“فلسطيني- إسرائيلي”.. هكذا يُجيب “نُصير ياسين”، صانع المحتوى، والبالغ من العمر 28 عامًا، عن جنسيته، إذ يعتز بأن يُقدم نفسه بذلك الوصف، رغم أصوله الفلسطينية الخالصة.
“أتمنى أن يأتي يومًا لا نرى فيه إسرائيل وفلسطين كعدوّين، ما ضرّنا لو أصبحنا أصدقاء وماذا لو كبرنا قليلا؟”.. هذه أحد مقولات ياسين الذي يرى أن هناك ضروة مُلحة لنشر التسامح والحب بين الجميع بما فيهم الاحتلال.
الشاب العشريني، استطاع من خلال صفحته “ناس ديلي”، على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن يجذب متابعة تخطت الـ8 ملايين متابع، خلال رحلته إلى الشهرة، والتي بدأت عام 2016 تقريبًا، تلك الرحلة التي ترك عمله لأجلها وطاف جميع دول العالم.
الفلسطيني المُحب لإسرائيل
استقال نُصير ياسين، خريج جامعة هارفارد وابن قرية عرابة في الجليل، من وظيفته في مجال التقنية العالية، والتي كان يتقاضى منها 120 ألف دولار سنويًا، في مدينة نيويورك عام 2016، عندما كان عمره 24 عامًا، ليجوب حول أنحاء العالم وينشر مقاطع فيديو يومية مدتها دقيقة واحدة.
يُشدد نصير ياسين، على أنه اختار “قبول حدود إسرائيل.. والحدود الجديدة لفلسطين”، وأنه يجب “المضي قُدمًا”، وبرر ذلك قائلًا: “لأنه يوجد في الحياة أمور أفضل وأكبر وأكثر أهمية للتركيز عليها، بدلًا من الخلاف على اسم قطعة من أرض”.
وفي مناسبة أخرى، قدم نصير في إحدى فيديوهاته “الحل لإسرائيل وفلسطين”، التي أعلن فيها أنه “لن تنجح فكرة دولة واحدة لشعبين”، واقترح إنشاء دولتين؛ مع حدود على طول ما يسمى بالخط الأخضر بعد عام 1967، وسوف يتعين على إسرائيل إزالة مستوطناتها غير الشرعية، ويجب على فلسطين أيضًا تشكيل حكومة موحدة، لا تدعو إلى العنف متى أُتيحت لها الفرصة.
يبدو أن نصير، لم يكن الأول ولن يكون الأخير، الذي سيتبنون خطاب “التسامح والانفتاح” مع قوات الاحتلال، وهي محاولات ساهمت العولمة في نشرها على نطاق واسع وخصوصًا مع تطور خدمات الإنترنت.
ذلك الأسلوب السلس الذي يهدف للتسلّل إلى عقول مناهضي الصهيونية بشتى الطرق، في سبيل الترويج لصورة ناصعة لقوات الاحتلال خالية من الإجرام واغتصاب الأرض والبطش والقمع، وبث بروباغندا لا تمت إلى واقع الأراضي المحتلة بصلة، قائمة على تظهير “التعايش”، فضلاً عن “التنوع الثقافي والاجتماعي”.
رسالة نصير ياسين
أورد الكاتب ستيفن سالايتا، الذي شغل سابقًا منصب إدوارد دبليو سعيد رئيس الدراسات الأمريكية في الجامعة الأميركية في بيروت، في تقرير نشره على موقع “موندوويس”، أنه في حين تتمتع حيوية ياسين وتكريسه للمبادئ الإيجابية بشهرة واسعة في عالم تشوبه الصراعات والانقسامات، يمكن أن يُنظر لخطابه على أنه دليل ميداني للتعاون.
وأضاف الكاتب: “حيال هذا الشأن، يمكننا تبيّن تفسير ياسين لعملية قيام إسرائيل سنة 1948، حيث قال: “غادر بعض الفلسطينيين، وتعرض بعضهم للقتل، في حين بقي بعضهم على أراضيه. لقد بقي شعبي”، وعموما، يقف هذا التلخيص اللامبالي عاجزًا أمام الكارثة الإنسانية التي لحقت بالشعب الفلسطيني في ذلك الوقت، حيث دُمّرت أكثر من 400 قرية فلسطينية، وذبح بضع آلاف من المواطنين، فضلا عن طرد ثلاث أرباع مليون فلسطيني من منازلهم، علاوة على ذلك، شدّد ياسين على خياره بقبول حدود إسرائيل والحدود الجديدة لفلسطين والمُضي قدمُا، وقال: “هناك في هذه الحياة أشياء أفضل وأشمل من مجرد التركيز على اسم قطعة أرض”.
“فليطعم أحدكم فيل”
Somebody Feed Phil “فليطعم أحدكم فيل”، هي سلسلة وثائقية بدأت شبكة “نتفليكس” الأميركية بثّ الموسم الأول لها عام 2018 ، ومؤلّفة من ست حلقات، برفقة فيليب روزنتال 1960، يذهب المشاهد في هذا المسلسل في رحلة إلى 6 مدن في قارات مُختلفة، والهدف منه هو تذوق الأطباق المختلفة وزيارة عدة أماكن ممتعة.
استهدفت السلسلة، إبراز الاكتشافات الجديدة في هذه البلدان على صعيد الأكلات والتنوّع الثقافي والعادات والتقاليد والطبيعة. غير أنّ النقطة التي ارتأى القائمون على العمل إبرازها إلى الواجهة في الشرق الأوسط هي تل أبيب.
“فيل”، الذي قال عن تل أبيب: “المدينة النابضة بالحياة، إذا أردتم أن تعرفوا حقيقة إسرائيل، عليكم أن تأتوا إلى هنا”، وأثناء الحلقة تناول أصناف من الطعام العربي مثل طبق “شكشوكة” في منزل عمره 250 عامًا تحوّل إلى مطعم، والشاورما الشامية أيضًا، إضافة إلى الباذنجان المقلي العراقي.
كما أشار خلال حلقته التي تهدف إلى “تنوّع الثقافات في إسرائيل عمومًا، وتل أبيب خصوصًا”، إلى أن هذه الأطباق ليست إسرائيلية، بل حملها معهم اليهود الذين استوطنوا الأراضي الفلسطينية المُحتلة.
هذه الرحلة، لم تنحصر في تل أبيب المحتلة، وفقط بل امتد إلى مدن أخرى من بينها عكا، حيث التقى الشيف أوري جيريمياس، صاحب مطعم السمك “أوري بوري”، الذي شدد على ضرورة نبذ العنف والتركيز على القواسم المشتركة والحب بين اليهود والعرب لحلّ كل النزاعات.
اللعب بالمصطلحات
يرى الكاتب الصحفي والباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي أحمد بلال، أن نصير ياسين ومن على شاكلته يستخدم أسلوب اللعب بالمصطلحات أو تغيير المصطلحات، فهو يعرف نفسه بأنه “فلسطيني إسرائيلي”، وهذا يُعد جزءً من اللعب بالمصطلحات، فهو في حقيقته ينتمي إلى الشعب الفلسطيني، زهو من أبنا عرب 48، الذين تبقوا في أرض فلسطين بعد التهجير الذي حدث من قبل قوات الاحتلال عقب النكبة عام 1948.
وتابع الباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي، أن عرب 48 لازالوا يعانون من التمييز العنصري داخل الأراضي المحتلة، صحيح أن لهم بعض الحقوق السياسية لكنها جاءت بعد سنين طويلة، حتى أنهم يتعرضون للتمييز في الميزانيات بمعنى أن البلدات الفلسطينية داخل إسرائيل ميزانياتها أقل، وبالنظر إلى معدلات الفقر في إسرائيل سنجد أن مُعظم الفقراء في إسرائيل من عرب 48 المُنتمي إليهم هذا الشاب، كذلك الصحة والتوظيف وكل شئ هناك يتميز فيه ضد عرب 48”.
وأضاف بلال، أن التميز ضدهم وصل إلى أعلى رأس في الكيان الصهيوني فخطاب بنيامين نتنياهو الذي دعى فيه الإسرائيلين للذهاب إلى صناديق الاقتراع جاء على خلفية الخوف من سيطرة عرب 48، بالتالي فمن المؤكد أن هذا الشاب ومن على شاكلته ممن يتغافلون عن واقعهم الحقيقي داخل أراضيهم وواقعم المعيشي وما يتعرضون له، تم توجيهه من الجهات الإسرائيلية التي تُحاول دائمًا أن تُظهر السلام الزائف.
ويختتم بلال حديثه قائلًا: “التعريف نفسه الذي يُقدم به نصير نفسه “فلسطيني اسرائيلي” يُلغي الصراع تمامًا وكأنه لم يكن هناك صراع، فهو يريد أن يروج بأن هناك شخص واحد ينتمي إلى المجتمعين والانتمائين وهذا مستحيل وغير منطقي، وبالتالي أرى أن تلك النماذج موظفين علاقات عامة للكيان الصهيوني مثلهم من الصفحات الإسرائيلية الناطقة بالعربية ومثل ما يريد نشره وزير الدفاع الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، لكن هذه قدمها شاب أصوله عربي فلسطيني وهذه هي الرسالة”.