دكتور مصطفى كامل السيد
بعيدا عن الجدل حول شخصيات من شملهم التشكيل الحكومي الجديد. يمكن أن ننظر إليه نظرة مستقبلية، أي أن نحاول أن نجد فيه، ما يصلح للاسترشاد به في المستقبل، خصوصا وأن بعض المعلقين عليه ذهبوا إلى أنه استمرار لمحاولة بناء الدولة، فهل فيه بالفعل ما يمكن أن يعتبر تقدما على طريق بناء الدولة؟ وما الذي يجب تجنبه؟ إذا كان الهدف هو بناء دولة تعمل مؤسساتها بكفاءة، وتسترشد بالمعايير الصحيحة، عندما تحاول اختيار من يتولون مسئولية الحكم فيها، كما أن هذا النقاش لا يجب أن يقتصر على من دخلوا الحكومة، ولكنه يجب أن يتساءل أيضا عمن خرجوا منها، وفي ظل قصور المعلومات، تخمين أسباب خروجهم منها..
معايير اختيار رئيس الوزراء:
اختار الرئيس نفس رئيس الوزراء السابق؛ لكي يشكل الحكومة الجديدة. من المفهوم أن الرئيس يختار من يستطيع العمل معه بسلاسة، وخصوصا أن وضع السياسة العامة بحكم الدستور المصري المعدل في سنة ٢٠١٩، هو مسئولية مشتركة بين الرئيس والحكومة التي يقودها رئيس الوزراء. طبعا يفترض دستوريا، أن يخضع تشكيل الحكومة الجديدة لموافقة مجلس النواب. ولم يكن أحد ليتساءل عن حكمة هذا الاختيار، لو كان سجل رئيس الوزراء في إدارة شؤون الحكومة يتسم بالنجاح، ولكن رئيس الوزراء الذي كلفه الرئيس هو من شهدت سنته الأخيرة تصاعدا هائلا في مديونية البلاد خارجيا وداخليا، وترديا في أداء الخدمات العامة، وتفجر أزمات عامة، يعاني منها المواطنون وتصيب قطاع الأعمال بشلل، يهدد علاقاته بعملائه في الخارج والداخل، ومنها نقص الدواء وارتفاع معدلات التضخم على نحو غير مسبوق، فما الذي يدعو للاعتقاد، بأن رئيس الوزراء الذي أخفق في علاج هذه الأزمات، هو الذي سينجح ليس فقط في التغلب عليها، بل وعلى الانطلاق بالبلاد إلى آفاق جديدة من التنمية، وتعزيز مكانتها الدولية. الدرس المستفاد من الانتخابات الأخيرة في دول تعرف الممارسات الديمقراطية مثل، بريطانيا وفرنسا، هو أن الشعوب عندما يتاح لها الاختيار، فإنها تطيح بالقيادات الفاشلة، وتضع في مكان القرار الأعلى، من تثق في أنهم سيحاولون تفادي أسباب الفشل. صحيح أن مثل هذا الاختيار ليس متاحا في دول أخرى، ولكن كيف تحكم حكومة جديدة والمواطنون في بلدها لا يثقون في قدرتها، على أن تنجح فيما أخفقت فيه في الماضي القريب.
هيكل الحكومة الجديدة
الجديد في التشكيل الحكومي الجديد هو استحداث منصبين لنائبي رئيس الوزراء، وهي بكل تأكيد نظريا فكرة جيدة، لو كانت مما يؤدي إلى تحسين التنسيق بين الوزارات، وتوفير رؤية خاصة بقطاعات معينة، ولكن ليس من الواضح المنطق الذي يكمن وراء اختصاص أحدهما بالتنمية البشرية، واختصاص الآخر بعدد من الوزارات في مقدمتها النقل والصناعة. يمكن أن نتصور اختصاصات أوضح، كأن يكون أحدهما مثلا مسئولا عن الإنتاج، ويكون الثاني مسئولا عن الخدمات، وبالتالي يتولى أحدهما التنسيق بين كل وزارات الخدمات من تعليم وصحة وإسكان وكهرباء ومواصلات واتصالات، ويتولى الآخر التنسيق بين وزرات التعدين والبترول والزراعة والصناعة. خطوط الفصل بين النائبين في هذه الحالة أوضح، ويمكن أن تدخل كل الوزارات، باستثناء ما يسمى بالوزارات السيادية، في نطاق مسئولياتهما. ومع ذلك يثور سؤال حول العقل الاقتصادي في هذه الحكومة. في أحوال أخرى يمكن أن يكون ذلك هو دور رئيس الوزراء، ولكن رئيس الوزراء الحالي يفتقد هذه العقلية الاقتصادية، ولذلك ربما كانت أوضاع التنمية المتعثرة في مصر وخطورة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها تقتضي وجود عقل اقتصادي في هذه الحكومة، يكون منصبه هو نائب لرئيس الوزراء، يتولى صياغة الاستراتيجية الاقتصادية العامة للحكومة، ويقوم بتفعيلها بالتعاون مع وزراء التخطيط والمالية والتعاون الدولي والاستثمار والتجارة الخارجية، وكذلك مع نائبي رئيس الوزراء الآخرين، إذا ما أبقى عليهما. ولا أظن أن سلطة وزيرة التعاون الدولي والتخطيط تكفيها للقيام بذلك، تغيب عنها المسئولية عن المالية والاستثمار، كما أن مكانة وزارة التخطيط في التجربة المصرية، هي أنها لا توجه الوزارات الأخرى، وإنما هي تتلقى مقترحات الوزارات الأخرى، وتجمعها في إطار الخطة العامة للدولة.
دمج الوزارات
إحدى سمات التشكيل الوزاري الجديد هي جمع أكثر من وزير لوزارتين، ولا بأس من ذلك، إذا كان هذا يعني إدماج الوزارتين، والتقليل من عدد الوزارات تخفيفا للعبء الإداري للحكومة، ولكن لا يبدو أن ذلك كان الشاغل الرئيسي، فعلى سبيل المثال تحتفظ وزارة الهجرة بكل هيكلها باستثناء مكتب الوزير، وتبقي بموظفيها، ولكنهم يستمرون عاملين تحت إشراف وزير الخارجية، ونفس الأمر بالنسبة لوزارتي التعاون الدولي والتخطيط، والسياحة والآثار. ولكن هل يمكن اقتراح دمج بعض الوزارت في هيكل واحد بناء على علاقات وظيفية بينها؟ على سبيل المثال ألا يكون من الأوفق، أن تكون التعاون الدولي والاستثمار وزارة واحدة، تهتم بتعبئة كل الموارد الخارجية التي تخدم الاقتصاد المصري، سواء جاء ذلك من الاستثمارات أو اتفاقيات بقروض مع مؤسسات دولية أو حكومات أجنبية؟ ألن يكون من المفيد أن يصبح وزير القوى العاملة أيضا مسئولا عن المصريين بالخارج، سواء كانوا مهاجرين أو يعملون بدول أجنبية، ولا يستبعدون العودة إلى مصر، مثل الأعداد الكبيرة من العمالة المصرية في دول الخليج وبعض الدول الأوروبية. سيتيح ذلك للوزير وللحكومة معرفة أسباب الطلب على العمالة المصرية بالخارج، وتوجيه إمكانيات وزارته أو بالتنسيق مع وزير التعليم والتعليم الفني؛ لتوفير الإعداد المهني للشباب المصري الراغب في السفر للعمل بالخارج، سواء من خلال مراكز التدريب التابعة لوزارته، أو من خلال التعليم الفني. ليس لي رأي فيما يتعلق بالجمع بين السياحة والآثار، وإن كنت أفضل بقاءهما وزارتين منفصلتين حيث تقتضي وزارة السياحة تفرغ الوزير لها، كما أن حماية آثار مصر تستحق أن تكون ذلك مهمة مستقلة، تضطلع بها وزارة مهارات العاملين فيها، تختلف عما هو مطلوب في وزارة السياحة التي يغلب على نشاطها السعي؛ لتنمية واكتشاف أسواق جديدة للسياحة القادمة إلى مصر. وفي حالة غياب نائب رئيس وزراء للاقتصاد، ربما يكون من المناسب أن يكون الاقتصاد والتخطيط وزارة واحدة، وخصوصا أن وزارة التخطيط في الحكومة السابقة كانت تجمع التنمية الاقتصادية إلى جانب التخطيط. وفي هذه الحالة يكون توسيع التجارة الخارجية، بما يخدم حاجات الاقتصاد استيرادا وتصديرا، واحدا من مهام هذه الوزارة الجديدة.
الخلفية السابقة للوزراء
بطبيعة الحال، لا تكفي الخلفية الأكاديمية معيارا وحيدا لتولي المنصب الوزاري، ولكن لا بد أن يتمتع المرشحون لمنصب الوزير بخلفية علمية وإدارية وعملية مناسبة، فضلا عن مهارات التواصل مع الرأي العام، ولا يوجد مانع لتولي شخصيات من القطاع الخاص مناصب حكومية؛ بشرط التأكد من إعمال قواعد عدم تعارض المصالح. وهنا تثور تساؤلات، حول ما إذا كانت إدارة مدارس خاصة تصلح كخلفية لتولي منصب وزير التعليم الذي يلتزم بتوفير تعليم جيد لملايين النشء في المدارس الحكومية، وهل تصلح إدارة المدن الجديدة كخلفية مناسبة لتولي منصب وزير الإسكان الذي يسعي؛ لتوفير السكن المناسب للقطاع الواسع من المصريين، وبتكلفة معقولة وفق مستوى دخولهم. كما تتضمن خلفية الوزراء أيضا، انتماءاتهم النوعية والدينية، ومن الملاحظ هنا، أن الاتجاه لتعيين نساء في مناصب وزارية قد بدأ يتقلص في وزارات الدكتور مصطفى مدبولي، وأن وجود المسيحيين في الحكومة المصرية قد تقلص إلى وزيرة واحدة منذ سنة ٢٠١٤، على الرغم من أن عدد الوزيرات قد وصل إلى ثمانية في حكومة سابقة، واقترب من الثلث، كما أن عدد الوزراء المسيحيين في آخر حكومات مبارك قد وصل إلى أربع وفي وزارات هامة منها، وزارة المالية. تواجد النساء والأقباط في الحكومة المصرية يجب أن يكون أحد المعايير التي يسترشد بها رئيس الوزراء المكلف، حتى تعكس الحكومة تنوع المجتمع المصري، وثراء الخبرات فيه، دونما التفات للنوع أو الدين.
لا يخالجني شك، أن وقت الأخذ ببعض هذه الأفكار قد مضى، ومع ذلك نقترحها لعلها تكون مرشدا في إعادة تصميم أجهزة الحكم في مصر في المستقبل.