تصور أغلبية المهتمين بالشأن العام، أنه عقب الانتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر في الفترة الأخيرة، أن الرئيس المنتخب سوف يقوم عقب اتخاذ إجراءات ومراسم تعيينه لفترة جديدة، أنه سيقوم بتغيير الحكومة، كنوع من التغيير الذي يعقب الانتخابات الرئاسية.
ولما كان هناك دستور ينظم هذه الأمور بشكل رئيسي، حتى ولو كانت هذه النصوص بها بعض العيوب من الناحية النظرية، أو من حيث تحقيق الديمقراطية بشكل أقرب للمثالية، فنجد أن أقرب النصوص الدستورية معالجة لهذا الأمر، هو نص المادة 147 والتي تنص على أن: لرئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب. ولرئيس الجمهورية إجراء تعديل وزاري بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس.
إلا أنه من الناحية الواقعية فقد تأخر الأمر كثيرا، حيث قد جرت الانتخابات الرئاسية في ديسمبر من العام الماضي، إلا أن الحكومة المصرية قد تقدمت باستقالتها بتاريخ الثالث من شهر يونيو الحالي، بعد مرور حوالي ستة أشهر على الانتخابات الرئاسية، وإن كان الأجدر من النواحي السياسية أن تتقدم الحكومة باستقالتها عقب الانتخابات الرئاسية، حتى يتم تشكيل حكومة جديدة، تتوافق مع الانتخابات الرئاسية، إذ بفرض حدوث تغيير في منصب رئيس الدولة، وبحسب النظم الديمقراطية تغيير الحزب الحاكم، فإنه من المتعين مسايرة لذلك أن تتقدم الحكومة باستقالتها، حتى يتم تشكيل حكومة وفق أطر سياسية جديدة بحسب الوضع الجديد، كما وأن الوضع قد يكون محيراً من الناحية السياسية، إذ أن مجلس النواب المصري لم يتبق له الكثير من الوقت؛ لينهي دور انعقاده الأخير، إذ أن ذلك ما يتماشى مع افتراضات الأطر الدستورية المنصوص عليها في المادة 146 من الدستور المصري الأخير بقوله، أن يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة، وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً، عُد المجلس منحلاً، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يوماً من تاريخ صدور قرار الحل. وفي جميع الأحوال يجب ألا يزيد مجموع مدد الاختيار المنصوص عليها في هذه المادة على ستين يوماً. وفي حالة حل مجلس النواب، يعرض رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومته، وبرنامجها على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له. في حال اختيار الحكومة من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، يكون لرئيس الجمهورية، بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء، اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل.
ولكن كعادة النظام المصري، فإن كل الأمور تسير حسب وجهة نظر السلطة التنفيذية، والتي تستحوذ على أغلب مقدرات الأمور، وتتداخل بشكل واسع في صلاحيات السلطات الأخرى، فتكون لها اليد الغالبة والمتحكمة في الأمور كلها.
ومن الزاوية الدستورية النظرية، فإن أهم ما يعيب النص الدستوري في المادة 147، أنها تركت الأمر مفتوحا، دونما تحديد مدى زمني بقولها: “لرئيس الجمهورية”، وهو ما يجعل الأمر كله معلق بمشيئة رئيس الدولة فله، أن يجري تعديلا أو تغييرا وزاريا أو لا يقوم بذلك، وإن كان تحقق اشتراط موافقة مجلس النواب، من الأمور الشكلية، بحسب سيطرة الحكومة على مقدرات عمل مجلس النواب، فعلى أقل تقدير لسيطرة حزب مستقبل وطن المحسوب على السلطة الحكومية على أغلبية مقاعد مجلس النواب، وهو الأمر الذي يضمن بشكل تام موافقة مجلس النواب على أية اشتراطات شكلية يتطلبها النظام الدستوري، بغض النظر عن كون البرلمان على وشك، أن ينفض انعقاده، وتنتهي هذه الدورة البرلمانية، وهو ما ينفي تساؤلات عن جدوى التأخير في إجراء التعديل الوزاري أو التبكير في إجرائه، إذ أنها جميعها مجرد شكليات ستحقق في وجود مجلس النواب الحلي أو المستقبلي. وهو ما أكدته التصرفات الواقعية، حيث تقدمت الحكومة باستقالتها في الثالث من هذا الشهر، وفي ذات اليوم تم تكليف رئيس مجلس الوزراء كحكومة تسيير أعمال، كما تم تكليفه بتشكيل وزارة جديدة.
وفي حديث للدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية، أدلى به لموقع مدى مصر بتاريخ 3 من الشهر الحالي عن التغيير الوزاري، حيث اعتبر أن هناك ارتباطًا محتملًا بين الإعلان عن تعديل وزاري حاليًا والرغبة في تحميل الحكومة المستقيلة المسؤولية السياسية لقرارات «مؤلمة» اجتماعيًا على رأسها رفع سعر الخبز المدعم، مرجحًا لهذا السبب، أن يشمل التغيير الوزاري وزيري التموين والمالية اللذين تصدرا مشهد هذا القرار- بالرغم من أن القرار في جوهره يمثل خيار رئيس الجمهورية، بالإضافة لارتباطه بتنفيذ توصيات من صندوق النقد الدولي. وأشار السيد إلى إن تغيير رئيس الحكومة لا يشكل تغييرًا يذكر، في ما يتعلق بالمطالب السياسية العامة المرتبطة بفتح المجال العام في الحوار الوطني. وأضاف المقرر المساعد للمحور السياسي للحوار الوطني، أن مدبولي لم يصله أصلًا التوصيات التي عمل عليها الحوار الوطني بتعديل قانوني انتخابات مجلسي النواب والشيوخ؛ بسبب تمسك الأحزاب المقربة من السلطة برفض هذا التغيير، فيما بقى من المطالب التشريعية المرتبطة بالانتخابات تعديل قانون الانتخابات المحلية فقط. كما شدد أن التغيير المتوقع في هذا السياق عمومًا.
لكن يبدو أن الأمور كاشفة للعديد من المثالب والعيوب، التي أهمها ترك النص الدستوري مفتوح، ومعلق بمشيئة رئيس الدولة فقط، وكأنها نصوص صيغت من قبل السلطة التنفيذية، لصالح منصب رئيس الدولة، بحسبه هو أعلى سلطة في البنيان الهرمي للسلطة التنفيذية، هذا بخلاف ما نحن بصدده من أمور أخرى في إطار موافقة مجلس النواب من عدمه، والتي تعرضنا إليها في الفقرة السابقة، وكأن الهرم السياسي بات مقلوبا أو غير مستوي، إذ أن الأمور الطبيعية تقتضي، أن تكون الرقابة والغلبة لسلطة مجلس النواب أو لأي مجلس تشريعي بغض النظر عن تغيير المسميات من نظام لآخر، لكن القواعد الدستورية في جميعها تفرض، أن تكون للبرلمانات رقابة على السلطة التنفيذية بشكل قاطع الدلالة، مع وجود مساحات للتعاون فيما بينهم، ولكن أرى أن الوضع هنا مقلوب، أو بشكل أقل حدة متغير، حيث الغلبة في النسق السياسي والدستوري المصري للسلطة التنفيذية، دون أدنى مواربة، ولست أدري هل العيب في القواع المنظمة للعمل السياسي، أم العيب في الممارسة والتطبيق الواقعي، أو فيهما معا؟.