اتفاقيات تركيا تعكس سياسة التوغل التي تتبناها
أي معاهدة غير متكافئة تحمل غبنًا ظاهرًا ضد طرف دون الآخر
اتفاقية مصر – اليونان أصابات “أردوغان” بالجنون
حكومة الوفاق لعبة بين أصابع السلطان العثماني
أكد الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي العام، أن الاتفاقية الجديدة بين تركيا وحكومة الوفاق، انتهاز للحاجة الليبية وترسيخ للتوغل التركي في المنطقة.
وذكر في حوار مع “360”، أن هذه الاتفاقية تؤكد ببرهان ساطع ويقين لا يقبل الشك، سياسة التوغل والزحف والتمدد العثماني التي تتبعها أنقرة.
أستاذ القانون الدولي أشار أيضًا، إلى أن توقيع الاتفاق بين مصر واليونان، أصاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالجنون، لافتًا إلى أن حكومة الوفاق لعبة بين يديه.. فإلى نص الحوار..
بداية.. هل تهدف تركيا إلى استفزاز مصر بتوقيع هذه الاتفاقية؟
في الوقت الذي اعترضت فيه تركيا على اتفاقية ترسيم الحدود المصرية – اليونانية واعتبرتها انتهاكًا لحقوقها، وأنها في “حكم العدم”، قامت بالالتفاف على مصالح القاهرة وأبرمت اتفاقية مع حكومة الوفاق الليبية سارية لمدة 8 سنوات، تتيح لها مراقبة كافة واردات ليبيا، والتحكم فيها وفي إدارة الجمارك، من خلال شركة “أس سي كي” التي يمتلكها رجل الأعمال التركي محمد كوكاباشا، صديق أردوغان وفقا لقرار مجلس الوفاق الرئاسي عدد 396 لسنة 2020.
وما دلالة حرص تركيا على تحصين أفرادها قضائيًا عبر الاتفاقيات؟
هذه الاتفاقية تؤكد ببرهان ساطع ويقين لا يقبل الشك، ما صرح به وزير الدفاع التركي خلوصي آكار من ليبيا بأن بلاده جاءت لتبقى، لم تكن هذه عبارات عادية، بل كانت رسائل واضحة تعكس سياسة التوغل والزحف والتمدد العثماني.
كذلك المذكرة العسكرية التي وقعتها تركيا مع حكومة الوفاق في نوفمبر 2019 كانت ترمي لحماية أفردها، حيث نصت على الحصانات القضائية، أي الحصانات من أية ملاحقة قضائية للقوات والخبراء والمستشارين الأتراك في ليبيا، وهو ذاته ما حصل في قطر، حيث عملت الحكومة التركية على إبرام اتفاق عسكري مماثل لتحصينا أفرادها من الملاحقة القضائية.
هل الاتفاقية الجديدة رد على اتفاقية مصر واليونان؟
أعتقد لا، هي ليست اتفاقية سياسية بالمطلق، بل ما هي إلا انتهاز للحاجة الليبية وترسيخ للتوغل التركي في ليبيا، فبعد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان، جن جنون أردوغان لأنها تتقاطع تمامًا مع مذكرة التفاهم الليبية – التركية، كما أن حكومة الوفاق ليست إلا مرجوحة أو لعبة بين أصابع السلطان العثماني.
إبرام اتفاقية بين طرفين أحدهما قوي والآخر ضعيف.. هل هذا يُعد طعنًا في المعاهدة؟
في الحالة الليبية – التركية يُطلق على تركيا “الطرف الأسد”، أي الطرف المستغل لفريسته وهي حكومة الوفاق، كما أنه يُفترض في أطراف المعاهدات الدولية أن يكونوا على قدر من المساواة في مراكزهم القانونية والواقعية، بغض النظر عن حجم هذه الدول، فهذا ليس معيارًا من معايير صحة المعاهدات الدولية، وبعبارة أخرى تعد المعاهدة الدولية أيًا كانت تسميتها، وأيًا كانت أطرافها، معاهدة دولية صحيحة، فيجب أن تنعقد المعاهدة في ظروف طبيعية وعادية للدول الأطراف قبل إبرامها، أي في مرحلة التفاوض.
وليس بالضرورة أن تكون هذه المعاهدات معيبة في كل نصوصها، لكن يكفي أن يبرز فيها واحدًا من الشروط المجحفة بالطرف الضحية، أما اذا تفاوتت المراكز القانونية والواقعية للدول الأطراف تمامًا مثل الحالة الليبية – التركية (حالة الحكومة التركية وحكومة الوفاق الليبية)، فلا يستطيع أي متابع أو مراقب أن يزعم أن الظروف الاقتصادية والأمنية السياسية وغيرها متكافئة لدى طرفي المعاهدة ، ففي الحالة التي يستغل فيها الطرف القوي و بسوء نية مدى الحاجة للطرف الضعيف في إبرام مثل هذه المعاهدة واستغلال حقوقه فهنا يطلق على هذه المعاهدات لفظ “غير المتكافئة”.
هل نستطيع القول إن هذه المعاهدة تحمل ضررًا بالغًا تجاه ليبيا؟
أي معاهدة غير متكافئة تتضمن غبنًا ظاهرًا بأحد الأطراف دون الآخر، أي أن يتحمل أحدهما التزامات تثقل كاهله، بينما يتنعم الطرف الثاني بالحقوق، وهنا تركيا انتفعت بالكثير، ليس فقط بالاتفاقية الغريبة التي ترخص للمنتسب الأمن والنظام والجمارك في أن تقوم بمهام سيادية أصيلة للحكومة الليبية، وهذه المنافع الرخيصة تحددت بمذكرتي تفاهم أبرمت بين الطرفين في نوفمبر عام 2019، وهي مذكرة التفاهم الأمنية، فضلًا عن مذكرة التفاهم بالاختصاصات البحرية في مياه شرق البحر المتوسط.
وما هو معيار تحديد عدم التكافؤ في علاقات الدول؟
هناك عدة أمثلة لعدم التكافؤ في العلاقات بين الدول، كفرض الدولة القوية إرادتها على الدولة الضعيفة، وحالة التحالف بين الدولة القوية والضعيفة، وحالة الحماية والتبعية للدولة القوية في جميع المجالات أو بعضها، وحالة العلاقة بين دولة مستقلة وأخرى في طور التكوين، بالإضافة لحالة الإكراه الممارس على الدولة الضعيفة، وأخيرًا حالة المعاهدات بالمدى غير المحدود.
في هذه الحالات تُبرم المعاهدات الدولية، ولا يكون أمام الطرف الضعيف إلا القبول والامتثال للطرف القوي الذي يُملي هذه المعاهدات وهو الطرف المتقدم الحر من كل ضغط أو تأثير خارجي خلافًا للطرف الضعيف.
هل توجد نماذج مماثلة لاتفاقيات مجحفة مثل ما حدث بين تركيا و”الوفاق”؟
نعم بالطبع، على سبيل المثال معاهدة الولايات المتحدة الأمريكية وبنما عام 1903، والتي سيطرت واشنطن بموجبها على قناة بنما، والاتفاقيات الاقتصادية السابقة التي أبرمت بين الاتحاد السوفيتي ودول شرق أوروبا، والتي راقبت بموجبها النشاط الاقتصادي لهذه الدول، كذلك اتفاقيات “إيفيان” بين الجزائر وفرنسا عام 1962.