كتب- سمير علي
في عام 2016، أطلقت الدولة المصرية الخطة الاستراتيجية طويلة المدى، لتحقيق التنمية المستدامة “رؤية مصر 2030″، تماشيًا مع أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة في 2015.
ترتكز الرؤية المصرية على ثمانية أهداف، تسعى جميعها إلى الارتقاء بجودة حياة المواطن في مختلف المجالات، وتحسين المعيشة، وتعكس الأبعاد الثلاثة للتنمية، وهي البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي والبعد البيئي.
و”خطة التنمية المستدامة 2030″ التي وضعتها الأمم المتحدة في 2015، تضم 17 هدفًا و169 غاية، و232 مؤشرًا، وتهدف إلى تحديد اتجاه السياسات العالمية والوطنية المعنية بالتنمية، وتقديم خيارات وفرص جديدة؛ لسد الفجوة بين حقوق الإنسان والتنمية، وذلك حسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
وأول أهداف التنمية المستدامة التي يسعى العالم إلى تحقيقها بحلول عام 2030، هو القضاء على الفقر، والذي يضم داخله 7 غايات و13 مؤشرًا، وهو أحد الأهداف الهامة بالنسبة لمصر التي تعمل على خفض معدلاته، وتحسين جودة حياة المواطنين، وذلك بحسب ما تعلنه رسميا.
يتناول التقرير التقدم الذي أحرزته مصر في القضاء على الفقر، منذ تطبيق الاستراتيجية، والمستهدف الذي تسعى إلى تحقيقه، وما هي التأثيرات الخارجية التي ساهمت في تحقيق الهدف من عدمه.
31 مليون مواطن يعانون الفقر
طبقًا لمؤشرات بحث الدخل والإنفاق لعام 2020، في الإصدار الأخير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، انخفضت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر الوطني إلى 29.7 % عام 2020، بعد أن كانت وصلت إلى 32.5 عام 2018، وتمثل هذه النسبة حوالي 31 مليون مواطن، فيما تنفق هذه الشرائح الأقل فقرًا حوالي 44.6% من دخلهم على الطعام والشراب، وتم تحديد خط الفقر الوطني أو القومي بـ 857 جنيهًا في الشهر أي حوالي 10279 جنيهًا في العام.
وانخفضت نسبة من يعانون من الفقر المدقع، والذي تم تحديده بأقل من 1.9 دولار في اليوم- تم تحديثه في 2022؛ ليصبح 2.25 دولارين لليوم- إلى 4.5 % من السكان في 2020، بعدما وصلت إلى 6.2 % عام 2018.
الانخفاض في نسبة من يعانون من الفقر والفقر المدقع، جاء بعد تطبيق عدة حزم حماية اجتماعية، على إثر التضخم الذي عانت منه البلاد بعد تعويم الجنيه.
أحدث الإحصائيات المتاحة حول نسبة الفقر بالمحافظات كانت لعام 2018، والتي تناولها بحث الدخل والإنفاق، حيث سجلت محافظات الصعيد أعلى نسبة لمواطنين تحت خط الفقر، وجاءت أسيوط في المرتبة الأولى، تلتها سوهاج والأقصر والمنيا والوادي الجديد، فيما جاءت أعلى نسبة للمواطنين الذين يعانون من الفقر المدقع في جنوب سيناء وأسيوط ومرسى مطروح وسوهاج على التوالي.
هدف القضاء على الفقر، يتضمن عدة غايات ومؤشرات فرعية، وترتبط جميع الأهداف ببعضها البعض، حيث القضاء على الفقر، يرتبط بشكل مباشر بالهدف الثاني، القضاء على الجوع، وكذلك الرفاه والتعليم الجيد، وبقية أهداف التنمية المستدامة،
وقياس الفقر بالمعايير المالية وحده غير كافٍ، حيث يوجد مؤشر يسمى الفقر متعدد الأبعاد، ويرصد أوجه الحرمان المتعددة مثل، التعليم والصرف الصحي والصحة والتغذية ومياه الشرب والإسكان.
ووفقًا للتقرير العربي الثاني للفقر متعدد الأبعاد، الذي أصدرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، بالتعاون مع جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن نسبة السكان الذين يعانون من الفقر متعدد الأبعاد في مصر وصل إلى 5.2 % عام 2014.
وأشار التقرير إلى النسبة المئوية من الأطفال الذين يعانون في كل بعد من أبعاد الفقر المتعدد، وجاءت التغذية بنسبة 42.3%، والصحة 39.3%، والتعليم 19.2%، والمعلومات 6.2%، والمياه 9.5%، والصرف الصحي 2.5%، والسكن 17.2%.
الأرقام الواردة بالتقرير الصادر عام 2021 لا تعكس الواقع، حيث أن العديد من البيانات الواردة قديمة نسبيًا، ولكنها أحدث بيانات متاحة.
البيانات توضح تأرجح نسبة السكان الذين يعانون من الفقر وفقًا للنوع ما بين 2015 حتى 2020، وانخفضت نسبة الذكور إلى 30.4 % بعد ارتفاع ملحوظ في عام 2018، وصل إلى 33.5 %، كما انخفضت نسبة الإناث من 31.5% عام 2018 إلى 29.1 % عام 2020.
10.6%.. مستهدف خفض الفقر في 2030
في يناير 2020، صدر تقرير بعنوان “تحديد المستهدفات الكمية لأهداف التنمية المستدامة على مستوى المحافظات”، نفذته وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بالشراكة مع مركز بصيرة وصندوق الأمم المتحدة للسكان بمصر.
ويعد التقرير أساس عملية توطين أهداف التنمية المستدامة في المحافظات المختلفة.
ووفقًا للتقرير، فإن حساب مستهدفات القضاء على الفقر تمت بناء على سيناريو أول وثانٍ، حيث يفترض السيناريو الأول انخفاض نسبة الفقر إلى نصف ما كانت عليه في 2015، عند إطلاق وثيقة أهداف التنمية المستدامة.
أما السيناريو الثاني، يعتمد على أن تحقيق السيناريو الأول صعب عمليًا في ظل متغيرات اقتصادية واجتماعية مختلفة، حيث تم وضع حد أدنى لنسب الفقر في كل محافظة، ثم توزيع باقي النسب في المحافظات، التي ما زالت الأعداد فيها تتخطى الحد الأدنى المطلوب.
طبقًا للتقرير، فإن الحد الأدني المستهدف لنسبة الفقر بالمحافظات تم تحديده بـ 10.6 %، وبمقارنة نسب الفقر في 2015 مع نتائج مسح الدخل والإنفاق لعام 2020، فقد تزايدت النسب في بعض المحافظات، وانخفضت في محافظات أخرى.
تباينت الاختلافات ما بين عامي 2015 و2020، حيث انخفضت نسبة الفقراء في ريف وحضر الوجه القبلي وحضر الوجه البحري، بينما ارتفعت النسبة في ريف الوجه البحري.
وأوضحت البيانات وجود تباين في ارتفاع نسب الفقر، كلما قلت الحالة التعليمية، حيث سجلت الفئات الأقل في المستوى التعليمي “أمي ويقرأ ويكتب” أعلى نسب في الفقر، فيما جاءت فئة الحاصلين على شهادة جامعية فأعلى النسبة الأقل، وهو ما يوضح الارتباط الوثيق بين الفقر والمستوى التعليمي للأفراد.
نقص التغذية
يعد القضاء على سوء ونقص التغذية أحد الأهداف المرتبطة بتحقيق هدف القضاء على الفقر.
وأظهرت البيانات ارتفاع نسبة من يعانون من نقص التغذية من إجمالي السكان، ووصلت النسبة عام 2022 إلى 7.2 % وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”.
وكشفت دراسة أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تحت عنوان “دراسة العوامل المحركة للتنوع الغذائي، واتجاهات سوء التغذية لدى الأطفال المصريين”، أن سوء التغذية بأشكاله المختلفة (هزال– تقزم– نحافة– وزن زائد) ينتشر بين الفئات الأكثر فقرًا.
وتركزت نسبة سوء التغذية بشكل أكبر في أولئك الذين يعانون من فقر مدقع، تلاها الفقراء، كما يصيب سوء التغذية أولئك القريبين من الفقر.
الإجراءات الحكومية
ويرتبط القضاء على الفقر بعوامل مختلفة، ما بين الكثافة السكانية ومعدلات الإنتاج والبطالة وغيرها من العوامل التي تسعى الدولة المصرية إلى إيجاد حلول لها، وهو ما دفعها إلى العمل على خطة التنمية المستدامة 2030.
وطبقًا للأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، فإن للفقر أبعادا عديدة، أما أسبابه فتشمل البطالة، والإقصاء الاجتماعي، والضعف الشديد لفئات بعينها من السكان إزاء الكوارث والأمراض وغيرها من الظواهر التي تحول، دون أن يكونوا منتجين.
وأكدت اللجنة في تقرير حديث، نشر في أكتوبر 2023 بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على الفقر، أن الدولة المصرية قامت بالعديد من الجهود؛ من أجل القضاء على الفقر، ونفذت العديد من المشروعات التنموية، ومن بين حزم الحماية الاجتماعية التي طبقتها مصر، برنامج تكافل وكرامة، ومشروع حياة كريمة، الذي يستهدف عملية تنمية على مستوى جميع قرى مصر، في مجالات الإسكان والصرف الصحي والمياه وشبكات النقل.
كما خصصت الدولة مجموعة حزم اجتماعية منها الحزمة الأولى في مارس 2021، بمبلغ 100 مليار جنيهًا، لمساندة القطاعات المتأثرة بجائحة كورونا، وفي إبريل 2022 تم تخصيص مبلغ 78 مليار جنيهًا، وذلك بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وفي نوفمبر من نفس العام تم تخصيص 67.5 مليار جنيهًا؛ بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، وكانت الحزمة الرابعة في إبريل 2023 بمبلغ 150 مليار جنيهًا، والأخيرة في سبتمبر 2023 بمبلغ 60 مليار جنيهًا؛ لمواجهة ارتفاع الأسعار.
مشروع الحد من الفقر، كان أحد المشروعات التي نفذتها الدولة بجانب برنامج مستورة وفرصة، وجميعها تهدف إلى توسعة شبكة الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجًا، وتوفير مظلة حماية للمرأة المعيلة.
وكذلك قامت الدولة بزيادة نسب الدعم والمنح الحكومية خلال إقرار موازنة العام المالي الجديد، والتي ناقشها البرلمان مؤخرًا، حيث تم زيادة الدعم بنسبة تقارب الـ 20% عن العام المالي السابق، وتمثل حوالي 7% من إجمالي الناتج المحلي.