توفي ما يقرب من 800 شخص، ونقل الآلاف إلى المستشفيات، وأصيب حوالي 60 شخص بالعمي، بسبب المعلومات المضللة حول فيروس كورونا المتداولة علي مواقع التواصل الاجتماعي بحسب دراسة أجرتها المجلة الأمريكية للصحة والطب المداري، حملت عنوان: “شائعات الجائحة ساهمت في قتل الآلاف”.
وقالت منظمة الصحة العالمية، إنّ “الوباء المعلوماتي”، انتشر بنفس سرعة فيروس كورونا، حيث ساهمت نظريات المؤامرة وشائعات مواقع التواصل الاجتماعي والوصمة الاجتماعية في زيادة عدد الوفيات والإصابات.
يشير الباحثون في الدراسة إلى أنه بعد انتشار كورونا بإيران، انتشرت شائعات على السوشيال ميديا تفيد بأن تناول الكحول الإيثيلي، من شأنه أن يطهر الجسم من الفيروس، وهو ما زاد عدد المصابين بحالات تسمم كحولي إلى 10 أضعاف، وفي نفس الاتجاه شهدت دول أخرى، مثل:تركيا، وقطر، والهند حالات مماثلة.
وذكرت الدراسة قصة مشابهة حدثت في أحد الكنائس في كوريا الجنوبية، إذ تداول بأن شرب الماء المالح عن طريق الفم قد يقي من فيروس كورونا، وتناول جميع رواد الكنيسة الماء من نفس الزجاجة دون تعقيمها، مما حول الكنيسة إلى بؤرة للوباء.
أكدت الدراسة أن الجائحة أثبتت أن المجتمعات الغربية والمتقدمة ليس حصنًا من الشائعات، ففي إبريل الماضي، أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، تحذيرًا شديد اللهجة، بسبب بيع علاج مزيف للفيروس، كالغرغرة ومعجون الأسنان السحري.
عضو مجلس نقابة الأطباء السابق والطبيب بمستشفى العباسية للصحة النفسية، أحمد حسين، يحذر من تلقي المعلومات الطبية حول الفيروس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقال إن نشر معلومات طبية يندرج في بعض الأحيان تحت بند “الجريمة”، ملقيًا بالمسئولية على المؤسسات المعينة بالصحة بالبلاد التي لم تتصدى بشكلٍ كبير وجدي لهذه المعلومات، وهو ما دفع لانتشار مثل هذه الشائعات.
وأرجع “حسين”، الأمر لعدة أسباب، منها ضعف المؤسسات الرسمية في نشر المعلومات الصحيحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفقدان البعض الثقة في المؤسسات المعنية أو الرسمية، مقابل أساليب بعض مروجي الشائعات عبر الإنترنت.
شائعات الإنترنت
ترصد الدراسة التقارير المنشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فتشير إلى أن أكثر من 2300 تقرير متعلق بالفيروس، نشر بأكثر من 25 لغة ومن 81 دولة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي والصحف ومجالات والمواقع الإلكترونية، وبلغ نسبة الشائعات بهم 89%، تليها نظريات المؤامرة بنسبة 7.8%، بينما “الوصمات” الاجتماعية بلغت نسبة 3.5 %، وانتشرت معظم الأخبار الكاذبة والتي تحرض على الكراهية من 5 دول هي: الصين، والهند، وإسبانيا، والبرازيل، والولايات المتحدة.
ويلعب النشطاء المناهضين للقاحات دورًا مهمًا في إقناع الناس بعدم جدوى هذه اللقاحات، وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة في الولايات المتحدة أن 28% من الأمريكيين يعتقدون بأن بيل غيتس، وراء اخترع فيروس كورونا، بهدف إفراغ الأرض من سكانها وزرع شرائح إلكترونية في البشر.
نظرية المؤامرة
وفي إبريل الماضي، عبر غيورغ ماير، وزير الداخلية المحلي لولاية تورينغن الألمانية، عن قلقه إزاء انتشار نظريات المؤامرة، مرجعًا الأمر إلى أن كثيرًا من الناس الآن لا يحصلون على المعلومات عبر وسائل الإعلام الجادة، بل فقط من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.
يضيف عضو مجلس نقابة الأطباء السابق أن استجابة المواطنين للمعلومات الطبية عبر مواقع التواصل ظاهرة عالمية، وغير قاصر على مصر أو بلدان العالم الثالث، إذ يهدف مروجيه للتربح أو حب الظهور والمشاركة ليس أكثر، لافتًا إلى أنه رصد حالات في مجال تخصصه في الصحة النفسية، حيث انتحل بعض المواطنين صفة أطباء نفسيين لاستدراج سيدات وابتزازهم وممارسة أفعال غير أخلاقية، وغيرها من الحالات غير المقتصرة على ترويج الشائعات حول الجائحة، وتقع تحت مسمى “الجريمة”.
وأرجع عزوف المواطنين عن المؤسسات الرسمية في ظل الأزمات إلى البيروقراطية في بعض المؤسسات الحكومية، كما الحال في مصر، حيث لا يتوافر بند في اللوائح خاص بالدعاية والتسويق، فالأمر يعتمد في النهاية على الإسهامات الشخصية، مشيرًا إلى أن هناك قصورًا في وصول المعلومات الصحيحة للمواطنين، وهو الأمر المرتبط بعدم أو ندرة تواجد مختصين واعين داخل بعض المؤسسات.
ونوه بأن عدد مستخدمي الإنترنت في مصر بلغ نحو 40.9 مليون مستخدم- بحسب بيانات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات- في يناير الماضي، وهو ما يٌفرض بأن يكون نصف العدد السابق ذكره على صفحة وزارة الصحة والسكان، ولكن الواقع أن تأثير الصفحة محدود بالنسبة لـ “الجروبات” والصفحات المروجة للوصفات والعلاجات الكاذبة بشأن كورونا، “الأمر وصل للعطارين”، رغم تفاوت الإمكانيات والقدرات بين الطرفين.
القادة والسياسيين
في حين، أشارت الدراسة إلى أن بعض رؤساء وقادة العالم أيضًا، علي رأسهم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ساهموا في إذكاء العنصرية ونشر المعلومات المضللة حول الفيروس، كما رفضوا الالتزام بالإجراءات الاحترازية، وارتداء أقنعة الوجه.
ومن ضمن هؤلاء، كان النائب الجمهوري عن تكساس، لوي غومرت، الذي أصيب، وكان دائما ما يتجول داخل أروقة مبنى الكونجرس دون ارتداء كمامة، وكان يحث النواب أيضًا على عدم ارتداء كمامة.
ونوهت الدراسة بأن بعد تصريح “ترامب” بإمكانية تناول المطهرات والكلور للقضاء على كورونا، ارتفعت عدد الحالات في مراكز مكافحة السموم، كما تشير نتائج تحليل البيانات بأن الأشخاص الذين شاهدوا قناة “فوكس نيوز” الأمريكية كانوا أكثر عرضة للإصابة بالمرض، حيث قللوا من خطورة الوباء.
وقال أحد الأطباء في مستشفى في نيويورك إنهم عالجوا عددًا من المرضى بعدما أصيبوا بوعكات بسبب ابتلاعهم بعض المطهرات، موضحًا أن شرب مثل هذه الأشياء لها آثارًا طويلة الأمد، من بينها السرطان، ونزيف الجهاز الهضمي.
مسؤولية مجتمعية
خلصت الدراسة إلى أنه من مسؤولية المؤسسات الدولية والحكومات ومنصات التواصل الاجتماعي مقاومة هذا “الوباء المعلوماتي”، مضيفة أن قوانين تنظيم الشائعات والأضرار الناتجة عنها عبر الإنترنت في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، قد تكون بعيدة عدة سنوات.
شركات التواصل الاجتماعي وضعت قواعد جديدة، وقالت شركة فيسبوك “لن نسمح بمعلومات مضللة مضرة، وقد أزلنا مئات الآلاف من المنشورات التي تتضمن علاجات مزيفة، وادعاءات بأن الفيروس لا وجود له، أو أن ما سببه هو شبكات الـ5 جي، أو أن قواعد التباعد الاجتماعي غير فعالة.
بينما أعلن موقع “تويتر”، أنه وضع علامات وتحذيرات على بعض المنشورات التي تحتوي على معلومات محل جدل أو مضللة حول جائحة تفشي كورونا.
وفي يونيو الماضي، طالب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الحكومات بأن تعمل لمحاربة المد المتنامي للمعلومات الكاذبة والمضللة والتحريضية التي تهدد بتفاقم الآثار السلبية جراء جائحة فيروس كورونا.
وحلل الباحثون في مؤسسة (برونو كيسلر) 112 مليون من المشاركات المتعلقة بهذه بالجائحة على وسائط التواصل الاجتماعي ووجدوا أن 40% منها كانت غير موثوقة المصدر، وأن ما يناهز 42% مما يزيد عن 178 مليون تغريده ذات صلة بالفيروس نشأت عن مواقع روبوتية سابقة البرمجة.
بينما أفادت دراسة أجرتها مؤسسة “بيو” للأبحاث أن الأفراد الذين يستقون أخبارهم من خلال وسائط التواصل الاجتماعي في المقام الأول يكونون أكثر عرضة لتلقي محتويات معلوماتية كاذبة.
واختتم عضو مجلس نقابة الأطباء السابق، حديثه بأن هناك مسئولية مجتمعية أيضًا على مؤسسات والمجالس القومية المختصة، التي تتواجد بها اقسام للرعاية الصحية والنفسية للمرأة والطفل، على وجه الخصوص، حيث هناك مجهودات وشغل تقوم بها وزارة الصحة والمؤسسات الطبية المعنية على الأرض ولكنه لم يسوق له أو يسلط الضوء عليه، مطالبًا إبعاد الرعاية الأمنية عن المؤسسات الصحية بشكل عام.