كتب: سمير علي
مطلع الشهر الجاري سجلت محافظة أسوان أعلى درجة حرارة على وجه الكرة الأرضية، ووفقًا لهيئة الأرصاد الجوية وصلت درجة حرارة المحافظة الحدودية، التي تقع أقصى جنوب مصر، وتُعرف بمناخها الصحراوي الجاف إلى 49.6 درجة مئوية، وأكدت الهيئة، أن سبب ارتفاع درجات الحرارة يرجع إلى تأثر مصر برياح شديدة، مع ارتفاع حاد في نسبة الرطوبة.
الارتفاع الحاد في درجات الحرارة ليس قاصرا على مصر، أو المنطقة، فقد أطلقت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، التابعة للأمم المتحدة تحذيرًا صارخًا، أن العالم يتجه إلى ارتفاع غير مسبوق في درجات حرارة السطح لمستوٍ، يتخطى 1.5 درجة مئويةــ وهي النسبة التي تتخطى مستويات ما قبل الصناعةــ خلال السنوات الخمس المقبلة.
طقس متطرف
المنظمة أكدت، أن العام الماضي 2023 هو الأعلى على الإطلاق في ارتفاع درجات الحرارة منذ الثورة الصناعية، حيث وصلت درجة الحرارة إلى 1.45 درجة مئوية (بهامش من عدم اليقين يقل، أو يزيد على 0.12 درجة مئوية)، وهو ما حذرت منه نائب الأمين العام للمنظمة كوباريت، حيث شددت على أن العالم بعيد عن المسارح الصحيح، وإذا لم يتم خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فإن العالم سيدفع ثمنًا باهظًا، يقدر بتريليونات الدولارات، فضلًا عن الخسائر في الأرواح البشرية؛ بسبب الطقس المتطرف.
المنظمة حذرت من أن درجات الحرارة خلال سنة على الأقل من السنوات الخمس المقبلة (2024 – 2028)، ستكون أعلى من تلك التي شهدها عام 2023، مشيرًة إلى أنه خلال 2017/ 2021، كانت فرصة أن تتعدى درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية قريبة من الصفر، ولكنها زادت لتصل إلى 80 % خلال السنوات المقبلة.
الدكتور هشام عيسى، خبير علوم البيئة وتغير المناخ، المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، قال إن ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يكون ناجما عن مجموعة متنوعة من العوامل الطبيعية والبشرية، منها بطبيعة الحال تغير المناخ الذي يمثل العامل الأكثر أهمية على المدى الطويل، والذي يساهم في ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم.
وأضاف عيسى لـ “مصر 360″، أن الأنشطة البشرية، وخاصة حرق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز الطبيعي) وإزالة الغابات، والعمليات الصناعية، أدت إلى زيادة تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وهذا بدوره يؤدي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري، ما يعني حبس المزيد من الحرارة ورفع درجات الحرارة العالمية.
وتأتي أنظمة الضغط العالي، التي يمكن أن تتسبب في حدوث أنظمة ضغط مرتفع لفترات طويلة، والتي غالبًا ما ترتبط بسماء صافية وكتل هوائية راكدة، وهذه الظروف تمنع تبديد الحرارة، ويمكن أن تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل مستمر.
«الكربون» في أعلى مستوى منذ الوجود البشري
تصريحات الدكتور هشام عيسى، تزامنت مع تحذيرات أطلقتها وكالة الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي- الأمريكية- بشأن ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مؤكدًة أن ثاني أكسيد الكربون يتراكم في الغلاف الجوي بشكل أسرع من أي وقت مضى، ويتسارع في ارتفاع حاد إلى مستويات أعلى بكثير من أي مستوى شهدناه منذ الوجود البشري.
ووفقًا لمعهد سكريبس لعلوم المحيطات التابع لجامعة كاليفورنيا، الذي يرصد التغيرات في الغلاف الجوي على مدار الساعة، فإن ثاني أكسيد الكربون عند أعلى مستوى له، منذ ملايين السنين، ويرتفع بشكل أسرع من أي وقت مضى، ويصل كل عام إلى حد أقصى أعلى؛ بسبب حرق الوقود الأحفوري.
منصة أطلس الكربون، التابعة لمشروع الكربون العالمي، الذي يشارك فيه أكثر من 50 جهة بحثية حول العالم، أكدت أن تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أعلى بحوالي 51% من مستويات ما قبل الصناعة، وأعلى تركيز في آخر 800 ألف عام، وربما في المليوني عام الماضية، موضحًة أن السرعة التي يتراكم بها ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أسرع بنحو 10 مرات من فترة العصر الصناعي.
ميزانية الكربون
تشير ميزانية الكربون، إلى أن أكبر عنصر في هذا الاضطراب المناخي، هو الانبعاثات الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز)، والتي تمثل ما يقرب من 90٪ من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتتضمن مكونًا صغيرًا من إنتاج الأسمنت، وتأتي بقية الانبعاثات من تغير استخدام الأراضي وانتشار الحرائق.
ميزانية الكربون العالمية
ومن إجمالي كميات ثاني أكسيد الكربون المنبعث في الغلاف الجوي، يبقى حوالي النصف فقط في الغلاف الجوي، ويؤدي إلى تغير المناخ، ويتم إزالة النصف الآخر عن طريق امتصاص الغطاء النباتي من خلال عملية التمثيل الضوئي، والتي تمتص الجزء الأكبر، أو عن طريق المحيطات، وبهذه الطريقة فإن التأثير على تغير المناخ يبلغ فقط نصف، ما كان يمكن أن يحدث لولا مساعدة أحواض ثاني أكسيد الكربون الطبيعية.
تأثير إزالة الأشجار
الدكتور هشام عيسى، يوضح أن قطع الأشجار يؤدي إلى تقليل عدد الأشجار القادرة على احتجاز وامتصاص ثاني أكسيد الكربون، مما يؤدي إلى زيادة تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، والمساهمة في ظاهرة الاحتباس الحراري، مشيرًا إلى أن أن إزالة الغابات والأشجار على نطاق أوسع، تساهم في تغير المناخ، حيث تلعب الأشجار دورًا حاسمًا في دورة الكربون العالمية، وتؤدي إزالتها إلى زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
وتابع: “بصفة عامة تساهم إزالة الأشجار من الشوارع والمناطق الحضرية في ارتفاع درجات الحرارة المحلية، وانخفاض جودة الهواء وزيادة استخدام الطاقة، وعلى الصعيد العالمي، تؤدي إزالة الغابات إلى تفاقم تغير المناخ عن طريق الحد من عزل الكربون، وتعطيل النظم البيئية، وتغيير أنماط الطقس، كما تعد زراعة الأشجار والحفاظ عليها أمرًا بالغ الأهمية؛ للتخفيف من هذه التأثيرات والحفاظ على مناخ مستقر”.
ونوه إلى أن زيادة الإحساس بدرجات الحرارة يأتي أيضًا؛ بسبب التغيرات في استخدام الأراضي، التي يمكن أن تؤدي إليه إزالة الغابات والتوسع الحضري وتغيير المناظر الطبيعية، مما يؤثر على المناخات المحلية، على سبيل المثال، تؤدي إزالة الغطاء النباتي واقتلاع الأشجار والنباتات وإحلال المباني الخرسانية بدلًا منها، إلى تقليل قدرة الأرض على التبريد من خلال النتح، في حين تولد المناطق الحضرية المزيد من الحرارة.
وأكد الخبير البيئي، أن إزالة الأشجار وعدم توافرها في الطرق والشوارع، تؤدي أيضًا إلى تقليل الظل، وزيادة كمية الحرارة التي تمتصها المباني والطرق والأسطح الأخرى، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة في المناطق الحضرية، وعلى نحو آخر تؤدي إلى انخفاض جودة الهواء، حيث تساعد الأشجار على تصفية الملوثات، وتحسين جودة الهواء، وبدونها تبقى الملوثات في الهواء لفترة أطول، مما يساهم في سوء نوعية الهواء.
وفي نفس السياق، يؤكد الدكتور مصطفى الشربيني، المراقب باتفاقية باريس للتغير المناخي، رئيس الكرسي العلمي للبصمة الكربونية والاستدامة بمنظمة الألكسو التي تعمل في نطاق جامعة الدول العربية، أن شهر مايو الماضي كان أدفأ شهر تم تسجيله على الإطلاق، وهو الشهر الثاني عشر على التوالي، الذي تكون فيه درجات الحرارة أكثر سخونة من أي وقت مضى، حيث ارتفع متوسط درجة حرارة الهواء السطحي العالمي بمقدار 0.65 درجة مئوية عن المتوسط من عام 1991 إلى عام 2020.
وتابع الشربيني: “التغير في الغطاء الأرضي وإزالة الأشجار والغابات يؤدي إلى تقليل الظل والرطوبة، كما أن كميات المياه المتبخرة في المناطق المبنية أقل من تلك المناطق المزروعة، وهو ما يساهم في ارتفاع درجات حرارة السطح والهواء، مشيرًا إلى أن زيادة المساحات المزروعة الأشجار يمكن أن تؤدي إلى تقليل ما يعرف بالجزر الحرارية، كما تؤدي إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة”.
وعن أهمية التشجير قال الشربيني، إن الأشجار تعمل على تخفيف درجات الحرارة من خلال توفير الظل والتبريد من خلال التبخر والنتح، وهي عملية تمتص فيها الأشجار والنباتات الماء من خلال جذورها، وتبرد البيئة المحيطة، عن طريق إطلاق بخار الماء في الهواء من خلال أوراقها، كما توفر الأشجار والنباتات أيضًا التبريد من خلال تبخر الأمطار المتجمعة على الأوراق والتربة.
الأمر نفسه أكده الدكتور هشام عيسى، حيث أوضح أن التغلب على ارتفاع درجات الحرارة في المناطق الصحراوية أمر صعب، ولكن يمكن التخفيف من آثار الحرارة عن طريق التخطيط والتصميم العمراني من خلال زيادة المساحات الخضراء، وإنشاء المنتزهات، وزراعة جوانب الطرق بالأشجار وفيرة الأوراق، واستخدام المواد العاكسة أو البيضاء للأسطح والأرصفة.
ظاهرة النينيو
أثرت ظاهرة النينيو، والتي تحدث نتيجة ارتفاع درجات حرارة سطح البحر والمحيط، بشكل كبير في التطرف المناخي، حيث يمكن أن تؤدي إلى كوارث مختلفة في أنحاء العالم، وفي عام 2023 شهدت المحيطات أعلى متوسط لدرجة حرارة سطح البحر على الإطلاق.
ويقول الدكتور مصطفى الشربيني، أن ظاهرة النينيو ساهمت في ارتفاع درجات الحرارة العالمية والطقس المتطرف في جميع أنحاء العالم، موضحًا أن هذه الظاهرة في نهايتها ومن المتوقع أن تتبعها ظاهرة النينيا، وهي ظاهرة معاكسة تؤدي إلى درجات حرارة أكثر برودة، الأمر الذي يؤثر على عدة أنماط مناخية، وهو ما يؤدي إلى تغير في أنماط الرياح وضغط الهواء وهطول الأمطار.
الفقراء يدفعون الثمن
بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن تغير المناخ يساهم بشكل مباشر في حدوث حالات الطوارئ الإنسانية، موضحًة أنه في الفترة من عام 2030 إلى 2050 من المتوقع، أن يؤدي تغير المناخ إلى 250 ألف حالة وفاة إضافية سنوياً، بسبب نقص التغذية وانتشار الأمراض والإجهاد الحراري، فضلًا عن أن معدلات الوفاة في المناطق التي تتعرض للظواهر الجوية المتطرفة، خلال العقد الماضي أعلى 15 مرة من المناطق الأقل تطرفًا، مشيرًة إلى أن التكاليف المباشرة للضرر على الصحة ستبلغ حوالي 4 مليارات دولار بحلول عام 2030.
المنظمة أكدت، على أن المخاطر الصحية تؤثر بشكل أكبر على الفئات الأكثر ضعفًا وحرمانًا بشكل غير متناسب، بما في ذلك النساء والأطفال والأقليات الإثنية والمجتمعات الفقيرة والمهاجرون، أو النازحون وكبار السن، ومن هذه التأثيرات المرض؛ نتيجة الظواهر الجوية المتطرفة مثل، موجات الحر والعواصف والفيضانات وتعطل النظم الغذائية، وزيادة الأمراض الحيوانية المنشأ والأمراض المنقولة بالأغذية والمياه والنواقل، ومشاكل الصحة النفسية.
بيانات المنظمة تشير، إلى أن ملياري شخص يفتقرون إلى مياه الشرب المأمونة، و600 مليون شخص، يعانون من الأمراض المنقولة بالغذاء سنويًا، وتبلغ نسبة الأطفال دون سن الخامسة الذين يموتون بالأمراض المنقولة بالأغذية 30%، فيما واجه 770 مليون شخص الجوع، معظمهم في إفريقيا وآسيا.
ووفقًا للفريق الحكومي الدولي المعني بالتغير المناخي، فإن البلدان الفقيرة والمنخفضة الدخل والفقراء، والأشخاص الذين لا توفر لهم الحماية الصحية، والتي تعاني من ضعف البنية التحتية، هي التي ستواجه الصعوبات في التكيف مع التغير المناخي والأخطار الصحية الناجمة عنه.