تواصل الحكومة “الجديدة” نهج سابقتها في إنشاء المزيد من الكباري، بإنشاء 55 جسرًا جديدًا بقيمة إجمالية 8 مليارات جنيه، بعد إنفاق 132 مليار جنيه على إنشاء 945 كوبري على مدار السنوات الماضية، من إجمالي 140 مليار جنيه مخصصة لإنشاء “ألف كوبري”.

قبل تنفيذ خطة وزارة النقل بصورة كاملة، بلغ إجمالي أعداد الكباري على مستوى الجمهورية 46016 كوبري منها 40263 تابعة لوزارة الموارد المائية والري بنسبة 87.5٪، وفق آخر إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في 29 نوفمبر 2023.

تنقسم الكباري في مصر بين 2334 تابعة للهيئة العامة للطرق والكباري بنسبة 5.1%، و2284 تابعة لمديريات الطرق /المحليات بالمحافظات بنسبة 5%، و174 تابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بنسبة 0.4%.

كما يوجد 939 كوبري تابعة للهيئة القومية لسكك حديد مصر بنسبة 2%، و7 تابعة لهيئة قناه السويس بنسبة 0.02%، و15 تابعة للهيئة القومية للأنفاق بنسبة 0.03% من الإجمالي عام 2021/ 2022.

هل توجد مكاسب اقتصادية؟

تدافع الحكومة عن إنشاء الكباري بدعوى وجود حتمية اقتصادية لها كشرايين تنموية، فبحسب الدكتور مصطفى مدبولي، فإن تكلفة الازدحام المروري بالقاهرة عام 2014، كانت 8 مليارات دولار، ومتوقع وصولها لـ 80 مليار دولار في 2030، مضيفًا أنه لولا إنشاء شبكة الطرق في القاهرة الكبرى؛ لتحولت مصر إلى “جراج كبير” (يقصد زحام مروري ضخم).

وفقًا لـ “البنك الدولي“، فإن حجم المرور يتراوح بين 3 آلاف و7 آلاف سيارة، في الساعة على كل طريق من الممرات الرئيسية، وترتفع في الطريق الدائري عند كارفور المعادي بالقاهرة إلى 7 آلاف سيارة في الساعة في كل اتجاه صباحًا ومساءً.

تقدر التكاليف الاقتصادية الناجمة عن زحمة السير بمنطقة القاهرة الكبرى نحو 3.6% من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ عام 2011 نحو 229.5 مليار دولار، يتم توزيع التكاليف على عدد سكان القاهرة؛ ليبلغ تكلفة الفرد الواحد 2400 جنيه. وتبلغ تكلفة الزحام على الفرد الواحد في القاهرة حوالي 15% من مجموع الناتج المحلي للفرد، بحسب البنك الدولي.

التكاليف المرتبطة بتلّوث الهواء تتراوح بين 0.8 و1% من الناتج المحلي الإجمالي بمصر، بينما يمثل الوقود المهدور حوالي 14% من إجمالي التكاليف، من حيث تكلفة الإعانات التي تقدمها الحكومة والتكلفة المباشرة على المستخدمين.

احتلت القاهرة المرتبة 41 بقائمة المدن الأكثر ازدحامًا عالميا عام 2021، مما يجعلها أقل ازدحاما من مدن مثل باريس ودبلن وأوساكا وأثينا، وفقا لمؤشر “تومتوم ترافيك” الذي يقيس الزحام بـ 387 مدينة في 55 دولة و6 قارات.

تحسن ترتيب القاهرة عام 2023؛ لتصبح بالمرتبة الـ 74 عالميًا، فتحسن المعدل الزمني للسفر لكل 10 كيلو بنسبة تغير عن 2022؛ ليبلغ 20 دقيقة و20 ثانية، وتحسن المعدل الزمني للسرعة بساعات الذروة؛ ليبلغ 26 كيلو مترا في الساعة.

سفه كوبري العامرية وسابقه.. هل نفكر بالمستقبل؟

لكن يعترض البعض على انتشار الكباري في مصر؛ بسبب التكاليف فضلاً عن عدم دراسة جدواها أو المشروعات المستقبلية المرتبطة بها، مثل كوبري العامرية الذي افتتحت محافظة الإسكندرية أعمال توسعته قبل ثلاث سنوات، بإضافة حارات مرورية جديدة؛ لتسهيل حركة المرور في الطريق المؤدي للقاهرة، قبل أن تقرر هيئة الطرق والكباري، هدم أجزاء منه بالكامل أخيرًا.

جاء قرار هدم أجزاء من الكوبري؛ من أجل تنفيذ مشروع القطار السريع الذي يربط العين السخنة بالإسكندرية والعلمين ومرسى مطروح بطول حوالي 675 كم بعدد 21 محطة (13 محطة قطار سريع، 8 محطات إقليمية).

من المقرر، استبدال أجزاء كوبري العامرية التي تمت إزالتها بكوبري آخر شاهق العرض والارتفاع، ما يسمح بمرور القطار السريع أسفله، بتكلفة مالية مُقدرة بنحو 155 مليون جنيه.

يقول مصدر بوزارة النقل، إن ارتفاع الكوبري يتعارض مع خط القطار السريع الذي يمر بجوار مسار قطار (محرم بك- مطروح)، خاصة أنه يحتاج لإمدادات كهربية وأعمدة “كاتنيري” للتغذية، أي أن ارتفاعه يجب أن يكون بين 8.5 و9 أمتار.

يحسب المصدر، فإن مشروع القطار يتطلب تكسير جزء من جسم الكوبري، ثم إعادة صب بلاطة الكوبري بعد زيادة ارتفاع الأعمدة في المنطقة، والأمر تكرر خلال العام الماضي مع كوبري العلمين، فمسارات القطارات الكهربائية تختلف عن مسارات السيارات، حيث يتم الحفاظ على زوايا الميل والانحناءات.

وفقًا لوزارة النقل، فإن شبكة القطار الكهربائي السريع تستخدم في المناطق العمرانية والصناعية الجديدة والقائمة، مثل المناطق الصناعية في (حلوان و15 مايو وبرج العرب والسادس من أكتوبر والمنيا الجديدة وأسيوط الجديدة وغيرها من المناطق الصناعية)، وكذلك خدمة المناطق السياحية (الثقافية والتاريخية والدينية والشاطئية) بمصر، مثل خدمة المناطق السياحية في الجيزة وسوهاج والأقصر وأسوان وأبو سمبل والبحر الأحمر)، وغيرها من الأماكن السياحية الأخرى بمصر.

كما يخدم القطار المناطق الزراعية الجديدة سواء في الدلتا الجديدة أو مستقبل مصر أو جنة مصر وغرب المنيا وتوشكى وشرق العوينات، بالإضافة إلى خلق محاور لوجيستية تربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط، وشمال وجنوب البلاد، وربط المناطق الصناعية (مناطق الإنتاج) بالمواني البحرية (مراكز التصدير).

 كذلك يربط مناطق التنمية الزراعية الحديثة (الدلتا الجديدة- غرب المنيا- توشكي– مستقبل مصر) بمناطق الاستهلاك ومواني التصدير، بالإضافة إلى الربط بين المناطق السياحية (سياحة الغوص والشواطئ بالبحر الأحمر– السياحة الثقافية بكل من أهرامات الجيزة) بما يتيح تنوع البرامج السياحية بالرحلة السياحية الواحدة.

كما تساهم هذه الشبكة في تحقيق التكامل مع المطارات والمواني البحرية والطرق البرية؛ لتحقيق مفهوم النقل متعدد الوسائط والربط بين المواني البحرية والمواني الجافة والمراكز اللوجستية، وكذلك خدمة أهداف التنمية العمرانية المستدامة، وإعادة توزيع السكان وخلق محاور تنمية جديدة، والحد من التلوث البيئي.

الفرص البديلة.. المصنع أم الكوبري

يثير التوسع بالكباري جدلاً حول الفرصة البديلة، خاصة المصانع فوزارة النقل وقطاعاتها تواصل خطة تطوير لقطاع الطرق باستثمارات، بلغت نحو 1.7 تريليون جنيه، تتضمن في مجال الطرق والكباري على إنشاء 7000 كم من الطرق الجديدة؛ ليصل إجمالي أطوال شبكة الطرق الحرة والسريعة والرئيسية 30 ألف كم، وتطوير ورفع كفاءة 10000 كم من شبكة الطرق الحالية.

تضمن المبلغ سالف الذكر إنشاء 34 محورًا جديدًا على النيل؛ ليصل الإجمالي إلى 72 محورًا على النيل وإنشاء 1000 كوبري علوي، ونفق ليصل الإجمالي إلى 2500 كوبري علوي ونفق على الشبكة.

بحسب الدراسات، فإنه خلال الفترة من عام 2000– 2020، توجد علاقة معنوية إيجابية قصيرة وطويلة المدى بين الاستثمار في البنية التحتية في مصر كمتغير مستقل، والنمو الاقتصادي كمتغير تابع، إذ انعكس زيادة حجم الاستثمار في الطرق والسكك الحديدية خلال الفترة الأخيرة على النمو الاقتصادي بشكل أكبر من القطاعات الأخرى.

واعتُبر ضعف البنية التحتية للنقل أحد معوقات جذب الاستثمار الأجنبي المباشر قبل ثورة يناير 2011، فالمستثمر يضع في اعتباره أهمية تطوير البنية التحتية والطرق والكباري والمرافق لنجاح المشروعات الاستثمارية الاقتصادية.

لكن دراسة حديثة للفترة من 1982، حتى 2017، أكدت أن زيادة الإنفاق الحكومي لا يضمن بالضرورة تحقيق مستويات مرتفعة من كفاءة البنية الأساسية، فرغم زيادة حجم الاستثمار العام بصورة مطلقة خلال فترة الدراسة، إلا أن معدل نمو الإنفاق الاستثماري العام اتسم بالتذبذب الشديد، حتى أنه كان سالبًا في بعض السنوات.

جاء ذلك بسبب الأزمات التي تعرض لها الاقتصاد المصري، كما حدث في أواخر الثمانينيمات من انخفاض الاستثمار العام؛ نتيجة انخفاض عائدات صادرات البترول، وتراجع صافي تحويلات المصريين بالخارج، وتزايد عبء الدين العام على الموازنة العامة للدولة وعلى ميزان المدفوعات.

قالت الدراسة، إنه رغم أن مصر تعد من أكبر الدول الإفريقية– والثالثة عربيًا- المتلقية لاستثمارات أجنبية، إلا أن هذه التدفقات لا ترقى لمستوى المطلوب؛ حيث أنها تتسم بانخفاض النصيب النسبي في تدفقات الاستثمار المباشر عالميا، كما أنها تتسم بالتذبذب من سنة لأخرى.

الفائدة الاقتصادية

وفقا للدكتور سيف فرج، خبير الاقتصاد العمراني، فإن الكباري تمثل شرايين تنموية للدولة المصرية، لأنها نجحت في نقل الكثافة المرورية من منطقة لأخرى وتقليل الوقت، والانبعاث الحراري، وتقليل استهلاك الوقود.

يضرب فرج المثل بالرحلة من أكتوبر للتجمع الخامس التي كانت تستغرق من ساعتين ونصف لـ 3 ساعات، ولكن بعد إنشاء الكباري وتطوير الطرق، أصبحت الرحلة تأخذ وقتا لا يزيد على 25 دقيقة.

 أحمد عبد الله، عضو شعبة الاستثمار العقاري باتحاد الغرف التجارية، يؤكد الفكرة ذاتها، إذ يرى أن البنية التحتية التي تم إنشاؤها بالبلاد على مدار السنوات الماضية ساهمت بشكل كبير، وستساهم في جذب استثمارات مباشرة، خاصة بمنطقتي العلمين الجديدة والساحل الشمالي.

أضاف أنَّ الاستثمار المباشر الأكبر مؤخراً، جاء إلى مصر بعد إتمام مشروع «رأس الحكمة»، ولولا مشروعات البنية التحتية والتطوير وإنشاء مدينة العلمين الجديدة، ما رأينا كل هذه الاستثمارات الضخمة والصفقات.

في المقابل، يرى كثيرون مثل الدكتور عمرو الشوبكي، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الكباري ليست وحدها المحرك للنمو، إذ يقول في تغريدة له «لم أسمع عن بلد نام أو متقدم اعتبر إنشاء الكباري دليل تقدمه”، معتبرا أن المشاريع التي يمكن وصفها بالعملاقة مثل السد العالي، وصناعات ثقيلة (الحديد والصلب) وأخرى متوسطة وصغيرة، كانت شاهدة على درجة من التقدم.