عدد الأجانب في مصر، أصبح الآن يثير مشاكل كثيرة، حالة كبيرة من الغموض حول الأعداد والجنسيات، وأماكن التواجد. واحد من أبرز المشكلات المحيطة بالموضوع مرتبط بتعريف اللاجئ، فاللاجئ وفقا لتعريف الأمم المتحدة، هو كل إنسان فار من الحروب والنزاعات الدولية. وتعتبر المفوضية السامية للأمم المتحدة، أن إحصاء عدد اللاجئين مرتبط بقدوم الشخص إلى مكتب المفوضية أو مخاطبها بريديا لطلب اللجوء. على أن اللاجئ بشكل عام وواقعي، هو من قدم للبلاد، واستقر فيها لأكثر من عام، وضمن ذلك من فر من الحروب والنزاعات أو لسبب آخر، ثم دخل البلاد بصورة شرعية عقب قبول طلب اللجوء أو الدخول العادي، أو من دخل البلاد بشكل غير شرعي. وقد يكون من دخل البلاد بسند شرعي بقى بها بسند غير شرعي (كسر تصريح الإقامة أو الفيزا).
وكانت مصر من البلاد الدائمة الترحيب بالأجانب بغض النظر عن سبب القدوم، وكان عدم الخشية من تلك الإقامة قد ارتبط بطبيعة البلاد، التي تكسرت فيها على مر السنون، المذاهب والأعراق والثقافات وربما اللغات، فسار الجميع يتطبع بالطابع الثقافي المصري رغم هويته الدينية أو العرقية أو الثقافية، ما جعل المصريين لا يخشون أبدا من قدوم أو استضافة الأغيار.
لكن المشكلة ظهرت في العقد الأخير مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ضربت البلاد، وساهمت في ارتفاع معدلات التضخم، واستشراء الغلاء، وانخفاض الدعم السلعي والخدمي، وكذلك زيادة معدلات الفقر، وارتفاع نسبة البطالة المصحوبة بانخفاض الاستثمارات وزيادة الدين الخارجي، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وعدم قدرة الرواتب والدخول على مسايرة كل ذلك من أمور.
في كل مكان في مصر اليوم، يجد المرء السوريين، وقد استشروا في كافة الأعمال التجارية، خاصة ما يخص منها الأغذية، سواء محلات الوجبات السريعة أو محلات الخضروات والفاكهة أو الحلويات واللحوم. وكان هؤلاء في السابق يتسكعون في الشوارع؛ طلبا لحاجة من هذا أو ذاك، اليوم تغير الحال وأقام هؤلاء أعمالهم التجارية، وجذبوا إليها أقرانهم، وحاز الكثير منهم على رضاء وإعجاب المصريين؛ بسبب رفضهم لاستمرار حالة العوز، ولطرائق تعاملهم مع الناس تجاريا، وتفوقهم على الكثير من المصريين الذين لم يصبروا على معاناة الحياة، ولم يطيقوا جلد الشارع، فبقى نفر منهم في المنزل؛ لينضموا لطوابير البطالة؛ بسبب انتظار أجر عال لن يأتي. لكن رغم كل ذلك، فالمؤكد أن هؤلاء السوريين وغيرهم شغلوا مواقع كان من الممكن أن يشغلها المصريون.
غاية القول، أن الترحيب المصري بالأغيار اختلف نسبيا، بسبب الأوضاع الاقتصادية، إذ أصبح ينظر إلى الأجانب نظرة اللاجئين بالمعنى الحرفي للكلمة، فبدلا من الترحيب المطلق بكل هؤلاء دون استثناء، أصبحت هناك حالة من الخوف الدائم من كثرة أعدادهم وتأثيرهم على السلع والخدمات وأماكن تركزهم، بل وطال الخوف التأثر بعادات هؤلاء.
وتحدد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، عدد اللاجئين في مصر بنحو ـ600 ألف، ينتمون إلى 62 دولة، وهي في هذا تقصر عددهم على الفارين من الحروب والنزاعات ويخافون العودة إلى بلادهم، ومن يسجلون أسماءهم بمكاتبها، وهي من تختار ضمنهم الأولى بالرعاية المالية، فتمنحهم مبلغا من المال يصل إلى 600 ج شهريا، تدفعها الدول المانحة للمنظمة وجميعها دول غربية، أو تنتمي لتلك الثقافة كالولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا والسويد واليابان وكوريا الجنوبية وكندا وأستراليا. وتصنف المفوضية هؤلاء، بأن منهم 324048 سودانيا و156191 سوريا و41733 من جنوب السودان و35612 إريتري و18281 إثيوبيا و8665 يمنيا و7908 صوماليين و5676 عراقيا، والباقي أعداد أقل تنتمي إلى 54 جنسية مختلفة.
وتبدو الغرابة في الأمر عند الإشارة، إلى أن مصر بها واقعيا 9 ملايين لاجئ. ورغم أن العادات المصرية جرت على تسمية هؤلاء بالضيوف، إلا أن هؤلاء عمليا وعلميا في حكم اللاجئين، لأنه ينطبق عليهم ذات الشروط آنفة الذكر. ويقدر مجلس الوزراء والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تصنيف هؤلاء، بأن منهم 5 ملايين سوداني و1,7 مليون يمني، وأكثر من مليون سوري ومليون ليبي. ويقول وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار، إن هؤلاء اللاجئين ينتمون إلى 133 دولة، وأن 50,4% منهم من الذكور، وهم يمثلوا نحو 8,7 من عدد السكان، وأن 56% منهم يقيم في 5 محافظات هي القاهرة والجيزة والاسكندرية والدقهلية ودمياط، وأن 60% منهم يعيشون بمصر منذ 10 سنوات، و6% مندمجون داخل المجتمع المصري منذ 15 سنة أو يزيد، وأن 37% من كل هؤلاء يشغلون وظائف ثابتة، ويعملون بشكل مستقر في عدة شركات (موقع العربية 8/1/2024).
من هنا يتبين أن الكم الأكبر من اللاجئين هم من قدموا إلى مصر من البلاد التي شهدت عدم استقرار بعد أحداث العنف بسبب الصراعات الداخلية بها (السودان تحديدا) بها أو عقب ثورات الربيع العربي في (سوريا واليمن وليبيا بشكل خاص).
لكن رغم كافة تلك البيانات، فإنه على عكس البيانات الدقيقة التي تمتلكها الحكومة المصرية بشأن المصريين، وأماكن تواجدهم وديانتهم ونوعهم وأعمارهم، فإنه بالنسبة للاجئين لا يمكن الجزم بصحة أي رقم من تلك الأرقام، فكلها بيانات تقريبية أقرب للصحة، ولكنها يعوزها الدقة، ما يجعل على مصر عبء ضرورة حصر هؤلاء بدقة، ليس فقط لأسباب أمنية ودواعي سياسية وهذا يكفي، لكن أيضا لدواعي اقتصادية على النحو الذي سيذكر لاحقا.
هنا من المهم الإشارة، إلى أن وجود اللاجئ هو عبء كبير على الدولة في أي مكان، وإلا ما تحفظت كافة الدول تقريبا على استقبال اللاجئين، فحددت أعدادهم، وحددت مهنهم، وتدخلت في أماكن تواجدهم على أرضها، ووضعت أسسا مرتبطة بوضعهم الاقتصادي، وكيف يمكن لهم أن يكونوا مصدر إضافة لها. لذلك فإن مصر من المهم، أن تواجه تلك المشكلة الخطيرة، لأن الوضع الحالي من الصعب استمراره، فهذا العدد الكبير من اللاجئين، يتمتع بحقوق كثيرة، ربما تكون أكبر مما يتمتع به المصري، فهم يتلقون التعليم في مؤسسات الدولة بالمجان، ويحصلون على عديد السلع والخدمات المدعمة، وعلى رأس ذلك الخدمة الطبية في مستشفيات الدولة من تطعيمات وعلاج وخلافه، ورغم ذلك فإن هؤلاء لا يطالب من غير المسجل منهم (وهم الأغلبية) دفع الضرائب كما يفعل المصريون.
لذلك فإن مصر عليها وبسرعة واجب لحصر أعداد هؤلاء لمخاطبة المؤسسات الدولية بشأنهم، هنا يستحضر المرء ما صدر عن المنظمة الاقتصادية للتعاون الدولي عام 2017، حيث ذكرت أن اللاجئ في ألمانيا يكلف الدولة 20 ألف دولار سنويا، وفي الولايات المتحدة يكلفها 22 ألف دولار، وفي السويد تصل التكلفة إلى 30 ألف دولار. وقد أشار أحد الباحثين الاقتصاديين المعنيين بشؤون اللاجئين (أحمد بيومي) أنه ووفقا لعدة مؤشرات، بحساب الفرق بين المستوى الاقتصادي لتلك البلدان، وبين مصر، فإن اللاجئ في مصر يكلف البلاد سنويا 5 آلاف دولارـ ما يعني أن البلاد تتحمل سنويا نحو 45 مليار دولار لاستضافة الـ 9 ملايين لاجئ. هنا يبدو الأمر في حاجة إلى طلب دعم عاجل وفوري من البلدان الأخرى، وهذا الدعم ليس من قبل العوز، بل الحق، لأن البلاد باستقبالها هؤلاء تمنع أعباء كثيرة عن الدول الأخرى، هنا من المهم الإشارة إلى أن تركيا جلبت 6,7 مليارات دولار منحا من الاتحاد الأوروبي لاستقبال 4 ملايين سوري، وأن إنجلترا تحصل نظير استقبال كل أوكراني من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على 450 يورو شهريا.
واحد من المقترحات الحكومية التي أثيرت منذ وقت قريب بشأن التعامل مع هذا الكم الهائل من اللاجئين، هو أن يقوم هؤلاء بسداد مبلغ 1000 دولار لخزينة الدولة عند تجديد الإقامة. الاقتراح سُحب بعد إعلانه، لأنه بالفعل قد يؤدي لارتفاع آخر في قيمة الدولار، لكن البديل له هو أن يقوم هؤلاء بسداد، ما يوازي هذا المبلغ بالعملة المحلية.
اقتراح آخر مهم، وهو أن يتم سن تشريع يقنن وضع اللاجئين وعلاقاتهم بالدولة والمجتمع وواجباتهم تجاه الدولة، وكذلك وضع استثماراتهم وأعمالهم المختلفة، بحيث يضيف هؤلاء قوة إلى الاقتصاد المصري، بدلا من أن يصبحوا عبئا عليه.