عقدت كل من مصر والصومال اتفاقية دفاع عسكري مشترك مؤخرا، وهو تطور أثار الكثير من الأسئلة بشأن علاقة هذه الخطوة المصرية بتأزم العلاقات المصرية الإثيوبية على خلفية عدم وجود التزامات إثيوبية واضحة بشأن التدفق المائي لكل من مصر والسودان خلال فترتي الجفاف والجفاف الممتد، وكذلك مسارات الحرب السودانية وإمكانية توسعها، بما ينتجه ذلك من تفكيك للدولة في المرحلة المقبلة، وكذلك طبيعة العلاقات المصرية الصومالية في ضوء التفاعلات الشاملة مع القارة الإفريقية، وأخيرا وهو الأهم هل يمكن أن يكون التطور الأخير في العلاقات مؤشرا على ارتفاع احتمالات الصراع بين مصر وإثيوبيا، أم أن حدود الخطوة هي امتلاك أوراق ضغط مصرية على إثيوبيا فقط، خصوصا في ضوء، ما أعلنه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من إنهاء الأعمال الإنشائية لسد النهضة، وكذلك وصول التخزين الي ٧٠ مليار متر مكعب من المياه.

ربما يكون من المهم الإشارة هنا إلى معطيات العلاقات المصرية الصومالية التي تتضمن أمرين الأول: أن الصومال هي بلاد بونت التي كانت تملك علاقات تجارية مع مصر، منذ عهد الملكة حتشبسوت على وجه الدقة، حيث ظلت الدولة المصرية ممتلكة لمحددات لأمنها القومي مرتبطة بجنوبها في حوض النيل وشرقي إفريقيا، كما اتسعت هذه المحددات لتشمل الشام التاريخي وليبيا.

أما الأمر الثاني، فهو أن العلاقات المصرية الصومالية تميزت بالتفاعل الإيجابي تاريخيا، خصوصا في فترة التحرر الوطني وتوسع الدور المصري في إفريقيا بأدواته الناعمة إلى جانب الآليات الصلبة أيضا، وقد تطورت هذه الأدوار لتكون القاهرة أحد الفاعلين الأساسيين في محاولة وقف الحرب الأهلية بالصومال في مطلع الألفية، لكن تدخلا أمريكيا لغير صالحها رجح الكفة الإثيوبية في هذا الملف، حيث تم شيطنة أدوار للجامعة العربية في ترتيباتها لوقف الحرب الأهلية، كما تم شيطنة مصر لصالح أدوار لعبتها إثيوبيا بالوكالة لصالح واشنطن، وخصوصا مطاردة تنظيم الشباب بعد عملية الأمل التي فشلت فيها الولايات المتحدة فشلا ذريعا.

وقد تبع الفشل الأمريكي، فشل إثيوبي أيضا، حيث لم تستطع، أن تستأصل تنظيم الشباب التابع للقاعدة، بل أن التدخل الإثيوبي العسكري قد ساهم في تضخم التنظيم إلى حد، أنه قام بعمليات إرهابية في كينيا، بل في إثيوبيا ذاتها.

في هذا السياق يمكن النظر إلى التطور الأخير في التفاعل المصري الصومالي في ضوء عدة أمور منها: ما هو على المستوى الاستراتيجي، إذ تتمسك مصر بوحدة التراب الوطني الصومالي، وذلك في ضوء الخبرة، بأن تقسيم الدول ينتج من المشاكل، أكثر ما يقدم من حلول، وهي خبرة انتقلت من حالة استقلال جنوب السودان عام ٢٠١١، وباتت معتمدة حتى في واشنطن التي عارضت خطوة إثيوبيا بالإقدام على الوعد بالاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة.

وعلى المستوى الاستراتيجي أيضا، فإن ثمة مرحلة من التعاون المصري التركي، لن تقتصر على العلاقات الثنائية، ولكنها تمتد للتفاعلات ذات الطابع الإقليمي في مناطق الاهتمام المشترك، وهي المناطق التي لا تقتصر على الصومال فقط ولكن من المتوقع أن تمتد إلى مناطق أخرى في إفريقيا؛ عطفا على الوجود التركي المكثف في إفريقيا، حيث من المتوقع، أن يكون هذا الملف من ملفات زيارة الرئيس السيسي المرتقبة إلى تركيا خلال الأسابيع القادمة.

 وعلى صعيد استراتيجي مواز، فإن الاهتمامات المصرية بتطويق التهديدات الأمنية المرتبطة بتوسع الظاهرة الإرهابية في إفريقيا، تعد من أولويات المؤسسات الأمنية المصرية، وعلى ذلك فإن تلبية الاحتياجات الصومالية فيما يتعلق بتطوير القدرات الشرطية والعسكرية، وإعادة بناء المؤسسات الأمنية الصومالية تعد مسألة محورية في علاقات القاهرة ومقديشيو، حيث تصنف مصر محاربة الإرهاب أحد أهم الأولويات المصرية، حيث قامت سابقا بمحاولة بلورة منظومة دفاعية إفريقية مشتركة عام ٢٠١٥، تحت عنوان محاربة الإرهاب، إلا أن فرنسا قامت بتقويض هذا الاتجاه، كما أن مصر قامت في فترات سابقة بعملية دعم قدرات عناصر بشرية في بوركينا فاسو، مثلا ضمن مهام محاربة الإرهاب.

في هذا السياق، فسوف تكون مصر ضمن قوات حفظ السلام في الصومال، المتوقع أن تمارس عملها في الصومال مطلع ٢٠٢٥.

أما على الصعيد الجيو سياسي، فإن استمرار الحرب السودانية وعدم وجود أفق لحل الصراع العسكري، يشكل ضغوطا على مصر في ضوء وجود سيناريوهين، الأول عدم قدرة الجيش السوداني على حسم الصراع العسكري لصالحه في الفترة المقبلة، رغم اعتماده على الدعم الروسي، والثاني احتمال تحول السودان إلى مناطق نفوذ دولية متنافسة طبقا للنموذج السوري، وكلا الأمرين يهدد القدرات الجيو سياسية لمصر، وطبقا لذلك، ربما يكون التفاعل مع الصومال أحد أهم آليات تحجيم هذا النوع من التهديدات.

أما المصالح الاستراتيجية الصومالية مع مصر، فتبدو في دفع التغول الإثيوبي في الصومال والعبث بمصالحه، وذلك تحت مظلة علاقات حساسة بين البلدين بسبب؛ خلافات حدودية، حيث لم تعترف الصومال بالحدود المرسومة بينها وبين إثيوبيا، وتقول بأحقيتها في إقليم الأوجادين، وذلك إلى حد أنها قد رفضت اتجاهات منظمة الوحدة الإفريقية عام ١٩٦٤، بشأن الاعتراف الإفريقي بالحدود الاستعمارية، وخاضت حربا ضد إثيوبيا عام ١٩٧٧، لم تحقق فيها مقديشيو انتصارا.

وبطبيعة الحال، ازدادت المخاوف الصومالية من إثيوبيا في ضوء توجهات الأخيرة بالسعي إلى إنشاء قاعدة عسكرية في منطقة أرض الصومال، دون التشاور مع المركز أي الرئيس الصومالي في العاصمة الرسمية للصومال مقديشيو، بل وتقديم وعد باعتراف سياسي بأرض الصومال في خطوة، لم يقدم عليها أحد حول العالم.

وربما يكون من الجدير ذكره في ضوء تحولات منطقة القرن الإفريقي، هو التقارب المصري مع كل من أوغندا وجيبوتي في الفترة الأخيرة، إذ تجاوزت التفاعلات مسألة دعم القدرات في المجالات التقليدية؛ لتقفز نحو تفاعلات لها طابع عسكري وأمني، مع التوسع في وجود قوات مصرية في مناطق النزاع في منطقتي حوض النيل وشرق إفريقيا.

إجمالان قد تكون التحولات المصرية مدفوعة بسياسات الدولة الإثيوبية نحو التغول على المصالح المصرية في مناطق حيوية لها، خصوصا في منطقة حوض النيل، على أن هذه التوجهات، وإن كانت ضاغطة على أديس أبابا على نحو ما في هذه المرحلة، ولكنها لا تبدو كافية خلال المرحلة المقبلة في ضوء النزوع الإثيوبي، نحو حرمان كل من مصر والسودان من مواردهما المائية، وفي ضوء بناء سد النهضة، دون أية تفاهمات، ووجود مشروع استراتيجي إثيوبي لتأميم مياه نهر النيل، وكذلك دفع دولة جنوب السودان مؤخرا  نحو قيام برلمانها بالتصديق على اتفاقية عنتيبي الموقعة بين دول منابع النيل عام ٢٠١٠، والتي ترفض الاعتراف بضرورة تأمين الاحتياجات المائية لدولتي الممر والمصب السودان ومصر.