ظل العراق دولة مستوردة للقمح حتى عامين اثنين فقط، لكنها استطاعت فجأة تحقيق الاكتفاء الذاتي مع وصول الإنتاج عند 6.3 ملايين طن بزيادة 21% عن العام السابق، بفضل معادلة بسيطة، تقوم على دعم الفلاحين وتطبيق الزراعة الحديثة.
قالت وزارة التجارة العراقية، إن موسم محصول القمح 2024 حقق أهدافه بعد توريد المزارعين كميات، تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي، والاعتماد على المنتج الوطني، ما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي، إذ ارتفع مخزون القمح لـ 8 ملايين طن.
اشترت بغداد 5.1 ملايين طن من القمح المحلي خلال موسم الحصاد الحالي، الذي بدأ في إبريل 2024، لكن الشركة العامة لتجارة الحبوب توقعت وصول حجم المشتريات عند نهاية الموسم إلى ما يزيد عن 6 ملايين طن.
الدكتور حيدر نوري الكرعاوي، مدير عام الشركة العامة لتجارة الحبوب بالعراق، قال إن الأمطار “الاستثنائية”، وكذلك تقنيات الري الحديثة ساعدت في زيادة محصول العام الحالي.
أضاف الكرعاوي، أن الحكومة التي تدير برنامج دعم يستهلك 4.7 ملايين طن من السلعة سنويًا، تشتري القمح المحلي، بضعف السعر العالمي تقريبًا؛ لتشجيع إنتاج المزارعين المحليين.
إرادة لتحقيق الأمن الغذائي
دعمت الحكومة العراقية المزارعين بتقاوي عالية الإنتاجية بجانب الدعم المعنوي والمادي، إذ سلم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مبلغًا ماليًا لأول فلاح ورد محصوله من القمح والشعير.
الشياع قال نصًا في كلمته خلال انطلاق موسم تسويق محصولي القمح والشعير، إن “دعم الزراعة ليس ترفاً فالحكومة أمام أزمة وجود وأزمة تأمين الغذاء لأبناء الشعب”.
رصدت الحكومة مشكلات الزراعة، وأعلنتها على الملأ، بداية من مشكلة توقيت تجهيز الفلاحين بالأسمدة والقرارات المقيّدة لاستيرادها، ومنحت القطاع الخاص حق استيراد الأسمدة بعد معالجة المحددات الأمنية، ما عمل على تقليل الأسعار.
تطور كبير في الإنتاجية
بحسب دراسة عن إنتاج القمح في العراق خلال الفترة من (2020-2000)، كانت إنتاجية القمح متراجعة؛ بسبب تخلف أساليب الإنتاج من خلال عدم استخدام تقنيات الإنتاج الحديثة، فضلاً عن عدم الاهتمام الكافي بمشكلة الفاقد الإنتاجي في عمليات ما بعد الحصاد.
بلغت الفجوة خلال تلك الفترة حوالي مليون طن بمتوسط اكتفاء ذاتي يناهز %72.34، ولم يكن من المتخيل تجاوزها بعد أزمة 2021، حينما تراجع حجم إنتاج العراق من محصول القمح لـ 4 ملايين و234 ألف طن بنسبة انخفاض 32% عن إنتاج عام 2020 الذي بلغ 6 ملايين و238 ألف طن، وفق الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية.
وضعت الحكومة العراقية خططًا لزيادة الإنتاج عبر الزراعة الذكية، واستخدام أساليب الري الحديثة وإجراءات أخرى داعمة لزيادة المساحات المزروعة، وهو ما ساعد البلاد على تجاوز تحديات الجفاف.
بحسب وزارة الزراعة العراقية، فإن العراق خسر نحو مليوني دونم من الغطاء النباتي خلال الأعوام العشرة الماضية بسبب؛ التغير المناخي وانخفاض منسوبي مياه دجلة والفرات لبناء إيران وتركيا السدود على روافدهما. يذكر أن الدونم الواحد يساوي 1000 متر مربع.
زار عدد من مسئولي وزارتي الزراعة والموارد المائية بالعراق مقاطعات الصين لنقل الخبرة في الزراعة والتقنيات الحديثة للري، وطرق تحويل الأراضي المالحة والقلوية الى أراضٍ زراعية ذات جودة انتاج عالية.
ضم الوفد العراقي 34 مسئولا من 16 محافظة عراقية، وزار 12 موقعا، في مقدمتها منطقتي نينجشيا ومينينج اللتين تشهدان إدارة للأراضي وإجراءات لمعالجة تغير المناخ، وتجربة في الحد من الفقر، وتنشيط إنتاجية الريف.
مع قلة التدفقات المائية في نهري دجلة والفرات، تعاون العراق مع كندا التي مولت مشروعًا لمدة أربع سنوات لاعتماد الزراعة الذكية في مناطق وسط وجنوبي البلاد من خلال تقديم الدعم والتدريب إلى 1250 مزارعا، على معالجة تأثير التغيرات المناخية على الإنتاجية ومواجهة الهشاشة الاجتماعية في المناطق الريفية.
أنظمة ري حديثة وبرامج لمكافحة الهشاشة
تعاونت بغداد، أيضًا، مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ لتزويد المزارعين بالمعرفة والمهارات اللازمة لتنفيذ أنظمة الزراعة المائية بشكل فعال، وكذلك استخدام الري بالتنقيط في المحاصيل الشتوية مثل الشعير والقمح، كما بحث العراق أيضًا طرق الزراعة الذكية للأرز مع كوريا الجنوبية، واستنباط أصناف مقاومة لظروف قلة المياه والجفاف وإمكانية التعاون في هذا المجال أسوة ببلدان أخرى.
وقال الكرعاوي، إن فائض القمح العراقي البالغ نحو 1.6 مليون طن هذا العام سيباع إلى مطاحن القطاع الخاص المحلية لإنتاج الدقيق، مضيفًا أن احتياطيات الحكومة كافية، حتى إبريل المقبل مع عدم الحاجة لاستيراد القمح الأجنبي، لكن المطاحن الخاصة قد تستورد الحبوب لتلبية طلبها المحلي على الدقيق.
إنترنت الأشياء في الزراعة
يقول الدكتور سيف الدين عبد الرزاق سالم، الخبير بمركز دراسات الصحراء بجامعة الأنبار العراقية، إن الزراعة الذكية تقوم على إنترنت الأشياء من خلال بناء نظام لرصد حقل المحاصيل بمساعدة أجهزة الاستشعار، فيما يتعلق بالضوء ودرجة الحرارة، ورطوبة التربة. يذكر أن إنترنت الأشياء هو عبارة عن نظام حوسبة إلكترونية يجمع البيانات وينقلها عبر شبكة لاسلكية ويمكنه ربط العديد من التطبيقات مع بعضها دون دون تدخل بشري.
أضاف أن الزراعة الذكية في العراق تكمن في توفير الأمن الغذائي، والتغذية المحسنة وتعزيز الزراعة المستدامة والمحافظة على الموارد الطبيعية، ورفع كفاءة استخدامها وخفض التكاليف والاستخدام الأمثل للموارد الزراعية، وإدخال بعض المحاصيل الجديدة الهامة في منظومة الزراعة للعراق.
أكد سالم، على أهمية العمل على نشر ثقافة ونهج الزراعة الذكية في العراق، والحد من الآثار السلبية المحتملة للتغيرات المناخية في المجال الزراعي، واستخدام التقنيات والتكنولوجيات الحديثة كالزراعة الدقيقة، واستنباط أصناف نباتية مقاومة أو متحملة لدرجات الحرارة العالية وأخرى مقاومة للجفاف والملوحة، والتركيز على عوامل التغيرات المناخية التي تؤثر بشكل أو بآخر على مصادر المياه والزراعة.