أفكار مغلوطة، يحملها البعض حول المجتمع السعودي، فيما يتعلق بانضباطه وصرامة تمسكه بالعادات والقيم، وصعوبة انجرافه في تيار الانحرافات والصراعات المجتمعية والأخلاقية، التي تعيشها مختلف دول العالم، إلا أنه بتتبع شرائح المجتمع السعودي، وميولهم وخصائصم، نجد أنه لا يختلف كثيرًا عن الطبائع البشرية لمُعظم المجتمعات.
الانحراف في السعودية، له وجوه كثيرة تبدأ بالفرد وتمتد للعائلة، بل وربما تزيد في تجاه أكثر حدة بسبب ما عاناه السعوديين من كبت مجتمعمي على مدار السنوات الماضية.
لعبت التفرقة بين الجنسين في المملكة دورًا حيويًا في تشكيل مفهومهم الخاص حول الأخلاق فما هو مُحرم على النساء يُتاح وبأريحية للرجال
استراحات الترف
لعبت التفرقة بين الجنسين في المملكة، دورًا حيويًا في تشكيل مفهومهم الخاص حول الأخلاق، فما هو مُحرم على النساء، يُتاح وبأريحية للرجال، وما هو ممنوع في الشارع، مسموح به في خلوات الترف، وما هو مُحرم عليهم علانية، يجوز لهم فعله في الخفاء، أكثر المظاهر السعودية المبرهنة على الأوضاع هناك، ظاهرة استراحات الترف، التي يستأجرها الشباب والنساء لقضاء عُطلاتهم، فهناك إقبال كبير عليها لعدة أسباب يعود بعضها لأسباب شخصية تتمثل في رغبة الأفراد في الخصوصية والعزلة والهروب من ضجيج المدينة، والبعض الآخر يرجعها لأسباب مجتمعية كالرغبة في تكوين صداقات جديدة، وتوسيع شبكة علاقات الأفراد.
توسع سوق تلك الاستراحات، وتحولت مع الوقت لآداة لجذب كل طبقات المجتمع خاصة الشباب، اللذين هجروا المقاهي مؤخرًا، وارتفعت معدلات ترددهم على الاستراحات المستأجرة، خاصة في المناطق الواقعة خارج النطاق العمراني، والتي شهدت انتشارًا ملحوظًا للاستراحات في مختلف مناطق السعودية بغرض تأجيرها بسبب تزايد الإقبال عليها.
أنواع مجالس الترف
أنواع عديدة من الإستراحات ومجالس الترف، جميعها ذات هدف واحد، لكنها تختلف من حيث الشكل، فمنها المبني بالطوب، وأخرى بالصفيح وغيرهما على شكل خيمة، كما تختلف وفقًا لعدد الأفراد، فهناك استراحات ملك لمجموعة من الأصدقاء، وغالبًا ما تقع هذه قريبًا من النطاق العمراني، وهناك استراحات بالإيجار يتقاسم مصروفها مجموعة من الأصدقاء بنظام المشاركة بالوقت أو الإيجار.
للرجال فقط !
لسنوات عديدة كانت مجالس الترف، مُخصصة للرجال فقط، خاصة فئتي الشباب وكبار السن منهم، الأمر الذي لم يمثل ضررًا في بدايته، ولم يشغل بال المملكة على الإطلاق، ففي الماضي كان كل شيء يبتعد عن المرأة ولا يتطرق للحديث عنها هو أمر مسموح به وقابل للتداول، حتى وإن كان الواقع غير ذلك، فكان ما يهم وقتها هو الحفاظ على هالة الفضيلة والأخلاق الكبيرة التي صدرها المجتمع السعودي عن نفسه، والتي لا ننفي اتسام البعض هناك بها على الإطلاق، لكن بطبيعة الحال هناك فروق فردية تفرض نفسها على الجميع، وتجعل لكل قاعدة شواذ، ولكل مجتمع مميزاته وعيوبه أيضًا.
هددت استراحات الترف عرش التماسك الأسري داخل العائلات السعودية
تفكك أسري
هددت استراحات الترف، عرش التماسك الأسري داخل العائلات السعودية، بسبب انجذاب الرجال والشباب لها، وتفضيلهم قضاء أوقات فراغهم بها، بدلًا من قضائها مع العائلة، حتى انتشرت ظواهر المُشكلات الأسرية بين حديثي الزواج على وجه الخصوص، وهو ما أكده أحد الباحثين الاجتماعيين ويدعى عادل السعودي، موضحًا أنه رغم أن الاستراحات أصبحت تشكل جزءً هامًا من شكل ونمط الحياة في السعودية، حيث يعتبرها الشباب مصدرًا هامًا للهروب من مسؤوليات وضغوط الحياة، إلا أنها تسببت في مشاكل عدة.
فعلى الرغم من السعي السعودي الدائم للتحرر من وصمة التأخر، والميل الشخصي لديهم للتحرر وإبراز دلائله، إلا أن لكل فعل رد فعل، فما يحاولون إثباته من خلال انجذابهم لمجالس الترف، يخسرون أمامه اسقرار حياتهم الأسرية والعائلية، وترتفع معها نسبة الانفصالهم وتدمير الحياة المستقرة.
“نادية حسين” فتاة سعودية اضطرت للانفصال عن زوجها بعد شهر واحد من الزواج بسبب مجالس الترف
انفصال الأزواج
تقول “نادية حسين”، فتاة سعودية، إنها اضطرت للانفصال عن زوجها بعد شهر واحد من الزواج بسبب مجالس الترف، وميله للجلوس في الاستراحات وقضائه وقت كبير بداخلها أكثر من الوقت الذي كان يقضيه معها، الأمر الذي دفعهما لمشاجرة كبيرة بعد أسبوع واحد من الزواج.
حضرت العائلتان، بعد المُشاجرة، ورفضا الانفصال خوفًا من الأقاويل حول سبب الإنفصال، إلا أنها لم تتمكن أن تحتمل الوضع كثيرًا، فانفصلا في هدوء، وبرر زوجها السبب وقتها أنه لا يستطيع أن يترك حياة الاستراحات التي اعتاد عليها منذ أكثر من 5 سنوات، كما أنه يجد نفسه هناك أكثر مما يجد نفسه في منزله.
أزمة كبيرة واجهتها إحدى كبار عائلات المجتمع السعودي، بسبب انفصال ابنتهم “فاطمة” 25 عامًا عن زوجها بعد أسبوعين فقط من الزواج، والتي أرجعت السبب لعدم قدرة زوجها على الجلوس في المنزل لإسبوع متواصل، الأمر الذي أشعل غضبها، فأصرت على الانفصال وإنهاء العلاقة.
كبار السن
لم يقف الأمر فيما يتعلق بحديثي الزواج فقط، فامتد ليصل كبار السن، فهم من الفئات الهامة التي تتأثر بمجالس الترف كثيرًأ، بسبب رغبتهم الدائمة في إثبات أنهم مازلوا في ريعان شبابهم، فيحاولون قدر المستطاع الاستمتاع بحياتهم، بعيدًا عن ضجيج الأسرة.
تقول “رضوى عبد الله”، سيدة مصرية مقيمة بالسعودية، إنها تعيش مشكلات صديقاتها وجيرانها من المجتمع السعودي، والتي تتعلق معظمها بإقبال رجال العائلة، خاصة كبار السن على ترك منازلهم لأكثر من يوم بشكل متواصل وقضاء أوقاتهم في مجالس الترف، ما يؤثر على زوجاتهن وأبنائهن بالسلب، فيترتب عليه حدوث فجوة بين الزوجين، حتى ولو لم يتمكنا من الانفصال الرسمي بسبب الأبناء، فتضطر المرأة لتحمل الوضع والاستمرار في الزواج رغمًا عنها .
تكررت أزمات النساء، في المجتمع السعودي المُتعلقة بمجالس الترف في الآونة الأخيرة، حتى وضعت تلك الاستراحات في مرمى النيران كسبب رئيس لتفكك الحياة الأسرية هناك.
عدد كبير من الشباب يلجأ لمجالس الترف بحثًا عن الاستقلالية
محاولات لاستقلال الشخصية
رغم سلبيات مجالس الترف، إلا أن لها بعض الفوائد التي لا يمكن إنكارها، فبالبحث تبين أن عدد ليس بقليل من الشباب يلجأ لها بحثًا عن الاستقلالية بعض الشيء، حيث يجتمع مع أصدقائه، أو يجلس بمفرده، للإبتعاد عن كنف الأسرة التي يريد الشباب دائمًا الخروج من سطوتها، وهو ما قاله “شعبان النقلي” مصري مقيم في السعودية، موضحًا أنه يحضر جلسات ترف كثيرة ويتشارك في استئجار استراحة مع بعض أصدقائه، لمشاهدة المباريات بحرية، وتبادل النقاشات المختلفة، منوهًا إلى أنه ليس بالضرورة أن يتسم الأمر بانحرافات أخلاقية تحدث في داخل تلك الاستراحات.
المساواة مطلب لا يموت
في أواخر عام 2019، أثيرت ضجة كبيرة أمام أحد مقرات مجالس الترف، وكانت بسبب مشاجرة جماعية بين شباب وفتيات هناك، وأثار الحادث أقاويل عدة حول ما يتعلق بالاستراحات الشبابية السعودية، ودشن وقتها مغردون عبر موقع التدوينات المصغرة “تويتر”، سؤالهم حول السبب الذي يجعل شبابًا يتجمعون مع فتيات في استراحة، فيما استنكر البعض هذا الاختلاط بين الجنسين، مُعتبرين أنه مناف لأخلاق، خاصة عندما يحدث ذلك في السعودية.
وأشار النشطاء، وقتها، إلى أن وجود الفتيات يُثير تساؤلات حول ما إذا كانت هناك مخالفات للقوانين المحلية تتجاوز المشاجرة العابرة.
كانت المشاجرة، بمثابة الشُعلة التي أيقظت مُطالبات المساواة بين الرجل والمرأة في المجتمع السعودي، طلبًا لحق الفتيات في تأجير الاستراحات، وقضاء أوقاتهن بحرية، ورغم أن المُطالبات ليست الأولى من نوعها، إلا أن هذه الفترة شهدت إقبالًا كثيفًا من قبل الفتيات على الاستراحات.
وفي مايو الماضي تم تدشين هاشتاج تحت عنوان “منال واستراحات البنات” يرجع الهاشتاج لفتاة سعودية تُدعى “منال”، نشرت فيديو عبر حسابها الشخصي على “سناب شات”، طالبت فيه ذهاب البنات للاستراحات أسوة بالشباب، وتحدثت عن تأييد فكرة أخذ البنات للاستراحات مثل الرجال، حيث زاد إقدام الشباب على الاستراحات ليجتمعون فيها ويلعبون ويمرحون ويعدون حفلات للشواء، أما البنات فيضيع وقتها في السوق والكافيه، ولاقت منال تأييدًا كبيرًا من الفتيات السعوديات، كما لاقت بعض عبارات اللوم ما جعلها توضح أنها تقترح أن تكون تلك الاستراحات مُحددة بضوابط مُعينة، من بينها أن تكون تلك الاستراحات النسائية معروفة لدى العائلات، وكل فتاة تذهب للاستراحة مع فتيات موثوق بهن، فالهدف هنا هو الترفيه عن أنفسهن.