، وكان مبرر هذا الرفض هو أن هذه الدول لا تريد، أن تقوم بدور مدني أو عسكري لحساب الاحتلال الإسرائيلي وتحت إشرافه.

غير أن هذا كله يأتي تمهيدا؛ للسؤال المطروح في عنوان المقال، إذ بينما يبحث الإسرائيليون في اليوم التالي لا يوجد مسئول عربي واحد، تبني مشروعا لمستقبل غزة، كما لا توجد دولة عربية، تقدمت بمثل هذا المشروع، بل إن جامعة الدول العربية لم تطرح مبادرة، بالرغم من اجتماع مجلسها على المستوى الوزاري مرتين على الأقل، منذ اندلعت حرب غزة.

ليس ضروريا، أن يكون المشروع العربي مقبولا للجميع، وإنما المهم أن تقبله حماس كأساس للتفاوض، مثله مثل المشروعات الأخرى، وأهمها طبعا مشروع جانتس، إذ من المؤكد أن ترفض حماس أي مشروع، يقصيها من المشاركة في حكم غزة، حتى ولو كان مشروعا عربيا، وبالطبع فإن إسرائيل سترفض أي مشروع يبقي حماس شريكة في حكم غزة، لكن هذ هو التحدي الذي على الدبلوماسية العالمية والعربية مواجهته، حتى لا تبقى المعادلة صفرية، بين ما تريده إسرائيل، وما تريده حماس.

سيلفت النظر. أيضا أنه لم يتقدم مركز بحث استراتيجي عربي من أية دولة باجتهاد في الإجابة عن سؤال مستقبل غزة، على الرغم من كثرة هذه المراكز والمجالس، بل ولم يعقد أي من هذه المحافل وغيرها جلسات عصف ذهني للخبراء، من خارج الدوائر الرسمية، لسد حاجة الحكومات العربية من المقترحات والمبادرات.

إن الاعتذار مقدما بتوقع الرفض من إسرائيل وحماس، لا يكفي للامتناع عن طرح مشروعات، ومبادرات عربية، فهي إن لم تفد لن تضر، غير أنها محققة الفوائد، إذ تنقل الدبلوماسية العربية من حالة المفعول به إلى حالة المشاركة في الفعل، و تضمن لهذه الدبلوماسية قدرا من احترام المواطن العربي، وتجعلنا أمام العالم رقما له قيمة، وليس كما مهملا، خاصة وأن إسرائيل تحتاج المشاركة العربية في مستقبل غزة وفقا لمبادرة جانتس مثلا، وكذلك الولايات المتحدة تحتاج الدور العربي في مفاوضات وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن، التي تقوم فيها مصر وقطر بدور رئيسي، فضلا عن مفاوضات السلام المؤقت، وجهود الحل النهائي، فهذه كلها أوراق مهمة في أيدي العرب، تجعل لهم حساب في الجهود الحالية والجهود المستقبلة.

إن هذا المقال رسالة موجهة إلى السيد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية للمبادرة بتأليف مجموعة عصف ذهني؛ لوضع مشروع عربي، يصلح أساسا للتفاوض؛ لإنهاء حرب غزة، في المرحلة الأولى، ثم اقتراح المسار البديل نحو إحياء مفاوضات الحل النهائي، سواء كان حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة.