“الحكومة تعوض أهالي الضحايا والمصابين”، “سيارات الإسعاف نقلت من 10 إلى 20 ما بين جريح وشهيد”، “الحماية المدنية تنقذ مُسن وتنتشله من تحت الأنقاض”.
لعلك طالعت عناوين مماثلة، على صفحات الجرائد أو المواقع الإلكترونية، فأصبح خبر سقوط عقار على قاطنيه ووفاة وإصابة عدد من الأشخاص، وبحث الأجهزة المعنية عن مفقودين تحت الأنقاض، أمرًا عاديًا.
قبل 48 ساعة، انهار عقارًا تاريخيًا في وسط القاهرة، وأنقذت قوات الحماية المدنية 18 شخصًا من موت محقق.
“110 ألف قرار إزالة لم ينفذ”.. وزارة التنمية المحلية
العقار المبني في عام 1941 على يد بنائين فرنسيين وإيطاليين، صادر له قراري تنكيس عامي 1983، و1993، ولم ينفذا، حتى استيقظت القاهرة على سقوط العقار التاريخي.
العقار كائن بشارع قصر النيل تلك المنطقة التي حكت عنها الروائية الراحلة رضوى عاشور في روايتها “قطعة من أوروبا”، أنّها تمثل تحفًا معمارية، أرادها الخديو إسماعيل، مثل: باريس.. وأفضل.
أصبحت منطقة وسط القاهرة، تُعاني إهمالاً بعد أن طالتها أيدي الفساد، والرعونة.
قرار وحيد
عادةً الحكومة تلجأ إلى تعويض الأهالي المتضررين، بـ5 آلاف جنيه للمتوفى، وألف جنيه للمُصاب.
وفي حالة عقار قصر النيل، قالت إنّها ستوفر مساكن بديلة للمتضررين في حي الأسمرات.
“كانت الشروخ علامة أساسية بعقارات تلك المناطق التي تقع في قلب العاصمة”.. جولة على عقارات القاهرة
ولا أحد يعرف مصير العقار التاريخي، سيتم بنائه مُجددًا على ذات الطراز المعماري كون ضمن العقارات التراثية أم لا؟
إحصاءات رسميّة
في العام 2018، قدرت وزارة التنمية المحلية، في إحصائية لها، أنّ 110 ألف قرار إزالة لم ينفذ، فيما قدرت قرارات الإزالة للمباني والمنشآت الآيلة للسقوط على مستوى المحافظات تصل إلى 111.8 ألف وحدة سكنية، يتركز عدد كبير منها في محافظة الغربية بواقع 21.8 ألف وحدة، تليها القاهرة 19.7 ألف وحدة.
“عاوزين مساكن بديلة، وقريبة”.. يطالب قاطنو تلك العقارات
وبحسب دراسة لجامعة القاهرة، فإن عقارات الخطورة الداهمة في العاصمة، تضم مناطق: روض الفرج، وبولاق أبو العلا،و الحسين والجمالية والدرب الأحمر والحمزاوي والأزهر والباطنية وباب الخلق، وهي تلك المناطق التي تشكل مصر الفاطمية، وتضم 38 ألف عقار، منها عقارات أثرية يقع أسفلها 55 ألف محل تمثل ثروة لسكانه وشاغليه.
جولة على العقارات
“عفي عليها الزمن.. قاطنيها لا حول لهم ولا قوة.. ليس لهم مأوى سواها”.. ملخص جولة لـ”مصر 360″، على العقارات المخالفة بمناطق بولاق أبو العلا، وروض الفرج، ومصر القديمة.
كانت الشروخ علامة أساسية بعقارات تلك المناطق التي تقع في قلب العاصمة.
بعض المنازل في بولاق كان على وشك الانهيار في أي لحظة، بعد سقوط شرفتها؟
“عاوزين مساكن بديلة، وقريبة”.. يطالب قاطنو تلك العقارات، وأغلبهم أصحاب حرف وعمال يوميّة، رزقهم مرتبط بالمنطقة محل سكنهم.
داخل المنازل كانت الأبواب الخشبية متهالكة، والسلالم مهدمة، ودورات المياه غير آدمية.. كبار السنّ، يرددون: “إحنا عايشين ميتين”.
الإيجارات الزهيدة سببًا رئيسًا لعدم تخلي الأهالي عن مساكنهم الآيلة للسقوط، بعضهم يقول: “بندفع إيجار 6 جنيهات، ولا نملك المال لشراء شقق جديدة، والبيت ساترنا من الإيجارات العالية”.
كل ما نروح الحي علشان نأخذ شقة يقولوا لنا: مفيش”.. يعبر الأهالي عن غضبهم، مؤكدين انتظارهم أن يطالهم قرار تطوير العشوائيات الصادر من الرئيس عبد الفتاح السيسي.
أحد الأهالي من قاطني جزيرة بدران في روض الفرج، يشير إلى عقارات المنطقة المتهالكة والتي مر على بنائها ما يزيد عن 80 عامًا، ومعظمها مبنية من الحجارة، ثم يعقد مقارنة مع الجهة المقابلة للعقارات برج سكني ضخم مكون من 13 طبقًا، وفندق شهير.
يتساءل: محدش هينظر لنا إلا لو حد جه يشتري المنطقة؟.. مشيرًا إلى أنها تمثل أطماعًا لدى رجال أعمال، وأنهم تقدموا بعدة شكاوى إلى الحي لاستخراج تراخيص إزالة أو ترميم ولم يتم الاستجابة لهم.
وفي منطقة مصر القديمة، لم يختلف الوضع عن المناطق السابقة، ينتشر عدد من العقارات القديمة التي لم يصدر لها قرارات إزالة أو تنكيس.
حل الأزمة
المهندس محمد سامي، الخبير الهندسي، يقول إن حل مشكلة العقارات الآيلة للسقوط يتخلص في إحياء مشروع الرقم القومي للعقار، والمُدوَّن فيه كل بيانات العقار من تاريخ إنشائه، ومواصفاته وأعمال الترميمات التي تمّت عليه وسجل الصيانة المُرتبِط به.
ويرى أسباب ظاهرة سقوط العقارات، في البناء العشوائي دون الالتزام بالمواصفات الهندسية، غياب الإشراف والرَقابة من المهندسين المتخصصين على أعمال التصميم والتنفيذ، انعدام الصيانة الدورية للمباني، تدهْـوُر حالة المرافق من مياه وصرف صحي، وهو ما يؤثر بالسَّلب على صِحة المبنى، سوء استخدام العقارات في غير الغرض السّكني، إهمال المسؤولين في المحليات للدّور المنوط بهم، فضلاً عن التكدّس السكاني في العقارات”.
تطوير العشوائيات
يصل عدد المناطق العشوائية الخطرة إلى 357 منطقة عشوائية بمختلف المحافظات، بواقع 242 ألف وحدة سكنية، تحتل القاهرة نصيب الأسد منها.
شهدت محافظة القاهرة في السنوات القليلة الماضية طفرة هائلة في ملف تطوير المناطق العشوائية، والتي تتبناها الدولة بشكل عام في كل المحافظات.
طورت الدولة مشروع الأسمرات الإسكاني بحي المقطم ، ومثلث ماسبيرو، وحي النهضة، وتل العقارب، وعين الصيرة وسور مجرى العيون، وعزبة الصفيح، وإسطبل عنتر، من خلال إزالة المناطق العشوائية وإيجاد مناطق بديلة للأهالي.