أعلنت الدول الثلاث المشاركة في جهود الوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة، التوصل لمقترح يقلص الفجوة بين حماس وإسرائيل، وينهي الحرب في غزة على ثلاث مراحل، يبدأ بتبادل الأسرى ووقف القتال، وينتهي بإعادة إعمار غزة.
نجاح أو فشل الاتفاق يظل مرهونا بموافقة والتزام إسرائيل وحماس به، ولكن التقدم الجاري يؤشر، إلى أن الحرب المطولة، التي بطش فيها العدوان الإسرائيلي الوحشي بغزة، وقتل ما يزيد عن الـ 40 ألف شهيد، قد تصل لنهايتها قريبا.
وهنا يصبح السؤال الذي يشغل جميع الأطراف، ماذا بعد؟ ما هو مصير غزة في اليوم التالي للحرب؟
منذ اليوم الأول للحرب وضعت الأطراف الإقليمية والدولية تصورات لليوم التالي لنهايتها، وتغييرات تلك التصورات مع تطور الأحداث.
تدرك الجهات الفاعلة، أن ترتيبات اليوم التالي لغزة لن يحددها طرف بشكل أحادي، بل تشكلها رؤى مختلفة، لذا تجلس الولايات المتحدة وإسرائيل وقيادات الفصائل الفلسطينية ومصر وقطر والسعودية والإمارات، وغيرها من دول المنطقة على الطاولات للتباحث حول مصير غزة، وكل طرف تحركه مصالحة بالدرجة الأولى ـ رغم تباين الشعارات التي ترفع ـ وخلال تلك المداولات يتحول مصير غزة، وشعبها إلى مجرد قطعة في شبكات مصالح إقليمية ودولية.
تداخل الرؤى: واشنطن ودول الشرق الأوسط
لا توجد رؤية مشتركة متماسكة، تجمع دول الجامعة العربية حول اليوم التالي لحرب غزة، لكن يوجد ما يمكن، اعتباره أقرب ما يكون لتصور مشترك انعكس خلال القمة العربية في البحرين ـ حيث أكد البيان الختامي على حل الدولتين مع التشديد على ضرورة انضواء جميع الفصائل الفلسطينية، تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية التي وصفها البيان “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.
ورغم عدم وجود خطة تفصيلية– معلنه على الأقل – يبدو أن دول الجامعة العربية تجمع على أن حل الأزمة سيكون إنشاء دولة فلسطينية، تحت قيادة منظمة التحرير، مع ضرورة انطواء جميع الفصائل الأخرى (بما فيها حماس) تحت مظلتها.
الإدارة الأمريكية لها تصوراتها الخاصة، ولكنها ليست بمعزل عن دول المنطقة، ولذا أنشأت واشنطن “مجموعة اتصال“، تجمع حلفاءها في المنطقة؛ للتوصل لرؤية موحدة نحو إعادة إعمار غزة، واصلاح السلطة الفلسطينية، والاتفاق على مسار للدولة الفلسطينية، وإبرام اتفاق تطبيع اسرائيلي– سعودي.
قدمت دول مجموعة التواصل (السعودية ومصر وقطر والإمارات والأردن) لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، مقترحا، يتضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، تكون عاصمتها القدس الشرقية كشرط لمفاوضات السلام، لكن واشنطن قابلت المقترح بالرفض.
ونقلت تقارير، أن الإدارة الأمريكية حثت المجموعة على ألا يخططوا لرؤية بعيدة المدى بمواعيد نهائية، وأن تكون خططهم لمستقبل غزة محدودة.
ومن المرجح، أن مجموعة التواصل وواشنطن يتداولون فيما بينهم للوصول لصيغة توافقية حول اليوم التالي، ويبدو أن السلطة الفلسطينية تتجاوب أيضا مع المطالبات الإقليمية الدولية بالإصلاح استعدادا لحكم دولة فلسطينية في المستقبل.
ومن جهته، أعلن رئيس وزراء السلطة الفلسطينية الجديد محمد مصطفى، عن إصلاحات في قطاعات الصحة، والتعليم، والمالية، والاقتصاد.
واشنطن ودول المنطقة يتفقان، على أن إقامة دولة فلسطينية هو الخيار الأمثل لحل القضية، واستقرار الأوضاع مستقبلا، وأن اليوم التالي في غزة سيكون مصيريا في السير نحو حل الدولتين. ولكن تعنت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والحكومة الإسرائيلية اليمينية يظل العائق الأكبر، وهذا ما يجعل الإدارة الأمريكية أكثر تحفظا في التخطيط لمستقبل غزة.
تحاول واشنطن الدفع بحل الدولتين وتعارض النية الإسرائيلية لاحتلال غزة، بينما نتنياهو يتحدى الإدارة الأمريكية بإصراره على وضع جميع المناطق غرب نهر الأردن تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، ورفضه القاطع لإقامة دولة فلسطينية. إضافة إلى أن الكنيست “مجلس النواب الإسرائيلي” أيضا صوت ضد إقامة دولة فلسطينية، معتبرين المقترح تهديدا لإسرائيل.
ورغم تعارض التصورات بين إسرائيل ودول المنطقة، ترى تل أبيب، أن دول الشرق الأوسط قد تساعد على استقرار الأوضاع في غزة ما بعد الحرب، وعرضت إسرائيل على مصر وقطر ودول أخرى من المنطقة مقترحا لإدارة القطاع بمشاركة إسرائيل، لكن جميع الدول رفضت المقترح.
ويرجع رفض الدول للمقترح لعدة أسباب، أولها أنه عقب تلك الحرب الكارثية التي هزت أمن واستقرار المنطقة، تبحث دول المنطقة عن حل مستدام، وهذا في نظرهم يتمثل في حل الدولتين، وتشكيل حكومة فلسطينية موحدة.
كما أن إدارة قطاع غزة ستكون مكلفة، وستجلب المزيد من المشكلات، خاصة مع المناوشات والهجمات وعدم الاستقرار الأمني المتوقع، إضافة إلى إدارة قطاع غزة بالاشتراك مع إسرائيل يزيد الغضب الشعبي ضد النظم السياسية في دول المنطقة.
الإدارة الأمريكية على الجانب الآخر، تبحث عن حلول أكثر واقعية، حيث كشف موقع بوليتيكو، بناء على وثائق مسربة ومصادر أمريكية، عن أحد سيناريوهات الإدارة الأمريكية التي يتم مناقشتها. ويتضمن تعيين مسئول أمريكي كمستشار مدني ينسق مع قوة أمنية لحفظ السلام في غزة مكونة من 2000 فلسطيني، و1000 مشارك من الدول المتحدثة بالعربية.
وكي لا تلقى المبادرة مقاومة من الفلسطينيين، ستكون تلك القوة بلا مشاركة أمريكية، وتحت قيادة مسئول من إسرائيل أو السلطة الفلسطينية، أو طرف عربي، ويفضل أن تكون بقيادة مصر، كما سيكون مقر المستشار الأمريكي خارج غزة (سيناء أو الأردن).
وأكدت مصادر، أن واشنطن تحاول إقناع دول، مثل مصر والمغرب والإمارات، بالمشاركة في قوة حفظ السلام.
تلك التصورات تظل حتى الآن مجرد أفكار، يتباحثها المسئولون في الإدارة الأمريكية وحكومات المنطقة.
ونقلت تايمز أوف إسرائيل عن مصادر، أن بلينكن أخبر نظراءه خلال زيارته للمنطقة، أن الإمارات ومصر، مستعدان للمشاركة في قوة أمنية بقطاع غزة، ولكنهما اشترطا، أن يكون ذلك في سياق مسار لإقامة دولة فلسطينية، مع تشديد مصر على انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة.
وأضافت المصادر، أن الولايات المتحدة تأمل بتشكيل حكومة انتقالية، وأن تقود السعودية إعادة الإعمار.
الإمارات: تصور غير مبتكر بهوى أمريكي
بجانب الأطر العامة المشتركة، عرضت بعض الدول تصورات منفردة لليوم التالي، ولا تفترق تلك التصورات عن الأطر المشتركة التي تتفق عليها دول الجامعة العربية، ولكنها تنطوي على بعض الاختلافات الطفيفة.
لانا نسيبة (مساعدة وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي للشؤون السياسية)، قدمت نيابة عن دولتها في فايننشال تايمز تصورا يركز على تشكيل بعثة دولية مؤقتة؛ بهدف الاستجابة للأزمة الإنسانية، وإرساء النظام والقانون ووضع أسس الحوكمة؛ استعدادا لتوحيد غزة والضفة الشرقية تحت “سلطة فلسطينية شرعية موحدة”.
ودعت نسيبة السلطة الفلسطينية، أن تطلق مبادرة للإصلاح وإعادة بناء غزة تحت قيادة رئيس وزراء جديد مستقل، إضافة الى أن تنهي إسرائيل حصارها على غزة، وتترك السلطة الفلسطينية تتولى المسئوليات. كما شددت المسئولة الإماراتية على أهمية واشنطن في التأكيد على حل الدولتين، ودفع إسرائيل للتعاون ودعم الدور الفلسطيني.
التصور الإماراتي ليس مبتكرا، ولا يختلف كثيرا عن التصور المشترك، ولكنه يتلاقى مع التصورات الأمريكية حول إنشاء قوة دولية.
هناك عدة دلالات لإعلان مساعدة وزير الخارجية للرؤية الإماراتية عبر واحدة من أبرز الصحف العالمية، أولها التعبير عن رغبة الإمارات عودة الاستقرار، حيث أعادت الحرب الصراعات للمنطقة، بعد أن تم توقيع اتفاقات إبراهام التي كان من أهدافها إرساء الاستقرار في المنطقة، وتوطيد التعاون الإسرائيلي- الإماراتي.
كما تهدد الحرب المصالح الاقتصادية الإماراتية، خاصة فيما يرتبط بهدف تحقيق رؤية 2031، الساعية لتعزيز مركز الإمارات، وزيادة النمو وتنويع الاقتصاد.
ثانيا: عرض المقترح بهذا الشكل، يعكس رغبة إماراتية في زيادة النفوذ السياسي أمام الأطراف الإقليمية والدولية، خاصة أن هناك أطرافا إقليمية أخرى، تلعب أدوارا أكثر تأثيرا، فمصر وقطر مسئولان عن الوساطة بين حماس وإسرائيل، إضافة إلى أن مصر تربطها علاقة أمنية وثيقة بإسرائيل، أما السعودية، برغم عدم تدخلها بشكل جلي، تستمر واشنطن بالتشديد على أهميتها في إعادة إعمار غزة، وارتباطها باتفاق تطبيع مرتقب مع إسرائيل.
السعودية: تداخل مستقبل غزة ومستقبل التطبيع
لم تقدم السعودية تصورا منفصلا، لكن الملامح العامة التي تتشاركها دول الجامعة العربية تتفق مع مبادرة السلام العربية التي طرحتها الرياض لأول مرة عام 2002، والتي نصت على الاعتراف بإسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ووضع اتفاق التطبيع المرتقب مع اسرائيل مستقبل غزة، بل ومستقبل القضية الفلسطينية بأكملها، مقترنا بالسعودية.
لقد وضعت واشنطن والرياض اللمسات الأخيرة على اتفاقية دفاعية ضخمة، تتضمن مطالب السعودية بتعزيز الوجود الأمني الأمريكي في المنطقة مع تقديم واشنطن ضمانات أمنية، ودعم برنامج نووي مدني، ولكن إبرام الاتفاق بشكل نهائي مشروط بالمطلب السعودي بإقامة دولة فلسطينية والمطلب الأمريكي- الإسرائيلي بإتمام اتفاق التطبيع مع تل أبيب.
منذ عقود ترى الرياض القضية الفلسطينية كقنبلة موقوتة، تهدد استقرار المنطقة، وأصبح حسمها أكثر إلحاحا، مع سعى الرياض لتحقيق رؤية 2030، الرامية لتنويع الاقتصاد وتحويل السعودية للمركز التجاري والسياحي والاقتصادي الأكبر في المنطقة.
ويصاحب تلك الرؤية الاقتصادية سياسة خارجية تنطوي على الحد من الصراعات في المنطقة، بينما تسببت حرب غزة باضطرابات، وتعطيل لطرق الملاحة، مما أضر بالمصالح السعودية. ولذا شدد محمد بن سلمان، خلال القمة العربية في البحرين على ضرورة وقف النشاطات التي تهدد سلامة الملاحة الدولية.
إعادة إعمار غزة يمثل فرصة للسعودية لاستغلال الرغبة الأمريكية- الإسرائيلية الملحة لإتمام اتفاق التطبيع من أجل التحصل على التزامات من الطرفين.
ربما يكون من المستبعد، أن تقبل الحكومة الإسرائيلية الحالية بإقامة دولة فلسطينية، ولكن لإرضاء الرياض سيكون على إسرائيل الالتزام بمسار عملي يمهد الطريق لحل الدولتين.
مصر: شاغل أمني ومقاربة مرنة
تولي مصر أهمية كبرى لإعادة استقرار الاوضاع في غزة؛ نظرا لملاصقة الصراع لحدودها، فكلما طالت الحرب تزداد أخطار امتداد الصراع إلى داخل سيناء.
كما أن العمليات العسكرية (من قبل إسرائيل أو فصائل فلسطينية أو أطراف اقليمية) قد تنزلق إلى داخل الحدود المصرية، مثلما حدث بالفعل في حوادث الأجسام الطائرة والمسيرات في طابا ونويبع ودهب، أو مقتل الجندي المصري في حادثة رفح، فضلا عن أزمة اللاجئين على الحدود المصرية.
وكانت مصر من أوائل الدول التي قدمت تصورا لما بعد حرب غزة، لكن المقترح كان مبالغا في طموحه.
في نهايات العام الماضي، تقدمت القاهرة– بالتعاون مع الدوحة– بتصور يتضمن إطلاق الرهائن تدريجيا وإنهاء الحرب، ثم تشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة لإدارة الضفة الغربية، والقطاع حتى إجراء انتخابات، لكنه لم يلق ترحيبا بعد تقديمه لإسرائيل وحماس والولايات المتحدة.
في نوفمبر الماضي، نقلت تقارير، أن مصر رفضت مقترحا أمريكيا، يعطي للقاهرة الإدارة الأمنية لقطاع غزة، حتى استقرار الأوضاع وتشكيل حكومة من السلطة الفلسطينية، وشدد المسئولون المصريون، على أنهم يرفضون القضاء على حماس؛ لأن الحركة لها دور في تأمين الحدود.
ولكن التقارير الأحدث (السابق ذكرها) حول استعداد مصر للمشاركة في القوة الامنية المشتركة يؤشر، على أن الموقف المصري ليس جامدا، ولكنه يظل مشروطا بحل الدولتين وانسحاب إسرائيل من غزة.
من جهتها، نفت مصر جميع التقارير حول استعداد المشاركة في قوة مشتركة.
مصر رفضت أيضا مقترحا اسرائيليا، قالت تقارير، إنه يهدف لتمكين تل أبيب من مراقبة محور فيلادلفيا لمنع الهجمات مستقبليا.
مؤخرا نقل موقع ميدل إيست آي، عن مصادر أن مصر أصبحت على استعداد بقبول وجود إسرائيلي على الحدود مع غزة، مقابل أن تفتح إسرائيل معبر رفح، وتترك إدارته للفلسطينيين.
وبحسب التقرير، قدمت إسرائيل لمصر اقتراحين، الأول: هو الإبقاء على قوات إسرائيلية برية بشكل مكثف في محور فيلادلفيا، أما الخيار الثاني، فهو استبدال القوات بحاجز تكنولوجي ذي مستشعرات مرتبط بغرفة عمليات بتل أبيب.
أبدت مصر استعدادا لقبول الاقتراح الأول، وكانت أكثر تحفظا تجاه الثاني؛ نظرا لتهديده السيادة المصرية، ولكنه “يظل مطروحا على الطاولة” على حد تعبير أحد المصادر التي نقل عنها الموقع.
من الأكيد، أن مصر ستلعب دورا محوريا في تشكيل ترتيبات اليوم التالي لغزة، وهذا لا ينبع فقط من رغبة مصر ضمان استقرار القطاع، ولكنه من موقعها السياسي والتاريخي والجغرافي، المصادر والتسريبات المتذبذبة بين الرفض والقبول، والنفي والتأكيد، توضح أن الموقف المصري خلال المباحثات قد يكون أكثر مرونة، مما يبدو عليه في العلن، وأنه يتغير بناء على تطور المعطيات السياسية والأمنية.
تبحث مصر أيضا عن حل مستدام، يحسم القضية الفلسطينية كي لا يتكرر هذا التهديد الجسيم على الحدود المصرية مجددا، وبالنسبة للقاهرة هذا لن يتحقق إلا بانسحاب إسرائيل من غزة، والتوجه نحو إقامة دولة فلسطينية تحت لواء حكومة فلسطينية توافقية.
الطيش التركي والاتزان الإيراني
منذ اللحظة الأولى، رأت أنقرة في الحرب فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي.
واتسمت تصريحات تركيا المبدئية بالهدوء والتحفظ، دون التحيز لطرف على الآخر بشكل واضح. فطالب أردوغان إسرائيل بوقف القصف، وحث الفلسطينيين على “عدم إثارة مضايقات للمستوطنات المدنية الاسرائيلية”،
كما أعلن عن استعداد تركيا للوساطة بين الفلسطينيين وإسرائيل، معتمدا خطابا حذر وملتزم بالحياد النسبي في سياق المساعي التركية؛ للتأثير على مجريات الأحداث، وأملا في لعب دور مفاوض في مستقبل فلسطين.
تصور تركيا لليوم التالي، لا يختلف عن الدول المتحدثة بالعربية، فحسب التصريحات الرسمية، هذا التصور يشمل إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس على حدود 1967.
كما أن انقرة سعت للتأثير على مجريات الأحداث أيضا خلال محاولة لعب دور المفاوض بين الفصائل الفلسطينية، حيث عرض أردوغان، أن تقوم تركيا بمصالحة بين حماس وفتح.
وعلى عكس جهات دولية وإقليمية أخرى، تربط أنقرة وحماس علاقات وثيقة، حيث يدعم أردوغان حماس التي يصفها كحركة مقاومة.
وخلال الحرب عقد أردوغان اجتماعا ثلاثيا مع الراحل إسماعيل هنية ومحمود عباس. كما أن أنقرة استضافت عباس مؤخرا (الذي أشاد بأردوغان خلال خطابه أمام البرلمان التركي) في محاولة للتأكيد على الدور التركي.
تصريحات أنقرة المبدئية سرعان، ما اشتدت حدتها مع تصاعد الحرب، حيث أصبح أردوغان يهاجم إسرائيل بلهجة شديدة العنف، وصلت لوصف نتنياهو بالجزار.
احتداد الموقف التركي يفسره عدة أسباب. أولا، لطالما حاول أردوغان تصوير نفسه كقائد للعالم الإسلامي، فوجد في الحرب فرصة لكسب بعض النقاط.
داخليا، كان يتوجب على أردوغان إشباع التعاطف الشعبي التركي الواسع مع فلسطين، خاصة الاتجاهات الأكثر محافظة في حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه.
رغم هذه المحاولات، همشت الأطراف الإقليمية والدولية الدور التركي وأزاحته جانبا.
كما أن دعم وتأييد أردوغان المفرط لحماس، أضاع عليه فرصة لعب دورا فعال في المفاوضات بين القوى الإقليمية والدولية المختلفة التي أغلبها، إما تعادي حماس (مثل إسرائيل والولايات المتحدة) أو تنظر إلى الحركة بحذر (مثل مصر والسعودية والعديد من دول الجامعة العربية).
هذا الموقف لم يدفع أردوغان للتعامل بشكل أكثر رزانة سياسيا، بل زاد فقط من غضبه وحدة تصريحاته ما فاقم عزلته. حتى المصالحة الفلسطينية التي سعى لها، سبقته الصين لتحقيقها.
بالانتقال للطرف الإيراني، الأكثر معاداة لإسرائيل والذي تربطه علاقة وثيقة بحماس، نجد إيران عززت نفوذها الإقليمي باستخدام حلفائها في المنطقة، وتدعيم ما يطلق عليه محور المقاومة، مع التأكيد على دورها القيادي فيه، والتقرب لحكومات الدول العربية، وتعزيز صورتها بين شعوب الشرق الأوسط كحام وحيد للقضية الفلسطينية.
لم تقدم طهران تصورات مفصلة لليوم التالي. ولكن المؤكد أنها ترغب ببقاء حماس في مستقبل غزة، حيث إبعاد حماس عن الصورة يضعف التأثير الإيراني في المنطقة بشكل ملحوظ.
وخلال حرب غزة، ظهرت بوادر تحولات في الموقف الإيراني حول مستقبل فلسطين، فلطالما رفضت إيران حل الدولتين (لأنه يتضمن الاعتراف بدولة إسرائيل)، ودعت لاستفتاء يصوت فيه السكان الأصليون لإقامة دولة واحدة، يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود.
ولكن خلال شهور الحرب أبدت طهران تجاوبا مع حل الدولتين واستعدادا لقبوله، ووقعت على البيان الختامي للقمة الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامي في السعودية الذي دعا لحل الدولتين، بلا تحفظات، كما صوتت طهران لصالح مقترح قدمته الأردن في الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في غزة، تضمن التأكيد على حل الدولتين.
طاولات المفاوضات خارج غزة
مختلف الأطراف الدولية والإقليمية، حكام دول المنطقة والإدارة الأمريكية ونخبة الفصائل الفلسطينية، يرسمون مستقبل غزة على طاولات المباحثات، ولكل منهم تصوراته، التي تتلاقى حينا، وتفترق أحيانا أخرى.
وبعيدا عما إذا كانت تلك التصورات ستجلب النفع أم الضرر لأهالي غزة، ففي الواقع كل تصور لكل طرف، تدفعه مصالح خاصة، ولا يحركه انشغال حقيقي بحقوق أهالي غزة التي لا يستخدمها المسئولون في دول المنطقة إلا كشعارات رنانة للاستهلاك الإعلامي.
الخطة التي ستنفذ على أرض غزة اليوم التالي للحرب، ستكون صيغة توافقية تشكلها الأطراف المنغمسة في الأزمة، ومدى تأثير كل طرف سيتوقف على مستوى قوته ونفوذه.
ولكن المحصلة النهائية ستكون نتيجة تشاور، وتجاذب قوى داخلية وإقليمية ودولية، تخطط ترتيبات اليوم التالي، دون إشراك ومشاورة أهالي القطاع بشكل حقيقي في قرار مصيري، قد يحدد مستقبل غزة والقضية الفلسطينية على المدى الطويل.