“ليبيا تكشف كيف ابتزت تركيا بلدها في الطاقة وصفقات المرتزقة”، كان ذلك عنوان دراسة نشرها منتدى الشرق الأوسط، باللغة الإنجليزية، تناولت تحليل لتصريحات المسؤولين الليبيين لوكالة “أسوشيتدبرس”، وناقشت كيفية تمكن تركيا من دفع طرابلس لقبول الآلاف من المرتزقة السوريين المتطرفين مقابل حصول أنقرة على حقوق الطاقة تاركة ليبيا مع مكاسب قليلة.
و أجابت الدراسة عن عدد من الأسئلة منها: “لماذا ترسل تركيا التي تدعم المعارضة السورية، سوريين للقتال والموت في ليبيا؟، باعتبار إرسال المرتزقة والأسلحة إلى ليبيا تدخلًا غير قانونيًا”.
المرتزقة في طرابلس
كشفت الدراسة، الغطاء عن أكثر من 6 أشهر من الأسئلة حول كيف تمكنت تركيا من دفع طرابلس لقبول آلاف المرتزقة السوريين المتطرفين؟، مقابل حصول أنقرة على حقوق الطاقة الليبية في البحر المتوسط، مما يترك ليبيا مع القليل من المكاسب وسط انتشار العديد من المتطرفين.
في نوفمبر الماضي، كانت حكومة الوفاق الوطني الليبية تحت الحصار في طرابلس من قبل الجنرال “خليفة حفتر” المدعوم من مصر، وأصبح واضحًا أن حفتر الذي يقف على رأس حكومة منافسة مقرها بنغازي، على وشك الإطاحة بحكومة الوفاق الوطني الضعيفة، وفجأة تدخلت أنقرة التي دعمت إلى جانب قطر حكومة الوفاق الوطني بأسلحة وتمويل محدود في صفقة لم يكن بإمكان الوفاق رفضها.
امتيازات تركيا في ليبيا
حصلت تركيا، على حقوق الطاقة الليبية قبالة الساحل مما يسمح لها بتهديد اليونان، وربما الإضرار بمصالح إسرائيل في خط أنابيب شرق البحر المتوسط، و ستساعد أنقرة طرابلس ببعض الطائرات بدون طيار والمتمردين السوريين، في ذلك الوقت بدا الأمر هزليًا، وطرح تساؤل أكثر موضوعية “لماذا ترسل تركيا التي تدعم المعارضة السورية سوريين للقتال والموت في ليبيا؟، ألم يكن إرسال المرتزقة والأسلحة إلى ليبيا تورطًا غير قانونيًا ضد عقوبات الأمم المتحدة هناك؟”، لكن الحزب الحاكم في تركيا لديه سجل حافل في تجاهل القوانين الدولية وغزو جيرانه، وقصف المدنيين في شمال العراق والتطهير العرقي في عفرين في سوريا في عام 2018، لذا فإن تجنيد السوريين المرتزقة للقتال في ليبيا كان مجرد انتهاك آخر معتاد للمعايير الدولية.
يمكن أن تعتمد تركيا على الدعم أو الصمت من الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، والأمم المتحدة، لأنها كانت تهدد بدفع مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى أوروبا في شتاء عام 2019.
وكانت الرسالة واضحة للاتحاد الأوروبي، إما السماح لتركيا بالاستيلاء على مساحة من البحر الأبيض المتوسط والاستيلاء على جزء من ليبيا وإرسال السوريين إلى هناك، أو أن السوريين وبعضهم من المتطرفين، سيكونون مشكلة أوروبا، مع دفع ألمانيا ودول أوروبية أخرى لأنقرة المليارات لإبقاء السوريين في تركيا، لم يكن هناك الكثير من الخيارات أمام أوروبا.
تركيا والصراع الليبي الداخلي
تدخل تركيا، في الشأن الليبي زاد من حدة الصراع الليبي، وخلق عدة مشكلات سياسية لكل من أوروبا والشرق الأوسط، وأصبحت ليبيا ساحة اختبار للطائرات التركية بدون طيار والدفاع الجوي الروسي والطائرات بدون طيار المسلحة الصينية، وقد قربت الأزمة مصر والإمارات واليونان وفرنسا من بعضها البعض للشكوى من دور تركيا في ليبيا والبحر المتوسط.
تؤكد تقارير وكالة “أسوشيتد برس”، أن تركيا أرسلت ما يصل إلى 3800 من المرتزقة وبعض القوات التركية لدعم حكومة الوفاق الوطني الليبية التي يديرها رئيس الوزراء فايز السراج، ويقول المسؤولون الليبيون الآن: “لقد استغلوا ضعفنا في ذلك الوقت”، ويقول مسؤولو حكومة الوفاق الوطني الآن إن تركيا “استغلت ضعفنا”.
وصدم هذا الأمر وأثار غضب وسائل الإعلام الموالية لأنقرة في تركيا، وكلها موالية للحكومة، والتي روجت لها حكومة رجب طيب أردوغان رواية شعبوية وعسكرية ودينية.
بالنسبة لوسائل الإعلام الموالية للحكومة في تركيا، كانت المغامرة في ليبيا جزءً من حقوق العهد العثماني، وتزعم وسائل الإعلام التركية أن هناك “أتراكًا” في ليبيا بحاجة إلى الدفاع، ويريد الإخوان المسلمون، المرتبطون بحماس وقطر التي تدعمها أنقرة، تركيا أيضا في ليبيا، لذلك وصفت وسائل الإعلام التركية الحرب الليبية بأنها “ثورة” مثل الربيع العربي ، تقاتل ضد “أمراء الحرب”، لكن اتضح الآن أن أنقرة كانت تضغط على السراج لمدة عام من أجل صفقة الطاقة والحقوق البحرية الليبية، كانت تركيا الدولة الوحيدة المستعدة حقًا لتقديم الدعم.
دعم الإسلاميين في إدارة السراج
اتُهم النظام التركي الحالي، الذي سجن عشرات الآلاف من المعارضين وقمع الحقوق المدنية للأكراد بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، بالعمل مع المتطرفين في شمال سوريا.
غالبًا ما يُكتشف أن أعضاء داعش فروا إلى تركيا أو استخدموها للعبور إلى إدلب، وعُثر على زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي في أكتوبر 2019 في سوريا بالقرب من الحدود التركية، حتى أن أعضاء داعش قاموا بتهريب ضحايا الإبادة الجماعية الأيزيديين إلى محافظة إدلب التي تحتلها تركيا في سوريا، كما نفذت الولايات المتحدة غارات جوية ضد القاعدة التي تعمل في مناطق تحتلها تركيا في سوريا.
ومن الواضح أن تركيا سوف تستغل ليبيا اقتصاديًا، حيث تم رصد قيام أنقرة بمنح طرابلس فاتورة بقيمة 1.7 مليار دولار للأموال المستحقة للشركات التركية، ومن المرجح أن يأتي الدور علي النفط والطاقة البحرية ثم القواعد العسكرية. يبدو أن طرابلس قلقة من أن تصبح مستعمرة أخرى لأنقرة، على غرار حالة عدم الاستقرار التي أطلقتها تركيا في شمال سوريا، حيث أصبحت الأصوات المحلية خاضعة للأهواء التركية وليس لديها سيطرة تذكر على مصيرها، ومن غير الواضح ما إذا كانت مشاركة تركيا المتزايدة ستؤدي إلى صفقة مع روسيا الآن لتقسيم ليبيا، بالطريقة التي قسمت بها تركيا سوريا.
ويتساءل البعض في تركيا، عما إذا كانت المغامرة الليبية تستحق العناء، خاصة مع الانتقادات، ووحد التدخل في ليبيا معظم الدول العربية في معارضة دور تركيا، وتشير الأخبار الصادرة في 29 يوليو، إلى أن أنقرة لديها صفقة جديدة لبيع طائرات بدون طيار لليونان وربما تحاول تخفيف التوترات في البحر المتوسط مع أثينا، وربما يبدو في النهاية أن ليبيا ليست نهاية المطاف، وتنتظر تركيا الآن لترى أين ستظهر الأزمة التالية.