تسبب خروج مفاجئ لشريحة من استثمارات الأجانب غير المباشرة المعروفة بـالأموال الساخنة بمصر في هزات عنيفة للجنيه المصري؛ ليلامس أعلى مستوى خلال خمسة أشهر، أول أمس الاثنين ، بالتزامن مع موجة خسائر بالبورصة، تجاوزت 115 مليار جنيه في يومين اثنين فقط.
والأموال الساخنة هي تدفق رؤوس أموال من دولة إلى أخرى للاستفادة من وضع خاص بها، كارتفاع أسعار الفائدة أو تغير سعر الصرف، ويشبها عدد من الاقتصاديين بالطيور المتنقلة بين الأشجار وذلك لسرعة تحرك تلك الأموال بين الدول دخولاً وخروجًا.
تتخذ الأموال الساخنة عدة أشكال أهمها: استثمارات أذون وسندات الخزانة التي تطرحها الحكومة بهدف توفير السيولة، وكذلك أسهم الشركات المدرجة في البورصة للاستفادة من رخص أسعارها مع عمليات تحريك أسعار الصرف، فأسهم الشركات المصرية على سبيل المثال مقومة بالجنيه وقيمتها تقل مع كل رفع لسعر الدولار.
تخارج عدد من المستثمرين الأجانب من أدوات الدين قصيرة الأجل “أذون خزانة”، بقيمة 297 مليون دولار الأسبوع الماضي، وواصلوا البيع الأسبوع الحالي، ما شكل ضغطا على سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأمريكي.
سجل الدولار في ختام تعاملات الاثنين أعلى مستوى منذ مارس الماضي، بعدما وصل لمستوى 49.35 جنيها، قبل أن يتراجع قليلاً بنهاية تعاملات الثلاثاء عند مستوى 49.22 في المتوسط.
ارتفعت الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة “الأموال الساخنة” بنحو 2.8 ملياري دولار خلال شهر إبريل؛ ليقفز إجمالي المحفظة إلى رقم قياسي عند 35.42 مليار دولار، مقابل 32.7 مليار دولار في مارس الماضي، بحسب بيانات المركزي.
صندوق النقد يطالب بمرونة كاملة لسعر الصرف
قال الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن صندوق النقد أكد عدم وجود أي قيود على سعر الصرف، وبالتالي مرونة مستمرة (تفاعل مع العرض والطلب)، والتدخل من البنك المركزي مرتبط بالتقلبات المفرطة فقط.
حذر الإدريسي من خروج ٦٠٠ مليون دولار في يومين اثنين فقط؛ بسبب التوترات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، ومحاولة الحفاظ عليها، سيكون بتثبيت أسعار الفائدة المرتفعة بمصر ومرونة سعر الصرف.
جذبت مصر استثمارات أجنبية غير مباشرة بنحو 21.8 مليار دولار خلال أول شهرين من قرار تحرير سعر الصرف في مارس وإبريل الماضيين، وذلك للاستفادة من عائد الفائدة المرتفعة بمصر، لكن تتزايد المخاوف حاليًا من نشوب حرب إقليمية بالمنطقة.
وقررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، في اجتماعها الأخير، تثبيت سعري عائد الإيداع والإقراض عند 27.25%، 28.25% على الترتيب.
أوضح الإدريسي، أن البورصات العالمية حققت خسائر كبيرة، والبورصة المصرية هي الأخرى ليست بمنأى عن تلك الخسائر، وقد نعود لمستويات الـ ٥٠ جنيهًا للدولار، على أن يتراجع مرة أخرى.
نفس الخطأ وبالطريقة ذاتها
تكبدت أسواق الأسهم العالمية خسائر تقدر بـ 6.4 تريليونات دولار “الاثنين”؛ بسبب عمليات بيع عنيفة مدفوعة بمخاوف من تباطؤ الاقتصاد الأمريكي على نحو أسرع من المتوقع مع إبقاء بنك الاحتياطي الفيدرالي “البنك المركزي الأمريكي” على أسعار الفائدة دون تغيير.
يقول الخبير المصرفي الدكتور رمزي الجرم، إن وزارة المالية اعترفت، بأنها أخطأت عند انتهاج سياسات من شأنها جذب المزيد من الأموال الساخنة، وأنها أحد أهم أسباب الأزمة التي اندلعت بعد اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية، لكنها كررت نفس الخطأ، وبالطريقة ذاتها في الفترة الأخيرة.
كانت مصر قد عانت خلال عامي 2022 و2023 من تفاقم أزمة النقد الأجنبي بعد خروج استثمارات أجنبية غير مباشرة بنحو 22 مليار دولار في النصف الأول من 2022، بسبب مخاطر الحرب الروسية الأوكرانية وتبعاتها على المنطقة ككل.
صرح الدكتور محمد معيط، وزير المالية السابق إبان توليه الوزارة، بأن الحكومة تعلمت الدرس جراء تخارج المستثمرين الأجانب من مصر من الاستثمار في الأموال الساخنة- السندات المحلية؛ خلال الـ 4 شهور الأولى من العام الميلادي الجاري، والتي تجاوزت حاجز الـ 20 مليار دولار.
أضاف الجرم، أن الجميع طالبوا بعدم الاعتماد على جذب الأموال الساخنة، خصوصًا مع وجود أكبر صفقة استثمار مباشر في مصر وتَحسن الصادرات المصرية خلال الفترة الأخيرة، محذرًا من مخاطر في ظل زيادة حِدة النزاعات المُسلحة بالمنطقة، واختلاق أزمات في الأسواق الأمريكية.
تباطأ معدل نمو الوظائف بأمريكا إلى 4.3%، ما دفع الأسواق العالمية لمواجهة عمليات بيع واسعة في الأسهم والسندات؛ خوفًا من مخاطر الركود في الولايات المتحدة قبل الانتخابات الرئاسية.
وقال أحمد شوقي، الخبير المصرفي، إن الجنيه ليس بمنأى من انخفاض آخر في ظل تعويمه أمام الدولار؛ بالإضافة لإعلان رئيسة بعثة الصندوق عن احتياج الاقتصاد المصري لتحريك آخر للجنيه دون قيود، ولعدم خروج الأموال الساخنة فستحتاج لمزيد من التحريك للجنية في ظل انخفاض أداء البورصات، وإلا هربت “الطيور المهاجرة”.
أوضح شوقي، أن سلسة الإجراءات التي تم اتخاذها في مارس ٢٠٢٤، كان لها العديد من الآثار أبرزها القضاء على السوق الموازي، ودخول أموال ساخنة بحوالي ٣٥ مليار دولار أمريكي.
وقرر البنك المركزي تحرير سعر الصرف في 6 مارس الماضي، كما رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 600 نقطة أساس؛ ليصل إلى 27.25%، 28.25% و27.75%، على الترتيب، بجانب رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 600 نقطة أساس؛ ليصل إلى 27.75%.
وتابع شوقي، أنه مع حدوث توترات في أسواق المال عالميًا، والتي امتدت لتصل إلى الأسواق العربية وانخفاض أداء أغلبها، ما يشكل رعبا لأصحاب الموال الساخنة، والتي قد تستعد لربط الأحزمة للخروج، والتأثير على الاقتصاد المصري، خاصة بعد استلام مصر للدفعة الثالثة من الصندوق 820 مليون دولار.
يقول الخبير المصرفي الدكتور رمزي الجرم، إن وزارة المالية اعترفت، بأنها أخطأت عند انتهاج سياسات من شأنها جذب المزيد من الأموال الساخنة، وأنها أحد أهم أسباب الأزمة التي اندلعت بعد اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية، لكنها كررت نفس الخطأ، وبالطريقة ذاتها في الفترة الأخيرة.
كجوك: الوضع كويس جدا
لكن الدكتور أحمد كجوك، وزير المالية، أكد في مؤتمر صحفي الاثنين، أن الوضع المالي “كويس جدًا”، وأن الحكومة تواصل استعادة ثقة المستثمرين، واستهداف دخول أسواق جديدة وسداد الاستحقاقات واستعادة تقييم مصر الائتماني لمساره الإيجابي، مضيفًا أن تكلفة الدين بدأت تتراجع في الإصدارات المصرية السيادية الدولية.
أضاف كجوك، في مؤتمر صحفي عقده ظهر الثلاثاء بمقر وزارة المالية بالعاصمة الإدارية الجديدة، أن عوائد السندات الدولية بالسوق الثانوية تراجعت ٦٪ لأجل ٣ سنوات و٣,١٪ لأجل ٥ سنوات مقارنة بأسعارها في فبراير الماضي، وأن معدلات أسعار التأمين ضد مخاطر السداد لأجل خمسة وعشرة أعوام تراجعت ٢٢٤ و١٦٨ نقطة على التوالي.