كتب- الجيلاني محمد

طورت المفوضية السامية للأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة الماضية نظاما، يعرف بـ “الإنذار المبكر للوقاية وتحديد المخاطر”.

يهدف هذا النظام؛ لتصميم تدابير وقائية وتخفيفية؛ لمنع انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة منع نشوب نزاعات، وأزمات أوسع نطاقا، وذلك عبر التحليل القائم على حقوق الإنسان، إلا أن هذا النموذج لا يبدو قابلا للتطبيق في الحالة السودانية التي تتسم بسرعة توالي الأحداث والتطورات.

إذ بثت قوات الدعم السريع عبر منصاتها الرسمية في تليجرام مقطع فيديو على تخوم ولاية القضارف بتاريخ 20 يوليو 2024 م 1]، أعلنت فيه عن  تشكيل متحرك عسكري بقيادة ضابط برتبة مقدم؛ معلنا نيته دخول الولاية الحدودية.

 وبثت ذات القوات مقطع فيديو آخر في 28 يوليو 2] من منطقة شرق الدندر،  وهي منطقة حدودية بين ولايتي سنار و القضارف.

 لم يكن هذا هو الاستهداف الأول، ففي 2 إبريل الماضي استهدفت مُسيرات، تتبع للدعم السريع مقرات الجيش والأمن في القضارف، بحسب ما صرح به والي القضارف المكلف محمد عبد الرحمن محجوب لصحيفة الشرق الأوسط.

وبالرجوع إلى يونيو الماضي، فقد شهد سقوط (سنجة- الدندر- الشوكي) أهم مدن ولاية سنار في أيدي الدعم السريع، بينما حافظ الجيش على سنار المدينة بعد معارك عنيفة.

 وارتكبت قوات الدعم السريع انتهاكات واسعة في المدن الثلاث، فقد قتل العشرات، وفر قرابة (10.000) شخص سيرا على الأقدام نحو ولايات آمنة، ومعظمهم اتجه نحو القضارف.

وفي 3 يوليو 2024 م، سيطر الدعم السريع على حامية الجيش الواقعة في (كوبري دوبا) 3} الرابط بين ولايتي سنار و القضارف، وهو ما يعني منطقيا عزل قوات الجيش المرتكزة في (الفاو) و(سنار)، ووقف إمدادها.

وفي 29 يوليو، بثت قوة من الدعم السريع مقطع فيديو من منطقة (أبو رخم) الواقعة في ولاية القضارف 4] (محلية المفازة)، والتي تبعد 188 كيلو مترا عن القضارف المدينة، وقالت إنها بسطت سيطرتها على (كوبري الأربعين) الرابط بين سنار والقضارف، وهذا يعني الهجوم على القضارف عبر محورين، سنار والجزيرة، وهي الاستراتيجية التي تستخدمها الدعم السريع.

(خريطة 1: توضح المسارات و أهم المواقع)

ولاية القضارف هي أهم مناطق  السودان الزراعية، وتقع على الحدودية الشرقية جوار دولة إثيوبيا، وتوجد بها أكبر معسكرات اللاجئين الإثيوبيين الفارين من الحروب الإثيوبية بحقب تاريخية مختلفة، وتشهد الولاية توترات في منطقة الفشقة المتنازع عليها بين السودان وإثيوبيا، وصل إلى حد إخراج مزارعي إثيوبيا من المنطقة بعد خمسة وعشرين عاما، على يد الجيش السوداني الذي أعاد انتشاره الكثيف منذ عام 2020 م.

وبعد اندلاع الحرب في 15 إبريل 20223، عادت المجموعات الإثيوبية لنشاطها السابق، وتعاني الفشقة من حالة سيولة أمنية، وتنتشر فيها جرائم الخطف والسرقة والقتل التي تقوم بها عصابات تسمى (الشفتة)، بالإضافة لتجارة السلاح، مما يجعل الوضع في القضارف مضطرب للغاية، وينذر بوقوع انتهاكات أوسع نطاقا، تتجاوز حدود السودان إلى إثيوبيا.

معطيات الجغرافيا

ولاية القضارف تقع في الجزء الشرقي بين خطي عرض 12 و17 درجة شمالاً، وخطي طول 34 و36 درجة شرقاً.

 تحدّها من الناحيتين الشمالية والغربية ولايتي الخرطوم والجزيرة، ومن الناحية الشرقية ولاية كسلا والحدود السودانية الإثيوبية، ومن الجنوب ولاية سنار.

(خريطة 2: خريطة ولاية القضارف)

تمتد الفشقة على طول الحدود السودانية الإثيوبية بمسافة 168 كيلو مترا (104.390 ميلا)، وتقع على مساحة تبلغ 5700 كيلو متر (3541.815 ميلا) مربعا، يشقها نهر بإسلام إلى جانب نهري ستيت وعطبرة، تحدها من الشمال ولاية كسلا ومحلية البطانة بالسودان والحدود الإثيوبية ومن الشرق محلية القضارف، ومحلية القلابات الغربية بالسودان.

(خريطة 3: توضح محلية الفشقة المتنازع عليها)

المحور الإثيوبي الإماراتي

يشهد السودان أسوأ فتراته؛ فالحرب المستمرة لأكثر من عام و نصف، شردت الملايين وأضحى المدنيون ضحايا انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، ويغذي النزاع المسلح تدفقات الأسلحة والذخائر والمعدات التي تتعدد مصادرها، فالدعم السريع المدعوم إماراتيا بشكل رئيس، تتعدد مراكز دعمه ففي الجانب الغربي من الدولة، تسيطر قوات الدعم السريع على ولايات غرب السودان، والتي تتدفق إليها الأسلحة والجنود من دولة تشاد وإفريقيا الوسطى وليبيا، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في توغلها في ولايات شمال كردفان وغرب كردفان، ومؤخرا ولاية سنار ونسبة لكبر جغرافيا السودان، واعتماد الدعم السريع على استراتيجية الاجتياح البري المفاجئ لوجود خط إمداد على الجانب الشرقي، وإلا ما كان للدعم السريع المجازفة بتوسيع رقعة المعارك شرقا، وترك مواقع أخرى هامة، قد سيطر عليها مؤخرا.

محمد النعيم الأستاذ والمحاضر بكلية العلوم السياسية في جامعة الإمام الهادي، ذكر أن مليشيات الدعم السريع جندت مرتزقة إثيوبيين، منذ سيطرتها على العاصمة الخرطوم ،كانوا يقيمون بأحياء وسط الخرطوم، ومعظمهم جنود سابقين، شاركوا في الحرب الإثيوبية الأخيرة ضد جبهة تحرير تجراي.

 وعن علاقة حميدتي بإثيوبيا، قال إن حميدتي زار إثيوبيا خلال فترة الحرب، والتقى بالرئيس الإثيوبي آبي أحمد.

 وبالرجوع للعام 2020 م، نجد أن المسيرات القادمة من الإمارات ساهمت في دعم الجيش الاثيوبي؛ للقضاء على جبهة تحرير تيجراي التي كانت على بعد 200 كيلو متر من العاصمة أديس أبابا.

وقد وقعت إثيوبيا والإمارات في 2019، مذكرة تعاون عسكري وتطور التعاون؛ ليشمل كافة الجوانب الاقتصادية والأمنية، وبالنظر للعلاقات المميزة التي تجمع القائد العام للدعم السريع حميدتي بالامارات، فتبرز سردية الكماشة المشتركة الإماراتية الإثيوبية، باستخدام آلية “”ميليشيا الدعم السريع” كمعبر أكثر صدقا وقربا للواقع، لا سيما في ظل انسحاب الجيش السوداني من منطقة الفشقة الحدودية، وانشغاله بالحرب الداخلية، وعودة إثيوبيا للسيطرة على المنطقة.

الوضع ينذر بكارثة أكثر مرارة وفداحة حال سيطرة الدعم السريع على القضارف، خاصة أن الوضع بشرق السودان محتقن قبل نشوب الحرب، بالإضافة للانتهاكات الواسعة لقوات الدعم السريع، وأسلوبها الذي يعتمد على تشريد المدنيين، وتفاقم أزمات النزوح والمجاعة الأمر الذي سيلقي بظلاله على الأمن الإقليمي والدولي.