تعد الانتهاكات جزءًا من نمط أكبر ومستمر من جانب الجيش التركي، بعدم الالتزام باللوائح المعترف بها دوليًا فيما يتعلق بالمجال الجوي لليونان.
في الآونة الأخيرة، تعهدت تركيا واليونان الدفاع عن حقوقهما الإقليمية، إثر تصاعد التوترات بين البلدين في البحر الأبيض المتوسط.
كما تعد الانتهاكات الجوية آخر أوراق النظام التركي في شرق المتوسط، لاستفزاز اليونان وغيرها من الدول عبر الحدود.
وتأتي الخروقات الجوية التركية، وسط توغلات بحرية تركية في مياه قبرص وإعلانات إعادة ترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط.
انتهاكات المجال الجوي اليوناني
وقعت الخروقات التركية الأولى للمجال الجوي اليوناني في مايو 1964، وكانت مرتبطة بالتوتر فوق قبرص في ذلك الوقت.
وأعقب ذلك فجوة استمرت عامين واستؤنفت من سبتمبر إلى نوفمبر من عام 1967، وجاءت في أعقاب اجتماع قمة فاشل في منطقة إيفروس الحدودية اليونانية بين الحكومة العسكرية اليونانية والقيادة السياسية التركية.
كان ذلك قبل الاشتباكات الدامية في بلدة كوفينو في قبرص، وأراد الأتراك قياس حدود التسامح اليوناني.
في أبريل 1975، دعت تركيا اليونان إلى قصر مجالها الجوي الوطني على 6 أميال بحرية، بما يتماشى مع ترسيم حدود الجرف القاري.
منذ ذلك الحين، تخطت تركيا المجال الجوي اليوناني بنشاط في نطاق يتراوح بين 6 إلى 10 أميال بحرية، وإن كان ذلك بشكل متقطع في البداية.
بداية الانتهاكات
بدأت الانتهاكات المنهجية في الثمانينيات، وأصبحت تحدث بشكل شبه يومي في التسعينيات.
وفي مرحلة ما، بدأوا في التوسع إلى ما وراء الحزام الذي يبلغ طوله 6-10 أميال بحرية للتوغل بشكل أعمق في المجال الجوي اليوناني.
وتلت ذلك تحليقات جوية غير مصرح بها، وعادة ما تكون على ارتفاع عالٍ جدًا فوق الجزر الصغيرة ونادرًا ما تكون فوق الجزر الأكبر.
وفي السنوات الثلاث الأخيرة، شهدت الانتهاكات من قبل طائرات دون طيار، وفي غصون ذلك، حدثت انتهاكات على طول حدود نهر إيفروس.
جذر الأزمة
يكمن جذر المشكلة في الإصلاح الذي سنته اليونان في الثلاثينيات من القرن الماضي، لتحديد المجال الجوي من 6 إلى 10 أميال بحرية فوق المياه الدولية.
ومع ذلك، نصت اتفاقية شيكاغو للطيران المدني الدولي لعام 1944 على أن المجال الجوي لا يمكن أن يوجد إلا فوق المناطق البرية والمياه الإقليمية، ومع ذلك لم يعالج أحد قضية توسع اليونان في مجالها الجوي فوق المياه الدولية.
أنجيلوس سيريجوس، نائب عن الديمقراطية الجديدة، وأستاذ مشارك في القانون الدولي والسياسة الخارجية في جامعة بانتيون بأثينا، يقول في تصريحات صحفية، قررت تركيا البدء في الاستفادة من ذلك في عام 1975، ولأن اليونان شعرت أن مكانتها في القانون الدولي لم تكن قوية جدًا ، فإنها لم تتحدى الطائرات التركية التي تتعدى على منطقة 6-10 أميال بحرية، لم تحبطهم أيضًا عندما تجاوزوا 6 أميال بحرية، لأن هذا كان سيجعلها تبدو وكأن اليونان قبلت حد 6 أميال بحرية؛ وهذا هو سبب رد فعل اليونان آنذاك، وليس قبل ذلك.
يضيف: كان الحل بالنسبة لليونان بسيطًا: مساواة المجال الجوي اليوناني بمياهها الإقليمية، ويمكن تحقيق ذلك بطريقتين: إما عن طريق تقليص المجال الجوي اليوناني إلى 6 أميال بحرية، إذ اتهمت الحكومة بالاستسلام، أو زيادة المياه الإقليمية للبلاد إلى 10 أميال، مما يزيد من احتمالية الحرب مع تركيا، حسبما أورد موقع “تركيش منت”.
وكان الخيار هو الاستمرار في إرسال الطائرات المقاتلة اليونانية لمطاردة الطائرات التركية، مع عواقب مميتة في بعض الأحيان.
لم تبلغ اليونان أبدًا الجانب التركي عن وجود بعض القيود التي لا يمكن انتهاكها دون عواقب تتجاوز مطاردة جوية أو معركة وهمية. من خلال الحفاظ على الضغط، تمكن الأتراك بمرور الوقت من توسيع حدود التسامح اليوناني وأصبحت الانتهاكات تحليقات فوق الجزر اليونانية الرئيسية.
سيناريوهات ردع
وفي 6 يوليو الماضي، نشرت صحيفة “كاثيميريني” اليونانية ما وصفته بـ “سيناريوهات ردع” الدفاع اليوناني ضد تركيا.
وتشمل السيناريوهات استخدام القوة، إذا قررت أنقرة إجراء عمليات حفر بالقرب من جزيرة كريت.
ودعت واشنطن أنقرة إلى التوقف فورًا عن التنقيب في المياه المتنازع عليها حول قبرص.
كما ينتقد الاتحاد الأوروبي، واليونان عضو فيه، خطط التنقيب التركية بشدة.
وتزعم أنقرة أن عمليات الحفر جزءًا من صفقة أبرمت في عام 2019 مع حكومة الوفاق الليبية، وهي صفقة رفضتها جميع شرائح المجتمع الليبي والجيش الوطني باعتبارها غير دستورية وغير قانونية.
وبموجب الاتفاق الليبي، يمكن لتركيا البحث عن الطاقة في مساحات شاسعة من شرق البحر المتوسط.
تشدد أثينا على أن الصفقة تنتهك المياه الإقليمية لبعض جزرها اليونانية.
واتهم وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، في تصريحات صحفية، تركيا بـ “الابتزاز” ، ووعد بأن “اليونان مستعدة للدفاع عن حقوقها السيادية”.
50 انتهاك في يوم واحد
وفي إطار الانتهاكات التركية، أعلنت السلطات اليونانية أن الطائرات التركية ارتكبت ما مجموعه 50 انتهاكا جديدا في المجال الجوي الوطني للبلاد ، في يوم واحد فقط.
ووردت أنباء عن وقوع الانتهاكات في المناطق الشمالية الشرقية والوسطى والجنوبية الشرقية لبحر إيجه في 2 يوليو الماضي، بما في ذلك جزر مثل خيوس وإيكاريا.
ولأنهم لم يقدموا أولاً خطة طيران، فقد اعترض الجيش اليوناني جميع الطائرات التركية حسب الأصول بما يتماشى مع قواعد الاشتباك الدولية.
وكانت أربع من أصل 13 طائرة تركية مسلحة، وفقًا للمسؤولين، وقد اشتبك الطيارون اليونانيون معهم في معارك وهمية نتيجة لذلك.
انتهكت تركيا المجال الجوي اليوناني، أكثر من 4600 مرة العام الماضي.
قالت وزارة الخارجية اليونانية إن حوالي 13 طائرة حربية تركية انتهكت المجال الجوي اليوناني 30 مرة.
قامت طائرتان تركيتان من طراز F-16 وبفعل ذلك مرتين، فيما أصبح حدثًا أكثر تكرارًا.
وكانت هناك 4627 حادثة من هذا القبيل العام الماضي – وهو أعلى مستوى له على الإطلاق – أبلغت الوزارة اليونانية موقع وأضافت أن هناك 3705 انتهاكات في 2018 ، و 3317 في 2017.
ليس من المرجح أن تؤدي الأحداث إلى صدام عسكري، لكنها تساهم في سوء النية في المنطقة.
وأشار بيتر ويزمان، من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام وهو مؤسسة فكرية سويدية، إلى أنه من غير المعقول أن تخوض اليونان وتركيا، اللذان كانا حليفين في الناتو، حربًا بشأن هذه القضية.
لكنه قال إن هناك خطرًا من أن تتسبب الألعاب البهلوانية الجوية في وقوع حادث مميت.
وأضاف أن هناك إرادة سيئة بالفعل لليونان وحليفتها قبرص، لإنفاق مبالغ كبيرة على الأسلحة على الرغم من الصعوبات الاقتصادية المستمرة في أعقاب الأزمة المالية في أوروبا.
وقال ويزمان إن “اليونان تنفق على أنواع معينة من الأسلحة أكثر مما هو متوقع في العادة من دولة في الناتو بحجمها”.
كما اشترت قبرص 240 مليون يورو من الصواريخ المضادة للطائرات والسفن من فرنسا.
فرقاطات فرنسية
من جانبها ، كانت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي في أثينا مع باناجيوتوبولوس، عندما حلقت طائرتا F-16 التركيتان فوق جزيرة أغاثونيسي اليونانية.
وانتقدت تركيا بسبب التنقيب عن الغاز في المياه القبرصية وشجعت اليونان على شراء الفرقاطات الفرنسية البالغة 1.5 مليار يورو.
وقالت إن “سفن التكنولوجيا الذروة ستسمح لليونان بتعزيز قدرات الردع التي تحتاجها في البحر المتوسط بشكل كبير”.
وأظهرت أحدث سجلات الاتحاد الأوروبي ، أن فرنسا أصدرت أيضًا تراخيص لبيع ذخائر بقيمة 530 مليون يورو لليونان في الآونة الأخيرة.
وأصدرت تصاريح بقيمة 160 مليون يورو لقطع غيار الطائرات والإلكترونيات.
لكن حلفاء الاتحاد الأوروبي والناتو يتعاملون مع كلا الجانبين في “الحرب الباردة” في بحر إيجة.
وأصدرت فرنسا أيضًا تراخيص بقيمة 220 مليون يورو من الذخيرة و 430 مليون يورو من المكونات العسكرية لتركيا، بينما تأمل إسبانيا في بيع 1.1 مليار يورو من طائرات النقل إلى أنقرة، وفقًا لسجلات الاتحاد الأوروبي.
تعيين الحدود
ويقول أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي، إن تعين الحدود البحرية بين الدول الساحلية، مثل: مصر، وتركيا، وقبرص، واليونان، مسألة من ضمن أعقد الأمور للقانون الدولي للبحار.
ويضيف “سلامة”، في تصريحات لـ “مصر 360”: لا توجد معادلة حسابية واحدة متمركزة تصلح لحل هذه الظروف، بل أن كل حالة بعينها يتم تعين حدودها ووفقًا لاعتبارات مختلفة عن الحالة الأخرى.
وتابع قائلاً: بالنسبة إلى البحر الأبيض المتوسط هو بحر شبه مغلق، وبرغم من تعيين الاتفاقيات على الحدود الأخيرة بين ليبيا تركيا في نوفمبر 2019، أو منذ أيام قليلة تعيين الحدود اليونانية المصرية، إذ يعد من أفقر المناطق البحرية التي تم تعيين الحدود البحرية فيها بين الدول.
وواصل: إخفاق تركيا في عقد اتفاقيات الحدود مع جيرانها، أدى إلى فشلها في استثمار الثورات والموارد الحية في أي مناطق اقتصادية خالصة مرتقبة، وأي جرفًا قاريًا أيضًا مرتقب، سواء كان في البحر المتوسط أوبحر إيجة، جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومستشاريه، يعقدون في نوفمبر 2019، مذكرة تفاهم حول الاختصاصات في المناطق البحرية بين الحكومة التركية، وحكومة الوفاق الليبي.
ويشير “سلامة” إلى أن هذه مذكرة التفاهم، كانت السابقة الأولى في تاريخ تعيين الحدود البحرية، أن تقوم الدول بإبرام معاهدة وليست اتفاقية.
وقد سبق لتركيا لتعيين الحدودن بينها وبين الجيب الانفصالي في شمال تركيا، وهذا الجيب المدعى بجمهورية قبرص التركية، لم تعترف به دولة واحدة في منظمة الأمم المتحدة إلا تركيا.
الاتفاقية المصرية واليونانية
تقاطعت الاتفاقية بين مصر واليونان، مع الاتفاقية التركية الليبية، ومن ثم فإن الاتفاقية بين مصر واليونان لن تكون حلاً نهائيًا في منطقة شرق البحر المتوسط بين الدول المتنازعة.