تداولت المواقع الإخبارية ما مؤداه أن الحكومة المصرية تسعى لإنشاء لجنة لتصفية الأصول المصرية، وحسب ما أفرده موقع مصراوي بتاريخ الخميس 11 يوليو، أن الحكومة المصرية تستهدف إنشاء لجنة لتصفية الأصول، تتبع وزارة المالية، وذلك بهدف تحقيق من 20 إلى 25 مليار جنيه سنويًا للخزينة العامة من عائد التخارج خلال الأعوام المقبلة إلى الموازنة العامة لخفض دين أجهزة الدولة. كما أشار موقع الشروق بتاريخ السبت 13 يوليو إلى أن الحكومة تهدف إلى استخدام الأصول لتخفيض الدين العام، وأن الحكومة ستتعامل مع ملكية الدولة للأصول وفق برنامج إصلاحي، وأن الحكومة تسعى إلى تعزيز دور القطاع الخاص والتخارج التدريجي من النشاط الاقتصادي، والمضي قدماً في تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، وهذا ما يتضمن تحديد الشركات المملوكة للدولة التي يتقرر بيعها أو زيادة رأسمالها أو توسيع قاعدة ملكيتها، أو التخارج منها كليًا أو جزئيًا.

ومن القواعد المعرفية المتفق عليها، أن المال العام يشكل بما يحتويه من موارد طبيعية، وعقارات وأموال منقولة، تسيطر عليها السلطة السياسية الحاكمة للدولة، إرثاً دائماً، وحقاً مملوكاً للشعب في جميع الأوقات، ومن ثم بات الحفاظ عليه من أي شطط أو عدوان، يمثل ًأصلاً قانونياً، علاوة على كونه يُعد من القيم العامة والمبادئ النبيلة الحاكمة للتصرفات البشرية حيال هذه الأموال، أو الممتلكات العامة، سواء كانت هذه التصرفات التي تمثل عدوانا، قد أتت من قبل الأفراد، أو تصرفات من الممكن، أن تُنسب للسلطة السياسية بإهدارها أو تبديدها للممتلكات العامة، ويكون ذلك بعدم الحفاظ عليها أو إتيان تصرفات تمس بسلامة أو قيمة تلك الأموال، وبالتالي، فإنها لا تحسن استغلالها، أو تنميتها أو الحفاظ عليها، بما تمثله من إرث للأجيال المقبلة، إذا أنه من الضروري، أن يقف دور الدولة عند حدود الحفاظ والتنمية لهذه الثروات الاقتصادية، إن لم يكن زيادة قيمتها.

وقد أولت المدونات الدستورية الثروات الطبيعية للبلاد عناية فائقة، وذلك لكونها لا تمثل حقاً فقط للأجيال المعاصرة للدولة في زمن ما، وإنما تمثل حقوقاً متوارثة لكل الأجيال المقبلة للحياة، ومن ثم وجب رعايتها وعدم استنزافها حرصاً على حقوق الأجيال القادمة في استغلال تلك الثروات، ومن ثم وجب على الدولة، أن تولي رعايتها لثروات البلاد عنايتها المطلقة، ولا أقصد بتلك الرعاية، أن تحافظ فقط على حالتها التي هي عليها، وهي ما يطلق عليها عناية وقائية، بل يجب أن تنطلق رعايتها إلى السعي نحو تطويرها وزيادتها قدر المستطاع، وقد أفرد المشرع الدستوري نص المادة 32 من الدستور المصري الأخير لهذا المقام، وأرى أننا نضع النص الدستوري كما هو قبل الحديث عن أي شئ، وذلك لجودته وتفريده لما أقصده من العناية على الثروات والمال العام.

يُعد من أهم أساسيات دور الدولة في المجتمعات الحديثة المحافظة على ثروات الشعوب، وحسن إدارتها وتنميتها، وهذا أعتقد أنه يشكل عنصرا بالغ الخطورة لدور الدولة الاجتماعي في العصر الحديث، وتبدو أهمية هذا الدور الاجتماعي للسلطات الحاكمة للدول في ظل تطورات النظريات أو النظم الاقتصادية الغالبة في العصر الحديث، ومن بينها العولمة، واتساع أنشطة الشركات المتعددة الجنسيات، حيث أصبح أمرا حتميا، أن تتعامل الدول ككيانات سياسية مع تلك الكيانات والتيارات الاقتصادية. ولكن هل يعني أن الدولة عليها، أن تتكيف مع تيارات العولمة الاقتصادية أو التفاعل مع الاتجاهات الاقتصادية العالمية والشركات عابرة الحدود، أن تتخلى الدولة عن دورها الرئيسي في الحفاظ على ثروات البلاد، أو السعي نحو خصخصتها، أو جعلها سلعة سوقية لا تختلف عن مسميات القطاع الخاص، أو أن تكون تصرفاتها غير متماشية مع الحفاظ على ثروات البلاد أصولها، مما يهدر حقوق الأجيال المقبلة فيها، ويزعزع المركز المالي للبلاد. إذ أنه يدق دور الدولة في ظل التطورات العالمية في المناحي الاقتصادية، وخصوصا دورها الاجتماعي، في حرصها وحمايتها على ثروات البلاد، حفاظاً على حقوق الأجيال القادمة في هذه الثروات، وكذلك حرصا من الدول على التدخل في الأمور التي تمس سلامة الثروات، والحرص على عدم تبديدها في ظل تعالي النعرات الرأسمالية المفرطة.

وينطبق ذلك القول حتى في أوقات الأزمات المالية أو ظروف الفقر التي تمر بها الدول في بعض الأزمنة، فليست تلك بمدعاة إلى تخليها عن الحرص في التعاطي مع الأصول المالية للدولة، وألا تتخذ منها سبيلاً للعبور من أزماتها المالية، حيث يبرز الدور الهام الذي يجب أن تضطلع به الدولة في إدارة عملية الاندماج في الاقتصاد العالمي، ويتضمن دور الدولة توفير الحماية للقطاعات المعرضة للتضرر من عمليات السوق والدفاع عنهم، والاستثمار في القطاعات ذات المنفعة العامة، والتي لا يُقبِل القطاع الخاص على الاستثمار فيها.

وبالتالي، فإنه قد وجب على الدولة أن تولي رعايتها لثروات البلاد عنايتها المطلقة، ولا أقصد بتلك الرعاية، أن تحافظ فقط على حالتها التي هي عليها، وهي ما يطلق عليها عناية وقائية، بل يجب أن تنطلق رعايتها إلى السعي نحو تطويرها وزيادتها قدر المستطاع، وقد أفرد المشرع الدستوري نص المادة 32 من الدستور المصري الأخير لهذا المقام، وأرى أننا نضع النص الدستوري كما هو قبل الحديث عن أي شيء، وذلك لجودته وتفريده لما أقصده من العناية على الثروات والمال العام، كما يجب إعمال قواعد الإفصاح، وتفعيل الحق في المعرفة، والحصول على المعلومات وكشف مضمون تلك التسويات التي أجريت في جرائم، أو مخالفات، أو وقائع فساد على المال العام، من شأنها إتاحة الرقابة الشعبية على التصرفات الواردة على المال العام الذي هو ملك للشعب في المقام الأول، ويضاف إلى هذا تمكين الرأي العام من إنزال أحكام موضوعية في مدى قيام الدولة بواجباتها في حماية المال العام، ونهوضها بواجباتها نحو حماية المقومات الاقتصادية للمجتمع، وضمانها للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومما لا شك فيه، أن إطلاع الرأي العام سواء كانوا من الخبراء والاقتصاديين أو المواطنين على تفاصيل قرارات التصالح واجب في ظل انعدام الحد الأدنى من الشفافية حول محتوى، ومضمون القرارات الصادرة باعتماد هذه التسويات.

ويجد دور مجلس النواب حيال ذلك الأمر، حيث تعد الرقابة على المال العام والمساءلة عن كيفية إنفاقه، أهم الأسس التي يقوم عليها أي نظام سياسي ديمقراطي، فالمساءلة وإطلاع الرأي العام على كيفية طرق استعمال الدولة أو الجماعات المحلية للمال العام، أصبح يعتبر حقا من حقوق الإنسان والمجتمع، فالرقابة هي الوظيفة التي تسعى بها الأجهزة المختصة؛ للتأكد من سلامة تنفيذ توجيهات الحفاظ على الأموال العمومية وحسن إدارتها، و نجاح الرقابة البرلمانية رهين بتوفر الإطار القانوني والإمكانات المادية والبشرية التي توضع رهن تصرف النواب للحصول على المعلومات، وتختلف طرق ومستويات تدخل البرلمان في ممارسة الرقابة على الأموال العمومية حسب التنظيم الدستوري في كل بلد، وتقوم الوظيفة الرقابية للبرلمان إلى جانب وظيفته التشريعية، إذ يتمكّن البرلمان من تحقيق توازن القوى وتعزيز دوره كمدافع عن المصلحة العامة.

وفي نهاية المطاف، فإن تلك الأصول ليست ملكاً خالصاً للحكومة، حتى ولو بدا ذلك من خلال الفراغ التشريعي المتمثل في إمكانية تحويل المال العام، إلى مال خاص مملوك للحكومة، بما يمكنها من التصرف فيه وفق رغباتها، ولكنه ملك عام لهذا الجيل وللأجيال المقبلة حقوقًا كاملة فيه، يجب ضمانها، بما يعني عدم إفقارها وتكبيلها بالديون الداخلية أو الخارجية، وهذا ما يعني، أنه يجب أن تكون هناك حدود تشريعية في آلية تحويل المال العام إلى مال خاص مملوك للدولة، أو نزع صفة النفع العام عنه، ويجب كذلك إدخال تعديلات تشريعية ودستورية على كيفية الرقابة على المال العام، وآليات التصرف فيه وإدارته.